الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الثقافة والتطور في صحراء «ثار» وواحات الإمارات

الثقافة والتطور في صحراء «ثار» وواحات الإمارات
21 ابريل 2010 20:28
تعتبر “ثار”، الصحراء الوحيدة في الهند التي تقع على الحدود مع باكستان، شمال غرب الهند، وتضم عددا كبيرا من المدن القديمة التي شهدت فترات ركود طويلة، ثم بدأت هذه المدن منذ خمسة عشرة عاما تشهد تطورا وازدهارا بفضل عوامل السياحة. وتقع إمارة أبوظبي بمعظمها على صحراء الربع الخالي. ولا تقتصر أهمية تلك الصحراء على مساحاتها الشاسعة ومخزونها الهائل من النفط، بل تعتمد أيضا على تراث سكانها وقيمهم التاريخية. وتضم صحراء أبوظبي، تماما كصحراء ثار في الهند، مناطق حضرية مزدهرة. تمتلك الواحات الهندية والإماراتية تاريخا طويلا يشهد عليه التراث العمراني. وقد نجحت تلك الواحات في المحافظة على ثقافة معينة. “ثار” والربع الخالي صحراء ثار: صحراء هي صحراء مأهولة نسبية، تقع بين الهند وباكستان. تخضع لحراسة عسكرية مشددة بسبب التوتر القائم بين الدولتين الجارتين، باستثناء مناطق الكثبان الرملية والستيبس أي “السهوب” التي تدهورت بسبب الرعي وقطع الأشجار. تعيش مجموعات من الرعاة والمزارعين في عدد من القرى وهم في بحث مستمر عن المياه، لجأوا على مر العصور إلى استخدام أساليب ووسائل بدائية للاستفادة من المياه الجوفية وجمع مياه الأمطار. لا يقتصر الأمر في صحراء ثار على وجود القرى فقط، فهناك أيضا المدن، ولعل ذلك يفسر سبب كثافة السكان غير المعهود في الصحاري. تضم صحراء ثار مجموعة من المدن التي أصبحت الحياة فيها ممكنة بسبب انتشار البناء، وقد نشأت فيها بحيرات اصطناعية ضخمة تتغذى من المياه الجوفية. تعتبر هذه المدن من أكثر أماكن الصحراء اكتظاظا بالسكان وتتميز بأعمالها التجارية والإدارية. وقد ذاع صيت ثلاث مدن؛ لكونها عواصم الممالك التي ازدهرت آنذاك هي: جودبور وبيكانر وجيسلمار. اشتهرت تلك المدن بالتجارة بفضل موقعها على الخط البري بين الشرق والغرب. إن تحديث وسائل النقل البحرية ودخول سكة الحديد إلى الهند في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أدى إلى تدمير الاقتصاد الذي كان يعتمد على النقل البري ومرور القوافل. فقد غادر التجار بحثا عن فرص مالية قد تدر عليهم من تطور المدن الكبيرة في شمال البلاد. وفقد الملوك آنذاك سلطتهم ووقعوا تحت سلطة التاج البريطاني. ومرت مدن صحراء ثار بأزمات دامت طويلا ثم تحولت إلى مناطق إدارية مع إنشاء ولاية راجستان. تعتبر جودبور التي تقع شرق صحراء ثار أكثر المدن اكتظاظا، يبلغ عدد سكانها اليوم 900 ألف نسمة. تأتي بعدها بيكانر، شمال غرب ثار بالقرب من الحدود، أكثر من نصف مليون نسمة، ثم جيسلمار بالقرب من الحدود، لا يتعدى عدد سكانها 60 ألف شخص وتحتل المرتبة الخامسة عشرة بين مدن الصحراء. أما صحراء الربع الخالي، فتعد مساحات كبيرة منها غير مستكشفة بعد، وغير مأهولة كما هو الحال في صحراء ثار. بعضها حديث جدا والبعض الآخر لا يضم سوى عدد قليل من السكان، هم العمال الذين يعيشون بالقرب من معامل التنقيب عن النفط أو المياه الجوفية. ينتشر السكان البدو في مساحات أخرى منها كما هو الحال في مدينة زايد التي تعرف بعاصمة المنطقة الغربية ويبلغ عددهم 30 ألف نسمة. تنتشر فيها أماكن مأهولة بالسكان تتميز بطابعها التاريخي وتحمل هوية المجتمع كواحة العين التي تشتهر بالإنتاج الزراعي