الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إميلي نصر الله: معظم النقد·· خدمات متبادلة

إميلي نصر الله: معظم النقد·· خدمات متبادلة
15 مايو 2008 02:01
منذ ذلك الحين، وإلى العمل الروائي الأخير ''ماحدث في جزر تامايا''، تجول الكاتبة في أصقاع العالم الذي غدا أشبه بقرية كونية كبيرة، تتواصل فيها الهجرات واللقاءات، من السفر التقليدي، الى الارتحال الأثيري· تكتب عن ''الجمر الغافي'' تحت رماد الغربة والمرأة والحرب بلغة تشبهها، وتشبه أحوال كل الذين غادروا الى المقلب الآخر من الكرة الأرضية، سواء في القطب الشمالي، كندا، أميركا، فرنسا··· ولا يغيب ذلك الشعور بأن الاغتراب يحدث كثيراً داخل الوطن نفسه، ويمكن داخل القرية التي ما عادت تشبه طقوسها، لكن التحدي في قاموسها الخاص ألا يجف القلم أبداً في مواجهة كل المتغيرات والضباب والارتباك الذي تشهده الساحة الأدبية· تحكي نصرالله عن بعض تجربتها في الحوار الآتي: ؟ ''ما حدث في جزر تامايا''، روايتك الصادرة حديثاً، هل يمكن اعتبارها توثيقاً برسم التاريخ للأجيال المقبلة عن الهجرة وتبعاتها؟ وهل هي الخلاصة المرّة في محاولتك سبر أغوار الهجرة منذ عملك الروائي الأول ''طيور أيلول'' في الستينات؟ ؟؟ بدأت كتابة الهجرة انطلاقاً من تجربة شخصية، عندما هاجر إخوتي، ومثلهم أبناء جيلهم والأجيال التالية، وكنت أنا قد انتقلت من الحضن الأول، قريتي الى المدينة، الكبيرة والعالم الغريب، رواية ''طيور أيلول'' كتبت في ذلك المناخ، من دون فذلكة فنية أو أدبية، وكتبتها بما تجمّع لدي من خبرة وعاطفة· من بعدُ، وجدتني أتابع الكتابة في هذا الموضوع، عندما أصبحت الهجرة قسرية بسبب الحرب، ولم تعد هجرة الشباب للبحث عن فرص مؤاتية للعمل والعيش· وكذلك لم تعد هجرة الشباب فقط، بل هجرة المسنين· ومن تلك التجربة جاءت رواية ''الإقلاع عكس الزمن''· وبما أن الرحلة لم تنته، فقد تابعت خطّها في رواية ''الجمر الغافي''· بالطبع، هناك مسافة زمنية تفصل كل واحدة من هذه الروايات عن سابقتها· وفي خلالها، كتبت في عدة مواضيع، لكني في روايتي الأخيرة ''ما حدث في جزر تامايا'' وددت القول إن الدرب طويل، وهذا الموضوع متواصل مع حياتنا، بل ويتمادى، وإن الغربة التي ترتسم في المخيلة الشعبية كحلم مشتهى، ليست كذلك· إن هذه الرواية الأخيرة عاشت معي نصف قرن، وكان محتّما عليّ أن أكتبها، نُشرت مسلسلة أولاً في مجلة ''فيروز''، ثم جمعت الفصول، ودبّجتها مختصرة قدر الإمكان، حتى أصبحت في حجمها الحالي، صحيح أنها عمل روائي إبداعي مثلما أريد أن أكتب الرواية، لكنها تمدّ جذورها إلى صميم الواقع والحياة الحقيقية· ؟ تقولين إن ''جزر تامايا'' غير موجودة· ما دلالة الاسم؟ وهل يمكن أن نعتبر أن الرواية الأخيرة هي محاولة للاقتراب من الرواية البوليسية؟ ؟؟ ''جزر تامايا'' الاسم الروائي لمكان حقيقي، وهجرة الشابين حدثت، كذلك ما جرى لهما في خلال إقامتهما في تلك الدنيا الغريبة، في جزر تقع في المحيط الهادئ، وقد شئت أن أروي، عن هجرة مختلفة، والى مكان غير مألوف، مثلما تعوّدنا القراءة عن الاغتراب اللبناني الى أميركا، أو أفريقيا أو أستراليا· أما الأسلوب، فهو مختار ليتوافق مع سياق القص· نعم، في محطات عدة، ترتفع حرارة التشويق حتى تقارب النهج البوليسي، وهذا ليس مقصوداً، إنما تناغماً مع سياق القص والموضوع· ؟ في ظل احتدام أزماتنا، ما زال لديك الأمل بأن تُتوجي تجربتك الأدبية بعمل يحمل عنوان ''عودة طيور أيلول''؟ ؟؟ أرجو ذلك، لكن قناعاتي تبدلت منذ ذلك الزمان الذي كتبت فيه رواية الهجرة الأولى، وبقيت أحلم بكتابة رديف لها عن العودة، أرى العالم اليوم بنظرة مختلفة، فقد أصبح أشبه بقرية كبيرة، تتواصل فيها الهجرات واللقاءات، وبكل الوسائل، من السفر التقليدي، الى الارتحال الأثيري عبر ''الانترنت'' والفضائيات، بينما كان المهاجر في ذلك الحين، يمضي بلا عودة، أو إذا عاد يكون قد تبدّل، وتغيّرت المطارح والوجوه التي خلّفها وراءه، أي الى نقطة اللارجوع· في آخر زيارة قمت بها الى كندا، وهي المكان الذي أوحى اليّ بعدة قصص وروايات، اكتشفت أن من غادروا، هم هناك ليبقوا، وقد تجذّرت إقامتهم من خلال ما خلّفوا من أولاد وأحفاد، وما بنوا من أعمال وعمارات· ؟ بعد نحو 25 عملاً أدبياً، هل ما زلت تمارسين طقوس الكتابة نفسها: المزاج، المكان، الشغف، العلاقة مع الورقة والقلم···؟ ؟؟ نعم، ويجب أن تكون متوفرة لي تلك الأمور كلها، خصوصاً المزاج والمكان، أدخل في شرنقة صومعتي، وأقفل من خلفي أبواب العالم الخارجي، وأدخل في حالة تشبه أحوال المتصوفين، وأعيش مع شخصيات من ابتكاري، وأندمج معهم في السلوك الذي يخصّهم· ؟ يلعب المجتمع الدور الأساسي في تحميل اللغة القيم والعادات والتقاليد، لماذا نشعر أن غالبية أعمالك الأدبية مولودة من صلب الريف، برغم أنك أمضيت القسم الأكبر من حياتك في المدينة؟ هل هي الطفولة تبقى تسكن ذاكرة الكاتب؟ وإلى أي مدى صاغت هويتك ككاتبة؟ ؟؟ أعمالي تشبه حياتي وتجربتي، تمتد جذورها في عمق المكان الأول، لكنها متواصلة مع العالم الواسع بكل ما اختبرته من تجارب وصراعات· نعم، الريف يحضر كخلفية، لكنه لا يحد تواصلها مع تطور الأحداث/ وهنا أودّ أن أشير الى أن القرية في مجتمعنا، تكوّن عالماً متكاملاً، بكل ما فيها من محافظة على التقاليد، والتراث وحتى اللغة، ولذلك هي خلفية ممتازة للبناء الروائي· أما بالنسبة اليّ، فهي تشكّل تجربتي، وتتابع مسيرة حياتي· نعم، لقد أخصبت المدينة البذور الأولى في أدبي، ولكنها لم تقطع العلاقة الأصلية والجذور· الإطار الكلاسيكي ؟ ثمة اتهامات توجه الى جيلكم بأنكم لا تخرجون عن النص الكلاسيكي، في حين أن الأدب رحلة بحث دائمة عن كل جديد، كيف تواجهين مثل تلك الاتهامات؟ ؟؟ أنا لا أتوقف عند هذا الكلام، لأني أعتبر الأدب كياناً حيّاً ينبثق عن مجتمعه وفي زمان معيّن، ويتميّز بأسلوب صاحبه، ولغته· بالطبع يلزم الأدب أن يعيش في مناخ عصره، إن من جهة لغته وأسلوبه، أو سائر الأدوات التي تسهم في بناء الكيان الحي، إن كان شعراً أو نثراً· وظيفة الكاتب أن يكتب وينتج· أما كيف يُقرأ العمل أو يُصنّف، فهذا من مهمة الباحثين والنقّاد· وأحياناً، يكون النقد إضاءة على العمل الإبداعي، لكن في معظم ما نقرأ من نقد تطالعنا خدمات متبادلة· ؟ اميلي نصرالله بين قلة من الأديبات اللواتي تعتمد أعمالهن في المدارس، هل الأدب جزء من وظيفة تربوية اجتماعية في تنشئة الأجيال؟ وإلى أي مدى يسيء إليه التعاطي الأكاديمي الجاف؟ ؟؟ لم أكتب بهدف تربوي، إن أعمالي ثمار حياتي وتجربتي، وأكتبها بما أملكه من لغة وأسلوب، وإذا وجد فيها القارئ ما يبحث عنه، للمتعة الفكرية والأدبية، أو للإفادة التربوية، فهذا شأنه، وفي نظري، أن ذلك يشكّل شهادة على تأصيل الأدب وانبثاقه عن خلفيات كانت من مصادر إنتاجه· الكتابة الشبابية ؟ نشهد في السنوات الأخيرة كمّاً لافتاً من الإصدارات التي تعوّل على النص الجميل، أو المتفلّت، أو مكنونات الداخل بغض النظر عن البناء الروائي، هل تلك الظاهرة ''الشبابية'' قابلة للحياة؟ ؟؟ أنا أقول: ليكتبوا، وخصوصاً أوجّه كلمتي الى الشباب الذين يعتبرون أن الكتاب يتراجع أمام تقنيات العصر، وأقول لهم: اكتبوا، وكيفما تشاء أمزجتكم شرط أن تكونوا مخلصين في عملكم، وتؤمنون أنتم بالكلمة قبل أن تطلقوها في المدى· ولا مانع أبداً، من التجارب، وإذا كانت أصيلة ونابعة من تجربة مخلصة، وقدرة متينة على التعبير، فسوف تلقى الاستقبال اللائق، وأضيف هنا، إنها ليست عملية سهلة، وسريعة، بل متابعة متواصلة، جادة لمواصلة اكتشاف أعماق الداخل ومستجدات العالم الخارجي· ؟ أخذت الكتابة عن الحرب اللبنانية حيزاً لافتاً في النتاج الروائي العربي، بعدها بدأنا نشهد ولادة أعمال جريئة لروائيات لبنانيات وعربيات، تلك التجربة كسرت تابوت الكتابة عن الجنس ووصف الجسد والرغبات، كيف تنظرين إلى تلك الأعمال: جريئة، فاضحة···؟ ؟؟ قرأت بعض تلك الأعمال· نعم، هناك جرأة وتقرب من الابتذال في بعض الأحيان· أنا معجبة بالجرأة الأدبية التي تطالعنا لدى البعض، خصوصاً الأقلام النسائية، لكني لا أحب المضي في الجرأة الى حد الابتذال والسوقية، والى حد لا يعود من الجائز إطلاق كلمة ''أدب'' على العمل· فوائد الترجمة ؟ هناك حركة ترجمة فاعلة في العالم العربي، بينها عدد من رواياتك إلى لغات أجنبية، كيف يمكن للقارئ العربي أن يؤثر في العقول الالكترونية (إذا أمكن استخدام هذا التعبير لجيل الانترنت)، خارج مجتمعه؟ ؟؟ نعم، تُرجمت عدة أعمال من أعمالي، روايات وقصص وأدب الشباب، وإلى لغات غير مألوفة، مثل اللغة الفنلاندية أو التيلاندية· لماذا اختاروا أعمالي؟ لأسباب منوّعة ومتعددة، وكما أُعلمت من خلال ندوات عُقدت معي في بلاد تلك اللغات، من الألمانية الى الانجليزية وسواها· ومن بعض الأسباب التي دفعت المترجمين ودور النشر الى اختيار تلك الأعمال، أنها تنقل اليهم عالماً جديداً، يدخلونه في سبيل متعة القراءة أولاً، والتعرف الى حضارة جديدة وغريبة عليهم· فقد كتب أحد النقاد، عندما تُرجمت روايتي ''الإقلاع عكس الزمن'' الى الدانماركية: ''إذا شئت أن تعرف هذا الإنسان المهاجر الى بلادك والمختلف عنك لساناً وعادات ومظهراً، فعليك أن تقرأ هذا الكتاب''· وأنا أعتبر أن الترجمة تُقيم جسوراً من التفاهم بين الحضارات وتؤدي بذلك إضافة إنسانية مهمة· ؟ تقولين إن فترة الستينات كانت ذهبية، كيف تقيّمين الحقبة التي نعايشها؟ ؟؟ في لبنان، نمر بمرحلة غريبة يصعب علينا وصفها، وبالطبع تنعكس على النتاج الإبداعي، لأن هناك غياباً للتواصل الطبيعي بين أبناء المجتمع الواحد، وهم الذين يكوّنون الخلفية الطبيعية للنتاج الفني أو الأدبي، هناك ضباب ودخان وارتباك، وقد تُشكّل كل تلك العوامل خلفية للإخصاب الفكري والثقافي·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©