الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

يوم الشعر الآخر

يوم الشعر الآخر
21 مارس 2018 20:21
بول شاوول يستحقّ الشعر أن يكون له أكثر من يوم عالمي. فالشعر لا يقتصر على القصيدة والشفوي والمكتوب، بل إنه سرّ العالم، والطبيعة والإنسان. فهو موجود في كل شيء. في كل كائن. في الطبيعة. في المدينة. في السينما. الرقص. المسرح. الرسم. كأنه عيد كل ما هو جميل ومتخيّل وعاطفي... لكن الشعر، عموماً، بات مهدّداً. على خطر، لأن العالم فقد شعريته، والناس فقدت أحلامها. والطبيعة مهدّدة، والتكنولوجيا تحلّ محلّ الإنسان. مع هذا، فالشعر المكتوب، وكما أظن، هو في عصره الذهبي اليوم، سواء في العالم العربي، أم على مستوى العالم كله، لأنه بات بعد أفول الإيديولوجيات، والمدارس الشعرية، والريادات، بملء حريته.. بات الشعر بلا سقوف ولا قواعد ولا نظريات. حلّ التجريب محلّ النظرية، والخاص محلّ المُعمّم، والتحرر محل القيود. تحوّل من تجمعات «نظرية» (الرمزية، الدادائية، السوريالية... إلخ.) إلى الفردية المطلقة. والشعرُ فرديٌ بامتياز، لكنه ليس خارج المجتمع، بل داخله، بأزماته وقضاياه.. إنها «الفردية المجتمعية» إذاً، أو «العزلة المأهولة». والغريب، أن بعض الشعراء يرثون الشعر كما رثاءَهم الموتى. «موت الشعر»، وزمن الرواية، أو السينما؛ هذا لا يعكس التعددية اللانهائية التي نجدها عند الشعراء، والأجيال، منذ الستينيات وحتى اليوم: في فرنسا، وإسبانيا، وإيطاليا، وتشيكيا، وأميركا، ومصر والعراق، ولبنان، وسوريا... فالنظرية، كأنها باتت إيديولوجيا شمولية، تهدد الذاتية لمصلحة «المبادئ الجاهزة»، أو «الوصايا اللازبة». إذ لم يعد هناك «شعر» واحد.. بل بات كل شاعر يحمل تجريبيته من تجربته؛ ومنها يطلع الأسلوب والبنية والإيقاع، بحرية تامة من طبيعة المشاعر والأفكار والحالات. والطريف أن من ينعون الشعر، ما زالوا يمارسونه. فإذا كان الشعر قد مات، فلماذا ينجو الشعراء؟؟ وإذا مات الشعر، فهل نجا شعرهم؟. موت الشاعر أم موت الشعر؟! أنهيت مؤخراً أنطولوجيا شعرية فرنسية: «الشعر الفرنسي من 1960 إلى 2015»؛ وترجمت لمئات الشعراء، وقد استمتعت بهذه التعدّدية اللامحدودة، والأهم بغياب «الرواد» و«الأنبياء». كما ترجمت سلسلة من الشعر العالمي من البرتغال، اليونان، بولندا وإيطاليا، مركّزاً على الشعراء الشباب، أي منذ فترة السبعينيات حتى اليوم. وكم فوجئت بهذه النزعات المتناقضة، والمتنافرة والمختلفة والمجنونة بين نصوص هؤلاء. الشعر في زمنه الذهبي اليوم، ويستحق أن يُحتفى به، لأنه الفن الوحيد الذي لم تستطع، لا العولمة، ولا الاتجاهات الاستهلاكية أن تستوعبه، كما استوعبت السينما والتلفزيون والرواية «البست سيلرز»، أو الأكثر مبيعاً، و هذه ظاهرة لا تدلّ على موت الشعر، بل على بداية موت الرواية، والسينما... لأنها صارت سلعاً استهلاكية. فموت الشعر أو حياته، لا يقاسان بالكم، «كم يبيع؟»، أو بالربح والخسارة أو بكمية القراء، بل بتلك الهامشية القلقة، غير المستقرة، الباحثة أبداً، الناقصة أبداً، خارج إلزامات السلطة السياسية أو الدينية أو الشعبية.. أو منطق السوق، في الربح والخسارة. وهذا ما زال يحمي وجود الشعر ودوره وتميّزه... وهذا ما يجعله متفلّتاً من كل إرادة خارجة عنه، من كل تسليع، أو استهلاك. بهذا الشعر مطلق، بقدر ما هو نسبي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©