والتبادل التجاري. وقد اشتهرت واحة العين في قصص وروايات المسافرين القدامى كمكان للبذخ، ووفرة المياه والطعام بفضل موقعها على الخط الذي يصل الخليج العربي بالمحيط الهندي. ويقع إلى الشرق من هذه الواحة جبل حفيت الذي يعد مصدرا مهما للمياه والتربة. وهي من الناحية التاريخية من أقدم المستوطنات البشرية وتعود بعض المقتنيات الأثرية التي تم اكتشافها إلى أكثر من 5000 سنة. وقد أظهرت عمليات التنقيب التي بدأت منذ قدوم البعثة الدنماركية عام 1959 قِدَمِ القطاع الزراعي والتبادل التجاري مع بلاد ما بين النهرين. كانت تكثر في الواحات أشجار النخيل والعناب ثم اكتشفت بعثة الآثار الفرنسية في الثمانينيات آثار قديمة جدا لانتشار زراعة الذرة آنذاك. تحتل واحة العين مكانة بارزة في ذاكرة القبائل والأسر الحاكمة التي صنعت التاريخ في تلك المنطقة. وقد نشأت المدينة الحديثة من الواحات، وهي ملاصقة لمحافظة البريمي على الأراضي العمانية. ارتفع عدد سكانها من 100 ألف نسمة في منتصف الثمانينيات إلى أكثر من 450 ألف نسمة حاليا. وتعتبر واحة العين عاصمة المنطقة الشرقية وهي من أهم مدن الدولة. استقر السكان في سلسلة واحات ليوا القريبة من الحدود السعودية منذ سنوات طويلة. تختلف واحة ليوا عن واحة العين من الناحية الطبوغرافية، وهي عبارة عن سلسلة مكونة من حوالي خمسين قرية تبلغ مساحتها أكثر من 130 كلم، يعيش فيها اليوم أكثر من 50 ألف نسمة. تتميز واحة ليوا بمساحات خضراء مترامية الأطراف تلتقي بكثبان رملية. يعود ازدهار تلك الواحة إلى وفرة المياه الجوفية التي تسهل عمليات التنقيب عن الآبار والاستفادة من قنوات الري. يمثل الشريط الأخضر الممتد بين إمارة أبوظبي ومنطقة ليوا مصدر دهشة وإعجاب للمسافر. هي وجه لتراث وتاريخ الإمارات ومهد الأسر الحاكمة في أبوظبي ودبي، ووجه لأبرز القبائل كقبيلة بني ياس التي كان يتزعمها آل نهيان. كانت قبائل بني ياس تعيش حياة البداوة وتعمل في الزراعة والرعي وصيد اللؤلؤ. تمركز آل نهيان في إمارة أبوظبي وأرسوا دعائم نفوذهم في العاصمة منذ أواخر القرن الثامن عشر. وأمضى الشيخ زايد فترة من طفولته في قصر الحصن في إحدى قرى أبوظبي. نستنتج مما أنف ذكره أن صحراء ثار ورثت تقاليد مدن القوافل الصحراوية وعرفت فترات تدهور وصعود. في حين أن واحات الإمارات اعتمدت على نظام اقتصادي جمع بين الصحراء والسفوح والبحار. ثم تأثر الاقتصاد التقليدي باكتشاف النفط وشهدت منطقة الساحل طفرة عمرانية هائلة. لكننا نلاحظ اليوم أن هناك رغبة في الحفاظ على التجمعات السكنية القديمة والعادات المحلية. وفي كلتا الحالتين، فإن التراث هو في خدمة التطور الاقتصادي المرتبط بالسياحة الثقافية. التراث المادي وغير المادي تشتهر مدن ثار بمعالمها العمرانية الرائعة التي تشهد عليها ثلاث أنواع من المباني. تجسد القلاع والحصون تراث تلك المنطقة. وتعكس ضخامة تلك المباني الأثرية قوة ونفوذ الأسر الحاكمة وصلابتها في ذلك الوقت وقدرتها على جباية الضرائب من رعاياها ومن التجار والمزارعين والحرفيين. كان يسيطر على الهند حينذاك أمراء راجبوت الأقوياء الذين كانوا يمتلكون قوة عسكرية ضخمة واستمر حكمهم حتى نالت الهند استقلالها عن الاستعمار البريطاني عام 1947. تعتبر منطقة جودبور مثالا حيا للتراث الرائع. تضم جودبور أحد أضخم الحصون الذي احتضن الأسرة الحاكمة حتى بداية القرن العشرين. ثم تحول إلى فندق تراثي في الثلاثينيات