الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شعر برسم الحياة

شعر برسم الحياة
12 مارس 2014 22:33
مشهد الشعر السعودي الجديد، مشهد القصيدة الأجدّ -كما يحب أن يطلق عليه البعض- عندما يكون الحديث عن القصيدة الجديدة مليئاً بالأسماء والتجارب، التي ازدادت بعد الانفتاح على الإنترنت وقنوات التواصل الثقافي والإبداعي الجديدة، وحمل معه رؤية جديدة يطرحها مجموعة من الشعراء، سواء في طريقة كتابتهم الشعرية وابتكارهم وتجريبهم وصورهم أو في مضامينهم، التي كانت شبه مستحيلة في أزمنة سبقتهم، مستفيدين من إيقاع الحياة الجديدة، ومستوعبين للمتغير السريع المعاش داخلهم. على أية حال، فبعد جيل كتب القصيدة الحديثة، ماراً بالكثير من التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والبنى والخطابات الفكرية والثقافية؛ بدءاً من ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته، وقبلها كذلك مجموعة من الشعراء في قصيدة النثر على سبيل المثال، منهم: فوزية أبوخالد وإبراهيم الحسين ومحمد الدميني وأحمد الملا وهدى الدغفق وحمد الفقيه وعلي العمري ومحمد عبيد الحربي ومحمد الحرز وعبدالعزيز الشريف وعبدالله السفر وعيد الخميسي ومحمد حبيبي وغسان الخنيزي، وتجارب أخرى، كزياد السالم وسعود السويدا وسلوى خميس وأحمد كتوعة عبدالرحمن الموكلي وفايزة السعيد وصالح الحربي ومنصور الجهني وآمال بيومي وغيرهم. أيضاً، في الأشكال الشعرية الأخرى (التفعيلة والقصيدة البيتية) ثمة تجارب مهمة ومؤثرة من الثمانينيات وما قبلها وإلى الآن. شعراء النثر لعل الأبرز في التجارب الجديدة تمثلها قصيدة النثر مع جيل ما بعد الألفيتين، خاصة التي تشكل استمراراً لتلك التجربة الأولى، إنما وفق تصور جديد وكتابات متباينة ومختلفة عن بعضها ومستوعبة كما ذكرت لذلك المتغير والآني، ولحظة الشعر المتخلصة من الذاكرة تماماً. ويمكن القول إن هؤلاء الشعراء يشكلون مجموعة تحيط بها مفاهيم متنوعة وثرية عن الفن في الصورة وفي المفاهيم، وباحثة عن خلاصه وسط كل الوسائل الحديثة، التي أخذت من الشعر بعض ما كان يعوّل عليه في مادته الخام تاركة له تحدياً جديداً وفي مساحة ضيقة، فذهبوا نحو نبرة ملتصقة بالحياة بكل تداعياتها، متخففة من اللغة مقابل الصورة والمفردات الجديدة واليومي والمهمش، وبعيداً عن القضايا الكبرى بالمعنى التقريري أو ما يشف عنه النص بل مأخوذين بالتجريب وبفضاءات وعوالم ملتصقة بواقعهم وقضاياهم، التي تخصهم ونزوعاً في كتابة الخاص والفردي الذي يشف بشكل أو آخر عن ذلك الواقع أو يختفي خلفه. ومع مطلع الألفية الثانية كان هناك عدد من التجارب، وهي في تنامٍ مطرد مع حلول 2005 وما بعدها، حيث الزيادة في عدد التجارب الشعرية النسائية. هنا يطلّ من المشهد شريف بقنة في تجربتين شعريتين ومجموعة من الترجمات، وعبدالله ثابت في الهتك، وهيلدا إسماعيل في أكثر من مجموعة شعرية، وكذلك هدى ياسر وإيمان الطنجي في مجموعتي،ن ونور البواردي وعبدالله