الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العراقيون قبل الغزو··· وبعده

العراقيون قبل الغزو··· وبعده
20 مايو 2008 02:03
في السنوات الأخيرة لحكم ''صدام حسين'' قام رجل الأعمال العراقي ''عماد يوسف'' -مدفوعاً برغبته في التخلص من سيطرة التلفزيون الحكومي- بشراء صحن لالتقاط المحطات الفضائية، رغم أن ذلك كان غير قانوني وقتها، وقد حرص على تثبيته فوق سطح المنزل بطريقة بعيدة عن أعين الجيران والمارة، لكنـــــه سرعــــان ما أدرك خطورة ما أقدم عليه، فلم يكن ممكناً منع أطفاله الذين جربوا متعة الإطلاع على العالم من الحديث إلى أطفال الجيران الذين سيتحدثون إلى آبائهم ليصل الخبر في النهاية إلى أجهزة المخابرات العراقية، وتجنباً لأي متاعب مع السلطة قام ''عماد'' بفك الصحن اللاقط وإنزاله من سطح المنزل، ومع أن ''عماد يوسف'' كان يعيش حيـــاة مزدهرة، إلا أنــــه كـــان دائم التكتم على أحواله، متجنبــــاً ما أمكنه انتباه أجهزة المخابرات العراقية· اليوم بعد مرور خمس سنوات على سقوط نظام صدام مازال ''عماد يوسف'' البالغ من العمر 53 سنة يلعب الدور ذاته، فإذا كانت الحرية تعني في جوهرها القدرة على فرض الذات دون خوف من أحد، فإن العراقيين مازال أمامهم شوط كبير ليقطعونه قبل الوصول إليها، فاليوم كما الأمس يضطر العراقيون، الذين يودون الاستمرار في العيش بسلام، إلى الانكفاء على أنفسهم والابتعاد عن دائرة الضوء للبقاء بمنأى عن المشاكل، وبالطبع لم يعد الاحتفاظ بصحن لاقط يشكل مشكلة في العراق الجديد بعد اختفاء جهاز المخابرات التابع لصدام وسقوط الديكتاتورية، كما أن الشرطة السرية لم تعد تزور ''عماد'' للاطمئنان عليه، غير أنه في مرحلة ما بعد ''صدام'' برزت أخطار أخرى فرضت نفسها على العراقيين، حيث يشجع استعراض المقتنيات المادية على الخطف، والالتزام السياسي يدعو إلى القتل، كما أن فترات طويلة خارج الجدران الأربعة للمنزل قد تعني التورط وسط اشتباكات عنيفة· في العام 2006 تعرض أحد أبناء عم ''عماد'' لحادث إطلاق النار بينما كان يقود سيارته في الشارع، وقتل على الفور دون أن يعرف حتى القاتل، أو السبب وراء ذلك، صحيح أن الجنرال الأميركي ''ديفيد بترايوس'' أخبر الكونجرس الأميركي في الشهر الماضي أن مستويات العنف في العراق إلى تراجع، إلا أن ''عماد يوسف'' مازال غير قادر على الإقامة في منزل الأحلام الذي بناه في أحد أحياء العراق الراقية، لأنه بين الفينة والأخرى تقع حوادث في المنطقة فذلك من وجه نظره يعني ''القتل''، والأكثر من ذلك أن الفوضى التي تفشت في العراق، بعد غزو قيل إنه جاء ليرسي الديمقراطية في العراق، أقنعت ''عماد'' بالبقاء بعيداً عن السلطة، أو التفكير في المشاركة السياسية، ويوضح ذلك قائلا: ''نحن أناس لا ننخرط في القضايا الساخنة مثل السياسة والدين وغيرها، نحن أناس عاديون ومحايدون، وأعتقد أن معظم العراقيين هم من هذا النوع، فقد تعلمنا من النظام السابق كيف نمضي في حياتنا دون مشاكل''· ترجع أول زيارة لي لـ''عماد يوسف'' إلى العام 2002 عندما قرر النظام العراقي إجراء استفتاء حول حكم ''صدام'' وفتح الباب أمام الإعلام الدولي، حينها تسللت من بين العدد الكبير من الصحافيين الذين تقاطروا على بغداد لتغطية الحدث وأخذت سيارة أجرة إلى مكتب ''عماد''، وبالطبع قمت بالزيارة منفرداً، إلا من صديق مشترك في الأردن عرفنا على بعضنا البعض، حيث قضينا معظم الساعات الطويلة التي جمعتنا معاً في سيارته الشخصية نجوب شوارع بغداد ليلا، لأنه كما أخبرني كانت المكان الوحيد الآمن والبعيد عن أجهزة التنصت سواء في البيت، أو في المكتب، وفي ذلك الوقت شهدت أنشطة ''عماد'' التجارية، باعتباره وكيلا لشركة سويسرية للمواد الزراعية، ازدهاراً واضحاً في ظل اقتصاد يعاني من الضمور، كما كان فخوراً بوطنه وعائلته وعملـــه، لكنـــه أيضا كان يكره ''صدام'' للعقوبات الدوليـــة التي تسبــب فيهـــا بإيهامـــه العالم أنه يملك أسلحة الدمار الشامل· لقد أخبرني ''عماد'' كيف كانت رسائله الإلكترونية تتأخر لوقت طويل، وأنه عندما رفع شكوى لدى الشركة الوحيدة التي تقدم خدمة الإنترنت في العراق قال له المسؤول: إن عليه أن يكتب بأسلوب أوضح حتى يتسنى لعناصر المخابرات قراءتها بسرعة؛ وبينما كنا نتبادل الحديث ونتناقش كانت نذر الغزو بدأت تتجمع في سماء العراق بعد وصول القوات الأميركية إلى الكويت، وعندما سألته عن رأيه في إقدام ''بوش'' على الإطاحة بـ''صدام'' بدا مرتبكاً ورد قائلا: ''إننا نريد التغيير، لكننا نريده بطريقة مختلفة''، وفي العام 2003 اجتمعت لوقت قصير مع ''عماد'' بعد دخول القوات الأميركية إلى بغداد، حيث أطلعني على بيته الجديد الذي لم يستطع العيش فيه منذ تشييده بسبب العنف وتدهور الوضع الأمني، وقد سررت كثيراً عندما أتيحت لي الفرصة مجدداً لزيارة ''عماد'' في شهر مارس الماضي بعد أن بات صاحب شركة خاصة تقوم باستيراد وتوريد المواد الزراعية مثل المخصبات وغيرها من السلع، ورغم المشاكل الأمينة بلغ حجم مبيعات الشركة إلى القطاع الخاص حوالي 1,1 مليون دولار في العام ،2006 والواقع أني وجدته أيضاً مصدوماً من الطريقة التي تعاملت بها القوات الأميركية مع الأمور في العراق، حيث أخبرني بنفسه أن الجيوش يجب أن تتحمل المسؤولية عندما تطيح بالأنظمة من خلال الحفاظ على الأمن والاستقرار، غير أن ''عماد يوسف'' الذي آلمه كثيراً مشهد القوات الأجنبية وهي تغزو بلاده يطالب اليوم باستمرار تواجد الجيش الأميركي، فإذا انسحبت أميركا بسرعة يقول: ''سيصبح السيناريو واضحاً، سينفصل الأكراد، كما سينفصل الشيعة من الجنوب وإلى غاية شرق بغداد''، ويأمل ''عماد'' في أن تعود أسرته المستقرة في الأردن منذ العام 2004 إلى بغداد لتعيش في المنزل الجديد والفخم الذي ينتظرهم· كاميرون بار- بغداد ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©