وأصبح مقرا لإقامة المهاراجا. تعد بيكانر وجيسالمار من أهم الوجهات السياحية. وهي مقر لأهم القلاع والحصون التاريخية. أما النوع الثاني من المباني الأثرية المنتشرة في ولاية راجستان، فهي المعابد. تتفاوت أحجامها من معبد إلى آخر، ويرتبط ذلك بحجم الآلهة التي من أجلها بنيت هذه المعابد وبأوضاع القبائل والكهنة الذين كانوا يرتادونها من أجل العبادة وخدمة الآلهة. فهناك تسلسل هرمي يذكرنا بنظام الطبقات الاجتماعية. وتمثل القصور النوع الثالث من المباني والمعالم الأثرية في راجستان . وهي عبارة عن أبنية ضخمة رائعة مسيجة بأسوار عالية وقد تعاونت مجموعات من التجار في القرن التاسع عشر على بنائها لتكون مقرا لإقامتهم وأعمالهم التجارية. وقد هجرها أصحابها منذ زمن بعيد جدا، أي قبل فترة الاستقلال. وتفتقر تلك المباني الرائعة لعمليات الصيانة والترميم حتى في الأماكن السياحية. كان بإمكان الأراضي الزراعية المجهزة بنظم ري متطورة أن تشكل عنصرا مهما في صون تراث مدن الصحراء. لكن قطاع الزراعة يعتمد فقط على القرى التي تحافظ على مكانته التاريخية. وللتراث غير المادي أهمية لا تقل عما ذكرناه. حيث تلعب الموسيقى دورا مهما في حياة السكان المحليين سواء في المعابد أو في الحفلات الشعبية والعائلية. وتشتهر مجموعة من الألحان الموسيقية الشعبية الخاصة برجاستان في جميع أنحاء الهند. المحافظة على التراث الطبيعي أمر ضروري جدا. لكن الحال في صحراء ثار يختلف عن إمارة أبوظبي التي لا تزال تحافظ على مناظرها الطبيعية. ولم تكن ثار من قبل سوى موطئا لأقدام سكانها، لكنها اليوم تستقبل السياح الذين يقصدونها لفترات قصيرة جدا بسبب التوتر القائم مع باكستان. العين وأفلاجها العبقرية تعتبر واحات العين وليوا مقرات سكن قديمة جداً، تجسدت جاذبيتها في تواجد المباني بشكل مثالي في الوسط وفي الألوان الخضراء والصفراء لمناظر الواحات الطبيعية، وعلى غرار المجتمعات الهندية، كانت المجتمعات العربية القبلية أكثر إنصافاً للتراث، حيث إنها لم تمل إلى بناء قصور ضخمة، فالحصون التي شكلت مساكن الشيوخ والمساجد مصنوعة من الطوب الجاف وأحجامها متواضعة نسبياً، إضافة إلى أنها بنيت بعناصر تقنية بسيطة، لكنها لبّت وظيفة الاستصلاح الزراعي ووظيفة السكن، وبما أنها صنعت من طوب الصلصال المجفف في الشمس الممزوج بألياف النخيل ومن ألواح جذع النخيل وتمت تغطيتها بأوراق النخل، فإنها لم تصمد أمام الزمن أو الإهمال أو التمدن مع ظهور الحجارة والصفائح المتعرجة، فترك السكان المحليون الواحات ليسكنوا في فيلات حديثة، لكن الجيل الشاب ما زال يرغب في استعادة الخضرة وخرير مياه الواحات، ولعل هذا ما يسعى إليه مخطط التمدن لمركز العين حاليا، الذي يتضمن واحة العين ومحيطها، حيث السوق والمحطة إلى هدم حي الأبنية الصغيرة القريب العائد إلى السبعينيات لاستبدالها ببيوت على طراز الواحات. تشكل أنظمة الري التي تسمح للبشر بإعطاء قيمة لهذه المناطق عنصراً تراثياً قوياً، خاصة في ما يتعلق بنظام الري التقليدي، الفلج، الذي لازالت العين محافظة عليه، ويعود هذا النظام الذكي إلى 5000 عام وهو يعتمد على الجاذبية، حيث يوجه مياه الجبال القريبة في ممرات نصف مطمورة نحو الواحات أسفل الجبال، لتوجه توجه المياه عند مدخل الواحة إلى عدة قنوات تتفرع فتوزع على الحدائق وفق حصص مدروسة جيداً. لقد حافظت العين على جاذبية الممرات المظللة على طول الأراضي حيث تزرع الأعشاب