العثمان وأحمد الواصل وصبا طاهر، ونقرأ الدواوين الأولى لمحمد السعدي وحسين الدهيم وسهام محمد في تجربتها الأخيرة وياسر العتيبي وعبدالرحمن الشهري وماجد الثبيتي وأضواء الصالح وعبدالله الهمل ومحمد الحميد وحسين منجور وعبدالعزيز الحميد ونورة المطلق ونوير العتيبي ومحمد الضامن وسمر الشيخ وأحمد العلي، الذي سيصدر مجموعة جديدة قريباً وكوثر الموسى وعبدالرحمن المطيري وروان طلال ومحمد البكري وسناء ناصر وفاطمة المشيقح. وثمة شعراء تجاربهم لم تدخل الطباعة بعد كهدى المبارك وعبدالله المحسن وندى علي وروان آل حمدان وعبدالعزيز بادومان وماجد العتيبي وريم فهد وسعد الخشرمي وغيرهم. تجارب عديدة وزخم مختلف في فلسفته الشعرية ومستويات وعيه، البعض تنازل عن لقب الشعر، وهم يذهبون لمفاهيم لا تضيق جغرافية أفقهم وآخرون خاضوا تجربة الديوان الإلكتروني في تماهٍ مع لحظة الإنترنت ومعطياته الجديدة، «اليوتيوب» والبطاقة الشعرية و«الفيسبوك» وغيرها، نصوص مشتركة، انزياح تام عن البلاغي ومضي نحو البحث عن حساسية شعرية خاصة. لحظة الإنترنت لم يكن بوسع هؤلاء الشعراء إلا أن يخوضوا عوالم هذا الفضاء الجديد والمعاش، انطلاقاً من بدايته في عالمنا العربي مع المواقع الشخصية والمجلات الإلكترونية الأدبية وصوتيات وفيديوهات المواقع الشهيرة كـ «اليوتيوب»، ووصولاً إلى مواقع التواصل الاجتماعي، مأخوذين بعوالم جديدة وموظفين عباراتها ومخرجاتها فيما يشبه الدهشة أو استثمار هذه المعطيات والمقاربات، التي باتت معاشة ولا مناص، بل إن مفردة إنترنت وما يتفرع منها بات من المألوف أن نراها تحضر في مجموعة شعرية أكثر من مرة، علاوة على مفردات أخرى لا يرون بأساً في توظيفها، ومع أن البعض كان يقحمها عمداً إلا أنها كانت جلية وحقيقية في التعبير عن حياة جديدة في نصوص كثيرة. نقرأ في ديوان عيد الخميسي «جملة لا تناسب القياس» نصاً عنوانه: «انطفاء شاشة إلكترونية»، وفي ديوان آخر عنوانه يشير إلى حياة إلكترونية كاملة وهو: «استرجاع كلمة مرور» لعبدالعزيز الحميد، وعنواناً آخر هو: «قبر إلكتروني» لحسين المنجور، وفي شعر شريف بقنة وأحمد العلي وعبدالله العثمان في ديوانه «ذاكرة متأخرة عشر ثوانٍ»، وماجد الثبيتي في نص «قصيدة الموجز» مثلاً، ولدى الشاعر محمد المهدي نص بعنوان «تعليق على حائط الفيسبوك» والشاعر عبدالله الهمل في بعض نصوصه، وغيرهم كثير. ونعثر لدى الشعراء على مفردات الإنترنت وبرامجه المختلفة وألفاظه الخاصة: ولعل الأشهر في ذلك مفردة (الفيسبوك) و(تويتر) و(الماسنجر) و(الإيميل) و(الدردشة) أو (الإنترنت). إنه ليس عالماً افتراضياً في الشعر خصوصاً، بل هي مفردة جديدة ذات علاقات وفضاءات جديدة، ورغبة من الشاعر أن يكتب ضمن يومياته، التي استحالت لدى بعضهم كحياة بديلة، إنها اللغة كذلك التي يطوعها الشاعر من أجل ديمومة الشعري في حياتنا، وليس لمجرد أنها مفردات يريد استخدامها لأنها جديدة فقط، وهذا ما يثير نفس المخاوف المتعلقة بالكتاب الورقي. خارج