حرم معالي الوزير ··· فرجة ورؤى نقدية

يبقى الديكور على حاله منذ أن تفتح الستارة لحظة بدء المسرحية حتى انتهاء النص وتحية الجمهور·· صالة تؤدي الى الباب الرئيسي لبيت ما، وسلم حديدي يرتفع الى الطابق الأول، وغرفتان على جانبي المسرح، بينما يبدو هناك مقعدان كبيران يحتلان فضاء المسرح· تلك هي مساحة الحيز الذي سيلعب الممثلون أدوارهم ليؤدوا نصاً كتب حول تغيرات الذات الإنسانية، إنها مسرحية ''حرم معالي الوزير'' للمؤلف اليوغسلافي برانيسلاف نوشيتش ومن إعداد إسماعيل عبدالله وإخراج حسن رجب والتي قدمها مسرح دبي الشعبي التابع لهيئة دبي للثقافة والفنون، والتي عرضت مؤخراً على مسرح أبوظبي· بالرغم من المسحة الكوميدية التي تطغى دائماً على ما يقدم من أعمال مسرحية في الامارات فإن التراجيديا الخفية واللمسات النقدية اللاذعة هي بنية هذا النص الذي يحفل بالكثير· يقول المخرج حسن رجب ''الطماشة آه محلاها·· فرجة إنت بها تغنم· مقصدي في لب فحواها··· ويا بخت من هو بها يفهم'' وبذلك لخص الدلالة في إنتاج هذا النص الممتزجة بالفكاهة بمعناها الظاهر والمقصدية بمعناها العميق· وهو في كل ذلك أراد لب الفحوى الذي يتسرب عبر الفن بطرائق مختلفة بعيداً عن الوعظ والإرشاد المباشر· المسحة الكوميدية وفي إطار العودة الى مفتتح مقولة حسن رجب لابد أن نتوقف عند فهمه للفرجة التي هي متعة المسرح منذ بدئه، حيث لا يتحقق نص ممثل بلا جدار رابع مفتوح على عالم الواقع الذي يحتله المتلقون ''المشاهدون''· عند ذاك الجدار الرابع نشهد الواقع بكل وضوح لحظة تخطي طرف المسرح أو محيطه·· في الداخل وبين الجدران الثلاثة تمارس لعبة إيهام الواقع التي تتحول الى واقعية ما يحدث على الخشبة، وبين عالم الواقع الحافل بالطماشة والفرجة وبين عالم إيهام الواقع الحافل بالجدية والتغريب يتجلى الإبداع بكل معاييره حيث تمتزج فيها الفرجة والمقصدية والفحوى· نضحك بفرجتنا كوننا طرفاً خارج النص ونستلم المغزى كوننا طرفاً مرسلاً إليه، ومن الداخل النصي، أي فوق خشبة المسرح تتشكل الطرفة كما تبنى عناصر الفحوى· وقد نتساءل هل لخص حسن رجب بنية دلالات متعة المسرح؟ أعتقد أن الإجابة قد قدمها إسماعيل عبدالله معداً وحسن رجب مخرجاً في هذه المسرحية وهي ''حرم معالي الوزير''· منذ البدء نسأل لماذا حرم معالي الوزير؟ هل كونها الشخصية الأسهل في استقبال وتمثل الواقع المتغير الجديد كونها ''امرأة'' تخضع للمتغيرات الاجتماعية وتنساق وراءها بكل سهولة· أم أن النص بني على أساس السخرية من التلون السلطوي وبذلك استغل المرأة ليقدم انتقاداته عبرها ولماذا تتسيد ''حرم معالي الوزير'' عنوان الحكاية والمسرحية برمتها· عذيجة ''قامت بدورها الممثلة أشجان'' زوجة تعيش في ضائقة مالية وهي تتوسل الى ميثا الخالة ''قامت بدورها الممثلة عذاري السويدي'' كي تقرضها مبلغاً من المال، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يقدم السائق دسوقي (الممثل محمد سعيد) حواراً مع الابن سعود (الممثل إبراهيم المازم) عن حال الابن الذي تخلف أداؤه في مدرسته، ومن جانب ثالث نرى الابنة خولة (الممثلة أمل محمد) وقد سكنت مع زوجها غانم (الممثل حميد فارس) في بيت العائلة بسبب البطالة التي يعاني منها الزوج· وظيفة ''البشت'' من خلال مشاهد ثلاثة ابتدائية يقدم لنا حسن رجب بنية عائلية تتوزعها المشكلات على مستوى الأداء والتنظيم والمجتمع· وهو بذلك يقدم فرشة موضوعاتية قابلة لأن تعالج عبر رجّة أو صدمة مفاجئة تحول هذا الحال المتداعي الى كيان اجتماعي مهم حال دخول فراش الوزارة التي يعمل فيها الأب الى الدار طالباً ''البشت'' من الزوجة، ومعنى ذلك أن رب العائلة، الموظف المهم قد اختير ليتسنم وزارة ما ضمن التشكيل الوزاري المعلن، أو الذي سيعلن بعد ساعات حين يلبس البشت كما يلبس الوزارة· هنا يتعامل إسماعيل عبدالله مع ''البشت'' كونه شرفاً