والأعلاف والخضار عند ظل شجر النخيل. وتملك العين وليوا مواقع أثرية مثيرة للاهتمام تكوّن عناصر تراثية هامة. وإذا كان يصعب الوصول إلى مدافن جبل حفيت في العين فإن بعض المواقع قد تم تجهيزها للزوار. وتبرز حديقة هيلي الأثرية، الواقعة على بعد عشرات الكيلومترات من الوسط، أهمية المدافن الدائرية من الألفية الثالثة ونقوشها التي أصبحت ترمز للمدينة. وبإمكان الزوار أن يشاهدوا آثاراً أكثر حداثة للتواجد البشري في قرية العصر الحديدي. التراث والتطوير والهوية تمت إعادة تأهيل القصور والقلاع أولاً في جودبور وبيكانر وجيسلمير. وحافظ “المهراجا” وأتباعهم وعائلة “طاخور” على ملكية قصورهم وقلاعهم خلال فترة الاستقلال عام 1947 واستفادوا من مبلغ مادي سنوي هام ساعدهم على توفير احتياجاتهم وصيانة إرثهم العقاري. وقامت أنديرا غاندي بإلغاء هذه المساعدات في أواسط الستينات. وبعد أن فقد نبلاء رجستان سبل العيش وصيانة قلاعهم وقصورهم، حولوا هذه الأبنية إلى فنادق وطوروا السياحة الدولية. ودفعتهم الحاجة إلى توفير الراحة على مستوى دولي إلى توقيع عقود مع مجموعة تاج التي تملكها عائلة تاتا لتفوضها إدارة فنادقهم. وتملك هذه المجموعة الخبيرة في إدارة الفنادق الفخمة “قصر تاج محل في مومباي” الشهير منذ عام 1903. افتتح ملوك رجستان القدامى أول الفنادق الفخمة وعرّفوا صحراء ثار على السياح الأجانب. لقد وضعوا متاحف داخل قصورهم لتمجيد أسلافهم في أكثر الأوقات. نظموا سهرات للسياح من خلال تنشيط الفنانين المحليين الذين كانوا يتدربون سابقاً في الصفوف. اقترحوا زيارة القلاع على ظهر الفيل وزيارة الصحراء على ظهر الجمل. لكن المهراجا لم يظلوا طويلاً الوحيدين ممن يؤمّنون تطوير النشاطات السياحية. فقد قام نبلاء المدن الأصغر أيضاً بتحويل القصور الصغيرة التي يملكون في عواصم الممالك إلى فنادق. ووفروا بذلك مساكن تتلاءم مع ميزانية الزوار من الطبقات الوسطى. وشارك قسم من أعضاء الطبقات العليا سريعاً في هذه الظاهرة من خلال الاستثمار في فنادق ومطاعم ومحلات القطع الأثرية أو الأعمال الحرفية وإنشاء وكالات سفر وشركات سيارات أجرة وتنظيم النزهات في الصحراء. وشاركت الطبقات الشعبية أيضاً في هذا النشاط. فانكب الحرفيون على صنع منتجات حرفية للسياح. وأصبح أولاد مربي الجمال سائقي سكوتر (تاكسي) للسياح. لم تلعب الدولة دوراً رئيسياً في تطوير السياحة لكنها أمّنت تنمية البنى التحتية للنقل. وتوافق بناء طرقات واسعة في السبعينات، مكان الخطوط الضيقة المطلية بالقطران وطرق الرمال، مع الحاجة الاستراتيجية لتحسين حركة الجيش قرب الحدود مع باكستان. ولعب هذا الترتيب دوراً هاماً في تطوير السياحة. كما لعب فتح مطاري جودبور وجيسلمير العسكريين للطيران المدني خلال الفصل السياحي، أي أشهر الشتاء، دوراً بارزاً أيضاً. وكذلك الأمر بالنسبة لترتيب استقبال سياح بيوت الطابق الواحد (بانجالو) المخصصة للموظفين التي يعود تاريخها إلى الاستعمار البريطاني. ويجب انتظار نهاية التسعينيات لكي تضع الدولة في الهند سياسة فعلية للتطوير السياحي تؤمن مساعدات مالية لتجهيز فنادق بهدف زيادة العرض على الغرف الجيدة النوعية التي كانت مطلوبة بشدة. ووجدت عدة عائلات نبيلة السبل عندها لترميم إرثها العقاري أو للانطلاق في هذا المجال. لكن هذه السياسة الحكومية لا تخلو من التناقضات. فما زالت حيازة تأشيرة سياحية أمراً معقداً وقد بدأت الدولة للتو بالتخلي