الرقابة، هل سيحول الشعراء دواوينهم المطبوعة ورقياً إلى الإلكتروني، مثلاً، وهم الذين أفادوا كثيراً من معطيات فضاء الإنترنت في نصوصهم وصارت مفردات قصائدهم لا تخلو من هذه المفردات، إما لأنها مفردات مستخدمة حقيقة في حياتهم المعاشة في أروقة الإنترنت، وبالتالي هم واقعيون يوظفون هذا المعطى الجديد لدقة التعبير ولإيمانهم بأنه بات فاعلاً في عالم مفروض على الحياة وعلى اللغة كذلك، أو ممن يستخدمونها لأنها كلمات جديدة فقط، ويريدون توظيفها دون أن يشعروا بلحظة الحاجة إلى توظيفها. وهذا لا يقتصر على الإنترنت فقط بل ينسحب على السينما والتشكيل والسرد واليومي والمعاش الجديد وبلغة بسيطة تتكئ على المفارقات والمقاربات والدهشة والمغامرة الواعية. ويمكن العثور على تجليات مثل هذه اللحظة الإدهاشية في نصوص كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر، عبدالرحمن الشهري في ديوانه الثاني «لسبب لا يعرفه»: منذ زمنٍ بعيد سألهُ المعلم عن جدّه فخيّل إليه أنّ اللحية البيضاء سحابةٌ تمطرُ على الصغار، وأنّ هناك من يعصر السحابة حتى تجفّ.. ولسوء الحظ لم يتمكّن من عصرها كغيره من الأطفال، ولا من النظر إليها وهي تتدلى بيضاء كالثلج، لأنّ جدّهُ مع كل أسف أخذ لحيتهُ معهُ إلى القبر”. وفي تجربة نور البواردي التي تقول في نص لها: بحثتُ عنكَ طويلاً تحت عجلات السيّارات في الأزقَّة فوق الأرصفة في وجوه الغرباء بينَ حقائب الراحلين وألصقتُ صورتكَ في ظهري من الخلف: هذا الذي يدفعني إلى جنون مميت دلّوه إلى وجهي وعند صبا طاهر التي تقول: خدشٌ صغير، هذا الذي تركتَهُ في قلبي، وذهبتَ لم أشعر لحظتَها به لكنْ الآنَ، دمي يؤلمُني، كما لو أنّه يحمل سُمَّ العالمِ كلّه. عوالم مختلفة ومغامرة وجديدة وملتصقة بإنسان اليوم؛ حيث القصيدة وجه آخر للحياة، والرؤى والصور الجديدة واستيعاب ووعي للحظة الشعرية. وفي إحدى نصوصه يقول عبدالعزيز بادومان: ستلقي عليك الصدف بأنفسها كالحيتان التي ترغب في الانتحار اغتنم صوتك الناهض للتو واشغل النوافذ برائحتك الصنوبرية مكتظ هذا المكان بك وبأنفاس البنادق التي تعبت من القتل كيف أسجي جسد الوردة قلبها بارد كالأموات وأنت موغل في الموت ولا تأبه لأحد تغرد الكمنجات التي تلاحق روحك حتى المدار الأخير تلبست بأرواح الورود القتيلة وفضت بالعطر يسحل الفجر جثة الليل ينشر البحر قصة الماء قلت انزّه لغتي في الحقول القريبة مروحية الحزن تحلق بي نحو مزاج داكن كيف ستعرفني الأماكن شهقة الحكايات المريضة اسلم نفسي للطبول الهائجة واحل وثاق الروح الصبي تندلع في جسدي الأغنيات اصرخ اصرخ وفي نص بعنوان «لُغة»، تقول هدى المبارك:  أبي،  هذا الرَّبيع سَنشـَاركُك أيامَنا..  بألحانِ الغـَجر،  فكّرتُ ان أعِيش نَيفًا مِن حَياتِهم،  لأحَدِثكَ أشعَارَهم.  نسعَدُ معًا بَعيدًا عَن المَستَوطَناتِ المَجنُونة،  في هذا الوطن، نحبّكَ كمَا كنّا و أكثر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©