اجتماعياً في المنطقة العربية والخليجية تحديداً ليلبسه شرفاً سياسياً إذ ليس من اللائق أن يؤدي وزير قسماً بلا لباس شرفي اجتماعي وكأن ''البشت'' يمارس دورين، اجتماعيا من جهة، وسياسيا أو وظيفيا عاليا من جهة أخرى·· إذاً يبقى البشت هنا رمزاً حين يلبس أو ينزع لما هو في الطبقات العليا مدعوماً بالموروث الاجتماعي وبالموروث السلطوي· وهو بذلك لا يحتل مجالاً في النص المسرحي سوى للدلالة على مجيء أو ذهاب الوزارة حين تقلده أو حين نزعه· حسناً ان البشت هنا إشارة لمجيء فعل سامٍ، ولأن هذا الفعل السامي يمارس دورين في آن· أولهما أنه ألغى كل مظاهر خلخلة الأسرة ''الزوجة التي تستدين دائماً، الابن المتخلف دراسياً، البنت التي تعاني من مشكلة بطالة زوجها غانم''، وفي المقابل نجد أنه خلق مظاهر جديدة وهي انفلات الزوجة الى مظاهر الارتشاء والسلوكيات المتعالية، وتمرد الابن على نظم مدرسته وتوسلات المخادعين من المقربين الى الزوجة بأن تمنحهم امتيازات مالية واجتماعية، وهنا تدخل الزوجة ''أشجاب'' في تمثيلها البارع وأدائها المتمكن لتقدم شخصيتين هي الزوجة قبل تقلد زوجها الوزارة، والزوجة بعد تسنم زوجها الكرسي الإداري المهم· فعندما تغير اسمها من ''عذيجة'' الى ''عذاري'' كأنها تعيد تشكيل ما لا يصح أن يبقى على ما هو عليه·· ومع دخول السجادة الحمراء دار الوزير تبدأ الرقصات والأغاني ''الجوقة'' ولابد بذلك أن يتغير الديكور جزئياً والأثاث كلياً مع ضرورة رفع صورة الوزير ''الزوج'' الممثل ''خالد ذياب'' وهو دليل واضح على تفخيم الذات ومع أطنان رسائل التهنئة التي بدأت العائلة في استقبالها يبدأ التفخيم الذاتي عند حرم معالي الوزير يأخذ أقصى مداه· حكاية النص المسرحية لهذا الحد تقدم مشهداً للتحولات ينطوي على ''رؤى نقدية'' هي تلك التي يتحدث عنها حسن رجب واصفاً إياها بـ''الفحوى'' ولأن البشت هو منطقة الحكاية أو هو رمزها يقول سائق الوزارة ''ناس راحت عليهم الوزارة بسبب تأخر البشت عن الوصول الى أكتاف صاحبه''، وهو بذلك يقدم ثباتاً وتغايرا· إذ السائق هو المشاهد اللامتغير والوزير هو المتغير اللامشاهد· عندما لا تكتفي حرم معالي الوزير بكل المتغيرات الجديدة تحاول أن تطلق خولة ابنتها من غانم فتحيك له مؤامرة مع سعيد دودي ''الممثل فؤاد القحطاني'' تاجر الجلود والمواشي صاحب أكبر سلسلة مطاعم وفنادق، الذي زاده شرفا أن يتزوج من ابنة معالي الوزير بعد طلاقها ويلتقي صدفة بزوجها ''غانم''، لقاء بين الزوج والخاطب، هنا لم نجده لقاء مثيراً، بل ظل بارداً تمثيلياً، لم يقدم بطريقة موحية، بل ظل في إطار إكمال حكاية النص ليس إلا· تحيك حرم معالي الوزير مؤامرة بمساعدة الخادمة ''اوميرا'' (الممثلة نصرى المعمري) ضد غانم وزوجته ابنتها حيث طلبت منها أن تغازل غانم·· وتكتشف اللعبة وتصبح فضيحة تتناقلها الصحف وتقرر زوجة الوزير شراء الصحف لطمس الفضيحة، ولكن كيف ستسكت الإذاعة إزاء فضيحة مست الشرع والقيم· كل تلك الأمور يستغلها إسماعيل عبدالله ليقدم لسعات من النقد، بما يخدم نصه ويقدم من خلاله رؤية انتقادية· ويأتي معضد ''الممثل القدير عبدالله صالح'' برهائن من الإذاعة كي يجبرهم على الاعتذار ولم يفلح ذلك فتسحب الوزارة من الزوج وتسقط تلك الصورة المعلقة على الجدار خائفة، مرتجفة من مصير مجهول على المستوى الاجتماعي والسياسي، وبدلاً من أن تدير حرم معالي الوزير اللعبة أدار غانم زوج ابنتها لعبته ضدها· فتعود عذيجة الى أصولها بعد أن تمتعت بشرف الوزارة لأيام معدودة· أشجاب وعبدالله صالح وعادل إبراهيم ومحمد سعيد وأمل محمد وسعيد عبدالعزيز وعذاري السويدي ونصرى المعمري وحميد فارس وإبراهيم المازم وفؤاد القحطاني وعادل خميس وخالد ذياب والسادات أحمد ومبارك سعيد وجمعة سالم قدموا نصاً حكائياً، واسماعيل عبدالله قدم نصاً انتقادياً وحسن رجب قدم نصاً للفرجة، وبارنيسلاف قدم نصاً للمغزى·