عن السياسة المنهجية بإجبار الأجانب على دفع ضرائب إضافية عالية جداً أكثر الأوقات في وسائل النقل العام والفنادق.. وأعيدت الحياة للأعمال الحرفية لإنتاج أغراض تباع في المحلات المخصصة للسياح. فقد رفعت السياحة الطلب على المجوهرات الفضية أو الزجاجية وأقمشة النسيج المصبوغة أو المزينة برسوم والتماثيل المصغرة المطلية والمفروشات الخشبية المصقولة. أدى ذلك إلى إنشاء أعمال حرفية للتصدير في مدن رجستان تؤمن أغراضاً هندية للمحلات في دول الخارج. ونتجت إعادة إحياء الحرفية التقليدية عن مجموعة من الجهود المتلاقية. من الممكن شرحها من خلال قدرة بعض أعضاء طبقة الحرفيين على فهم كم يمكن أن يستفيدوا من أقلمة معرفتهم مع الاقتصاد السياحي. وقدمت الدولة المساعدة لهؤلاء المقاولين لتشجيعهم على البقاء في مهنتهم فيما يشتري السكان المحليون منتجات صناعية لأغراض الحياة اليومية. وساهمت العائلات المالكة وعائلات التجار في تطوير الأعمال الحرفية أيضاً. فقد أنشأت مثلاً محلات موجهة للسياح في الفنادق أو شوارع معينة في مراكز مدنية. كما دعمت فناني رجستان والموسيقيين والمؤدين ومحركي الدمى الذين يعملون في الفنادق بالأخص. وأخيراً، ساهمت الدولة من خلال تنظيم مهرجانات في الحفاظ على أشكال تعبير فنية هددتها التغيرات الاقتصادية والاجتماعية. شاهدة على الماضي تعيش العين وليوا حاليا حالة نشيطة من التطوير السياحي، حيث تسعى السلطات المحلية إلى حماية التراث وإعادة إحياء الثقافة التقليدية، وبالتالي فان المدن الداخلية تقدم إذاً إمكانية تنويع العرض السياحي وتقوم في الوقت عينه بالمحافظة على الهوية، مما سهل إقامة شراكات بين هيئات عامة ومستثمرين محليين وخبراء أجانب في السياحة. ويبرز دور المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، مركزياً في تطوير العين التي سعى للحفاظ فيها على طابع المدينة ـ الحديقة الشاهدة على الماضي. ونشهد اليوم وضع سياسة نشطة جداً لإبراز القيمة السياحية للتراث من خلال إنشاء وكالات متخصصة واستثمارات كبيرة. وتتم إدارة المتاحف وترميم القلاع والعناية بالمواقع السياحية بواسطة الأموال العامة. يتم بناء فنادق رفيعة المستوى وفق شراكات معقدة بين الوكالات الحكومية واللاعبين المحليين وسلسلة الشركات الدولية. تم تحويل قصر الشيخ زايد إلى متحف، فكان متحف العين المقارب للواحة التي حملت المدينة اسمها قد أنشئ في حصن قديم، وهو من أول المتاحف المنشأة، وهو يتكون من قسم أثري وقسم إتنوجرافي. ويبين ذلك ثروات الثقافة الإماراتية كما كانت وسط القرن العشرين. أما في ليوا، فإن تطور السياحة أكثر حداثة مما هو في العين وتجري عملية إظهار قيمة التراث. الجمل مروج للسياحة لقد لعب الجمل دورا بارزا وفعالا في الترويج السياحي لأبوظبي، وقد أولى السكان أهمية كبيرة لمراكز الجمال وسباقات الهجن، حيث بيّن الأنتروبولوجي سليمان خلاف في في الدراسة التي خصها بهذه الرياضة، كيف لعب ذلك دوراً كبيراً في الحفاظ على الثقافة البدوية، فأعطى الفرصة لتمجيد هذا الحيوان الذي يرمز لحياة الأجداد من خلال تكرار شعر عن الجمل وأهميته في حياة القبائل، إضافة إلى تربية الصقور. كما يساهم الجمل أيضاً في جعل الزوار يكتشفون الصحراء خلال نزهات تشكل فرصة لاستحضار حياة البداوة وزمن القوافل. ولا تبدو النزهات في سيارات الدفع الرباعي في الصحراء إلا كبدائل عن النزهة على ظهر الجمل التي تساعد وحدها على