الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

استطلاع على طريق الرحلات الرسولية

استطلاع على طريق الرحلات الرسولية
14 ابريل 2010 19:40
الرحلات الرسولية جزء من علم السيرة في كل الأديان. ظهر لدينا كأحد العلوم النقلية الخمسة: القرآن، والحديث، والتفسير، والسيرة، والفقه. وتعددت مراحل التأليف فيه، من محور الرسالة إلى محور الرسول، من مراحل دعوته إلى شخصه في علم الشمائل. يعتمد على الرواية مثل باقي العلوم النقلية، والرواية دون نقد أو تمحيص أو الحكم على درجة صحتها. كما تعدد التأليف في أنبياء إسرائيل أو أنبياء العهد القديم أو يسوع المسيح، وكتب المستشرقون في محمد أكثر مما كتب العرب في أنبياء بني إسرائيل قدماء ومحدثين بمنهج علمي “تاريخي رصين”، واعتمادا على مادة تاريخية وليس على الكتاب والسنة. الكتابة في تاريخ الأنبياء في ثقافتنا ما زال جزءا من التاريخ المقدس لا يمكن تناوله بموضوعية وحياد ولا يمكن استقاء مصادره إلا بما يتفق مع الكتاب والسنة. وتظهر نشأة الأسطورة وتطورها من تاريخ تدوين نصوص العهد الجديد. لا فرق بين الأناجيل وهي روايات عن المسيح والرسائل وهي ما كتبه الحواريون مثل مرقص ومتى ويوحنا أو التابعون مثل لوقا وبولص، وتأثير البيئة اليهودية الإشراقية مثل الأسينية في فلسطين على نشأة الأسطورة، وما اعتبرته الكنيسة غنوصية مثل مارقيون. والغاية من الأسطورة الدعوة والإقناع ونشر الرسالة. وقد ساهمت الكنيسة في ذلك. واعتبرها بعض الآباء الأوائل هرطقة. وقد نشأت الأسطورة على نموذج يوناني سابق عند فيلون وفكرة التوسط. وعظم التأليف في “قصص الأنبياء” من المؤرخين والأدباء. واستقل الموضوع عن علم العقائد وموضوع النبوة، وعن علم التاريخ “تاريخ العرب والإسلام”. وأتبع ذلك المحدثون محافظين ومجددين. وأصبح جزءا من الأدب الشعبي المدون. وكثر التأليف فى حياة الأنبياء في علم تاريخ الأديان، سواء تاريخ أنبياء بني إسرائيل أو تاريخ نبي خاص، يسوع المسيح. واختلطت سيرهم بأقوالهم. فلا يمكن فصل أقوال يسوع عن حياته. في حين تم ذلك فى العلوم النقلية بالفصل بين علم الحديث وعلم السيرة، علم الحديث للأقوال، وعلم السيرة للأفعال. ولم تحفظ أقوال الأنبياء قدر حفظ سيرهم. ومما يشجع على اكتشاف بنية الرحلات الرسولية أن الرسل تتوالى في العهد القديم لتمثل وحدة واحدة، سلسلة متصلة من آدم حتى محمد. لهم رسالة واحدة، التوحيد، وغاية واحدة. تحرير البشر وتأسيس الحياة على التقوى والعمل الصالح. وهذا هو الوعد الإلهي الروحي، وتحقيقه في الخلاص. وتحدث القرآن عن الأنبياء السابقين باعتبارهم حاملين نفس دعوة الإسلام، واستفادة من التجارب السابقة، والتعلم من دروس التاريخ. والتاريخ الرمزي وسط بين التاريخ الأسطوري والتاريخ الواقعي. قد تظهر بعض الآيات من قصص الأنبياء في القرآن كوسائل للتعبير على مستوى القول وليس كحقائق تاريخية. كما يستعمل كوثيقة تاريخية لم يصبها التحريف نظرا لتدوينه منذ ساعة الإعلان وعدم مروره بفترة شفاهية مثل الحديث، على عكس الكتب المقدسة السابقة، التوراة والإنجيل اللذين أصابهما التحريف نظرا لمرور فترة شفاهية بين ساعة الإعلان وساعة التدوين، بين أربعين عاما ومائة عام في حالة الإنجيل، وحوالي ستمائة عام في حال التوراة. فقد عاش موسى في القرن الثالث عشر قبل الميلاد في حين ثم التدوين في القرن السابع قبل الميلاد بفضل الكاتب عزرا أثناء الأسر البابلي خوفا من ضياع التراث اليهودي واندثاره. لذلك عظمه اليهود واعتبروه ابن الله “عزير” كما يصف القرآن. ويتصف