الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوروبا... هل أدارت ظهرها للتعددية الثقافية؟

5 مارس 2011 23:09
يبدو أن رئيس الوزراء البريطاني، وفي خضم سياسات تقليص الإنفاق العمومي، يدعم التغير الجذري الذي يشهده النموذج البريطاني في مجال الإدماج الاجتماعي. ففي المؤتمر الأمني الذي استضافته ميونخ في الخامس من شهر فبراير الماضي، انضم "كاميرون"إلى فرنسا وألمانيا معلناً فشل فكرة التعددية الثقافية في بريطانيا التي كانت تشجع كما يقول "الثقافات المختلفة على خوض حياة منفصلة عن بعضها البعض وعن الثقافة السائدة". وعلى غرار فرنسا وألمانيا تبدو تصريحات رئيس الوزراء البريطاني، موجهة بشكل خاص إلى المسلمين، مستغلة على وجه التحديد التخوف المتنامي لدى الرأي العام في أوروبا إزاء المنحدرين من خلفية إسلامية، والذين تتزايد أعدادهم ضمن النسيج الاجتماعي الأوروبي. هذا القلق المنتشر في أوروبا يغذي أقصى "اليمين" كما ويؤثر أيضاً على توجهات الناخبين المتوجسين من فقدان أوروبا لهويتها التقليدية. ومع أن "كاميرون" حرص في تدخله بمؤتمر ميونخ على التفريق بين الإسلام والتطرق، إلا أنه في الوقت نفسه حض رجال الدين المسلمين أمام حضور دولي كبير في المؤتمر بالانضمام إلى مجموعة من المبادئ التي تشكل الهوية البريطانية مثل المساواة بين الجنسين والديمقراطية والتعددية لتتاح لهم فرصة المشاركة في الحياة العامة. والمثير في تصريحات "كاميرون" ما قاله عن فشل التنظيمات الإسلامية في بريطانيا، التي تعمل كوسيط بين المسلمين والدولة وتستفيد من أموالها من القطع مع أفكار تطبيق الشريعة والجهاد التي يتم نشرها في أوساط الشباب، لكن المسلمين من جانبهم يتهمون "كاميرون" باستهداف دينهم، وهو ما يثير المخاوف لدى البعض بضرب التقدم المتواضع الذي تحقق في العلاقة مع المسلمين بعد هجمات 2005 في لندن، التي كان لها وقع الصدمة على الجمهور. ويعتقد المتخوفون من أن خطاب "كاميرون" ضد المسلمين قد يساعد الجماعات المتطرفة على تجنيد المزيد من الأنصار. وفي رده على تصريحات "كاميرون"، قال "محمد شفيق"، المدير التنفيذي لمؤسسة "رمضان"، إحدى أكبر المنظمات الإسلامية في بريطانيا: "إن هذا الخلط بين التعدد الثقافي والاندماج الاجتماعي وبين مسألة الإرهاب يشوه صورة المسلمين ويلقي باللوم عليهم جميعاً دون تمييز". وفي السياق نفسه، يضيف "جونثان جيثنز-مازر"، مدير المركز الأوروبي للأبحاث حول المسلمين بجامعة إيكستر "إن مثل هذه المطالب التي يوجهها كاميرون إلى قيادات المسلمين في بريطانيا تجردهم من أي مصداقية في أعين باقي المسلمين ومن قدرتهم على المساعدة من خلال الجلوس مع الشباب في المساجد والبيوت". وكان الرئيس الفرنسي قد أعلن في الصيف الماضي موت فكرة التعددية الثقافية بعدما قادت بلاده حملة على المهاجرين والغجر والجريمة. وفي الإطار نفسه، لم تتأخر المستشارة الألمانية، كثيراً في إعلان موقفها المعارض للتعددية الثقافية بعد اندلاع جدل حاد في ألمانيا على خلفية كتاب ألفه أحد المسؤولين في البنك المركزي الألماني، ولاقى رواجاً واسعاً ينتقد فيه العرب. وزاد من حدة النقاش ما صرحت به في شهر يناير الماضي المرأة المسلمة الوحيدة في البرلمان البريطاني عن حزب "كاميرون" نفسه البارونا "سيدة وارسي" من أن المشاعر المناهضة للمسلمين تجاوزت "أحاديث طاولة العشاء" لتصبح مقبولة اجتماعياً، وهو ما دفع العديد إلى انتقاد تصريحها مثل "ديفيد جودهارت"، مؤسس مجلة "بروسبيكت" والمعلق بصحيفة "ذي جارديان"، الذي وصف ما قالته البرلمانية المسلمة بأنه "هراء وخوف مرضي". ومباشرة بعد نعي "كاميرون" للتعددية الثقافية، سارعت القائدة الجديدة للجبهة الوطنية المتطرفة في فرنسا، "ماريان لو بين"، إلى تهنئة رئيس الوزراء البريطاني في مقال نشرته بصحيفة "فاينانشيال تايمز"، معتبرة ذلك تحولًا في التفكير الأوروبي نحو المواقف التي تبنتها "الجبهة الوطنية" لأكثر من ثلاثين عاماً. ومع أن التعددية الثقافية في بريطانيا قديمة وترجع إلى الفترة الاستعمارية، التي كانت بريطانيا تسعى فيها إلى إدماج السكان المحليين والاستفادة منهم، إلا أن هذه السياسة تعرضت لنكسة منذ الثمانينيات، عندما صدرت الفتوى الشهيرة ضد الروائي سلمان رشدي، كما زادت الأمور تعقيداً بعد هجمات 11 سبتمبر في أميركا وتفجيرات لندن 2005، فمنذ ذلك الوقت تعرضت بريطانيا لانتقادات على تحول عاصمتها إلى ما يشبه "لندنستان" التي تنطلق منها التصريحات الجهادية الأكثر تشدداً. آنذاك انفردت السلطات بحملة استخباراتية ومجهود تواصلي مع المسلمين نجح في إخراس الأصوات المتشددة والتواصل مع الفعاليات المسلمة الناشطة في بريطانيا، وهو ما عبر عنه أحد المسؤولين الذي كان منخرطاً في هذا المجهود قائلا: "لقد انتقل النشاط الإسلامي من الخفاء إلى مقر رئاسة الوزراء مباشرة"، لكن تعليقات "كاميرون" الأخيرة أثارت انتقادات الكثير من المراقبين مثل "جونثان لورانس" المختص في شؤون المسلمين مشيراً إلى أن "رئيس الوزراء البريطاني نسف عملاً وجهداً شاقين في التواصل مع المسلمين قامت به البلاد على مدى سنوات طويلة"، مضيفاً أنه "لو ركزت الدولة فقط على بعض الجماعات والتنظيمات الإسلامية للتحاور معها، فإنها ستحولها إلى منظمات شبيهة بالسياسيين الرسميين، وهو ما سيقضي على أي قدرة تمثيلية لها وسيضر بعامل الثقة الضروري مع المسلمين". روبرت ماركاند - لندن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©