تخيل الحياة البدوية واكتشاف النظام البيئي للصحراء. في الحالتين، يشكل تناول الوجبات أو قضاء الليالي في الخيم وسائل لإعطاء قيمة للتقاليد وجعلها مساهمة في تطوير اقتصاد المنطقة. وترتبط الوظائف التي خلقها هذا الاستخدام الترفيهي للصحراء باستعمال الثقافة بشكل مباشر ضمن نطاق التطور الإقليمي. لكن من الضروري بذل جهد في تدريب أدلاء سياحيين كي لا يتم نشر أفكار مسبقة حول المجتمع التقليدي كما يجب نقل الخبرات التقليدية بواسطة طرق جديدة بما أن التقنيات الحرفية قد أصبحت مهناً فنية. اقتران التراث بالثقافة ينتج تطور السياحة الثقافية وتعزيز الهوية المحلية في مدن الصحراء، في رجستان كما في أبوظبي، صورة لها قيمة كبيرة لهذه المناطق المعزولة نوعاً ما مما يساعد على الحفاظ على ثقافة محلية أصيلة. وبفضل هذه الصورة والوضع المنشأ، أصبح بمستطاع نشاطات أخرى مرتبطة بالثقافة أن تظهر ابتداءً من تسعينيات القرن الماضي بالأخص. من الممكن أن نذكر بروز هيئات أو جمعيات لتعزيز قيمة التراث تنظم فعاليات في المواقع المرممة كما في العين مثلاً عن طريق تنظيم حفلات في حصن مزيد خلال مهرجان الموسيقى الكلاسيكية. وهي تبث النشاط في الثقافة المحلية بتشجيع التواصل بين مختلف العاملين في التطوير. ويجب أن نذكر إنشاء جامعات ومؤسسات التعليم العالي. فإلى جانب اعتبارات التوازن الإقليمي، إن إنشاء هذه المؤسسات العامة أو الخاصة قد أتى كرهان على صورة هذه المدن كأقطاب قديمة. وقد سجلت هذه المؤسسات المعرفة التي تقدمها كتقليد أكاديمي اخترعته لحظة إقامتها. ومن خلال إظهار قيمة إطار الحياة والهوية التقليديين للأماكن، فهي تفتخر بتقديم ظروف دراسة بعيدة عن ضوضاء المراكز المدنية الكبيرة ويبدو أن العديد من العائلات يختارها لهذا السبب فيرسل أولاده للدراسة فيها. وأخيراً، من الممكن التطرق إلى تطور النشاطات المرتبطة بالمعارف والمعلومات والتقنيات العالية. بدأت جودبور في رجستان بسلك هذا المنحى، وقد بدا الأمر لبعض المؤسسات كبديل عن التجمعات المدنية الهائلة في دلهي أو العمران المتنامي في جايبور. أما العين، فتنتهج بدورها النهج نفسه. ويصوّر مخطط العين لعام 2030 منتزهاً تكنولوجياً قرب المطار وينظم تطور صناعات خاصة والمعلوماتية. إن المحافظة على التراث والنشاطات الثقافية لمدن الصحراء يساهم في دمجها في مجتمع المعرفة هذا الذي يتطور سريعاً في الهند وفي الإمارات العربية المتحدة، كما بينّا ذلك في الإصدار الأخير المنشور تحت إدارة الدكتورة بريجيت دومورتييه من جامعة السوربون في أبوظبي وعنوانه “العولمة ومجتمع المعرفة في الإمارات العربية المتحدة”. * أستاذ الجغرافيا الاقتصادية بجامعة باريس ديدرو ** ورقة بحثية تحت عنوان “الثقافة والتطور في مدن الواحات: إمارة أبوظبي وولاية رجاستان الهندية كنموذج”، قدمها البحث في ندوة نظمها المركز الثقافي الإعلامي لسمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان، ممثل صاحب السمو رئيس الدولة، رئيس المركز. وقد سبق للباحث أن عاش في صحراء ثار فترة طويلة خلال الثمانينيات وما زال يرتادها منذ ثلاثين سنة، أما الثانية وهي صحراء أبوظبي، فقد تمكن مؤخرا من اكتشافها، حيث شارك بمهمات بحث في الإمارات العربية المتحدة وقد أتيحت له فرصة دراسة تطور ونمو المناطق الواقعة في الصحراء. د. فيليب كادين ترجمة: أمينة بن طوطاح
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©