القصص القرآني بأنه ليس فقط رواية تاريخية أو عظة وعبرة بل هو أيضا نموذج في بلاغة التعبير والقدرة على التأثير على المستمع أو القارئ. فى حين أن قصص الأنبياء في العهد القديم والعهد الجديد روايات إخبارية فحسب عما وقع في التاريخ، وتشارك القصص القرآني في أنها استشهاد بها لما يحدث في الحاضر. فالحاضر تصديق للماضي، والماضي يصب في الحاضر. القصص القرآنى جزء من تاريخ الأدب العربي في حين أن قصص الأنبياء في العهدين القديم والجديد جزء من تاريخ بني إسرائيل. ودراسة أشكالها الأدبية ليست لمعرفة جماليات الأسلوب والتصوير بل لمعرفة مدى صدقها التاريخي. هي جزء من مناهج النقد التاريخي للكتب المقدسة. يعتمد هذا البحث على نوعين من المصادر. الأول مصادر علم تاريخ الأديان وهو في الغالب مصدر غربي في معظمه خاصة من ناحية المنهج بالرغم من مشاركة علماء المسلمين فيه في دراسة العقائد المقارنة وخاصة في النقد التاريخي للكتب المقدسة مثل ابن حزم وابن تيمية. ويمتاز بالرؤية النقدية. ولا يتحرج من اعتبار كثير من قصص الأنبياء من فعل الخيال وتحولت إلى أساطير بمرور التاريخ. فالمقدس من صنع التاريخ وصياغات الخيال. وطبقوا ذلك على أنبياء بني إسرائيل وعلى محمد. ورفضنا نحن هذه الدراسات على الرسول باعتبارها استشراق يخفي وراءه التحيز والكراهية والتعصب. والثاني ما كتبه القدماء في قصص الأنبياء الذي يغلب عليه الخيال والأسطورة دون نقد للمصادر مع الاعتماد على المنهج النصي الانتقائي من الكتب المقدسة السابقة أو من القرآن نقدا لليهود النصارى ومدحا في المسلمين، خير أمة أخرجت للناس. يغلب على قصص الأنبياء الحجاج مع أهل الكتاب، والدفاع عن القصص القرآني. فأصبح أقرب إلى الجدل بين الأديان منه إلى تاريخ الأديان. رحلات الرسل تتعدد رحلات الرسل. وما من رسول إلا وله رحلة. وتعني الرحلة بالمعنى الحرفي الانتقال من مكان إلى مكان مثل انتقال إبراهيم من مدينة أور بشمال العراق إلى الحجاز غرب شبه الجزيرة العربية، وانتقال موسى من طيبة عاصمة مصر إلى جنوب الوادي إلى سيناء شمال شرقه وهو في طريقة إلى الأراضي المقدسة دون إكمال الرحلة والوصول إلى الغاية. وظل بنو إسرائيل في التيه حتى قادهم يوشع بعد وفاته وحارب الكنعانيين واستقر بفلسطين. ورحل يوسف من فلسطين إلى مصر بعد أن تركه إخوته في البئر حسدا منهم. واشتراه المصريون وتربى في قصر العزيز ثم أعادوه إلى أبيه في فلسطين واعتذار إخوته له. ورحل عيسى من فلسطين إلى مصر مع أمه خوفا من ذبح هيرود الأطفال خوفا على عرشه ثم عاد إلى فلسطين، ورحل من بيت لحم إلى القدس على حمار رافعا بيده غصن الزيتون. وهاجر محمد من مكة إلى المدينة ثم عاد إليها عام الفتح. وقد تكون الرحلة من مكان إلى لا مكان هربا من المكان الأول مثل ركوب نوح السفينة هربا من الفيضان، رحلة من اليابسة إلى الماء، ودخول يونس في بطن الحوت. وتبدأ الرحلات خوفا من الاضطهاد في المكان الذي نشأ فيه الرسول. فهي رحلة قسرية اضطرارية وليست اعتيادية. وقد يعود الرسول إلى المكان الذي رحل منه فائزا منتصرا، مثل عودة يوسف إلى أبويه ومغادرته مصر، وعودة المسيح إلى فلسطين من مصر ودخوله القدس، وعودة محمد إلى مكة بعد عام الفتح. وقد لا يعود الرسول إلى أصله الأول مثل عدم عودة إبراهيم إلى شمال العراق واستقراره بالحجاز. وعدم عودة موسى إلى جنوب الوادي واستقراره بسيناء. وقد تكون الرحلة روحية خالصة، من مكان إلى مكان في الأرض، ثم من مكان في الأرض إلى مكان في السماء كما حدث للرسول ليلة الإسراء والمعراج. وهي رحلة بالروح أكثر منها رحلة بالجسد لأن جسد الرسول لم يفارق زوجته قط هذه الليلة. وهي رحلة على نقيض رحلة آدم أبي البشر وأول الأنبياء من السماء إلى الأرض بعد الهبوط من الجنة جزاء له على عصيان ربه والأكل من الشجرة المحرمة تحت غواية الشيطان في قراءة أو امرأته حواء في قراءة أخرى. فالرحلة هنا ليست أفقية من الأرض إلى الأرض بل رحلة رأسية من السماء إلى الأرض في حالة آدم، ومن الأرض إلى السماء في حالة محمد. وكلاهما بأمر الله وليس باختيار الرسول. ولكل رسول قبل البعثة أم بعدها، في بدايتها أم في نهايتها، فترة تحنث وعزلة وتأمل بعيدا عن قومه، يناجي فيها ربه، ويصقل فيها روحه كما فعل موسى عندما ترك بني إسرائيل بعد أن عصوه وصعد إلى الجبل يناجي ربه، وكما سمع صوته عندما رأى نارا وتجرأ في طلب رؤيته. وقد غادر عيسى المدينة وذهب إلى الصحراء وقاوم غواية الشيطان. ومعروف تحنث الرسول فى رسالته، المدد من السماء حتى يعمل فى الأرض، الدخول إلى أعماق النبوة بالتجربة الروحية وبالجذب والإلهام. ويجسد ذلك النبي إلياس. في كل ثقافة له صورة في العهد القديم، وفي العهد الجديد، وفي القرآن، وعند الآباء اليونان، والآباء اللاتين، وعند السوريان، وفي المسيحية الشرقية. وقد لا يذهب الرسول إلى ملكوت السموات بل يبشر بقدومه القريب عزاء للفقراء والمرضى والمنبوذين من ملكوت الشيطان. وهي تعني أن الخلاص قريب. ملكوت السموات بعيد قريب. وتختلف رحلات الرسل فيما بينها طولا وقصرا في المكان والزمان. فرحلة إبراهيم أطولها في المكان وربما في الزمان، من شمال العراق إلى وسط شبه الجزيرة العربية عبر الصحراء الكبرى. ورحلة يوسف والمسيح متوسطة في المكان وطويلة في الزمان، من الشام إلى مصر، والقدوم إلى مصر طفلا والعودة إلى الشام رجلا. ورحلة موسى من جنوب وادي النيل إلى سيناء داخل مصر قصيرة نسبيا في الزمان والمكان. ورحلة محمد أقصرها في المكان والزمان، من مكة إلى المدينة ثم العودة إلى مكة بعد عدة سنوات. وقد تكون الرحلة من نبي إلى نبي ليتعلم منه وتبادلان التصديق مثل رحلة عيسى إلى يوحنا المعمدان وقبول طقس العماد على يديه. ثم يرحل يوحنا المعمدان لمقابلة عيسى قبل أن يستشهد كلاهما. إذ يعرفان مصير بعضهما البعض. وليس من الضروري أن تظهر البنية كاملة في رحلة كل رسول. قد يظهر أحد جوانبها فيتفرد بها مثل الميلاد المعجز لعيسى بن مريم ورفعه إلى السماء. فهذا لم يحدث لأي رسول آخر. وقد يظهر جانبان للنبي بين رسولين مثل مخاطبة الملوك عند يوسف وموسى في حين خاطب باقي الأنبياء أقوامهم مثل إبراهيم وعيسى ومحمد. الاضطهاد عنصر ثابت عند جميع الأنبياء حتى يوسف الذي تم بيعه من إخوته وهو طفل تم اتهامه كذبا وهو رجل يافع من امرأة العزيز. فالحق مكروه من الباطل. والخير مستبعد من الشر. وتخضع البنية لقانونين أساسين: الأول التشابه والاختلاف. والثاني الطرفان والوسط. الأول قانون الأضداد، والثاني قانون التوسط. ويتحقق هذا القانون في قصص الأنبياء أي في الروايات وليس بالضرورة في الواقع لأن الواقع مروي. والرواية إدراك في ذهن الراوي. بنية الرحلة ورحلات الرسل بالرغم من اختلافها في المكان والزمان، في الطول والقصر، في البداية والنهاية إلا أنها تخضع لبنية واحدة أو لنموذج واحد أو لنمط واحد. فحياة الرسول دراما بكل ما تتصف به الدراما من مأساة وعقدة وحل ونهاية مأساوية مثل المسيح بموته وموسى بغضبه وتيه شعبه، ومثل إبراهيم ببنايته الكعبة وإنقاذ إسماعيل من العطش، ويوسف بعودته إلى أبويه منتصرا على حسد أخوته، ومحمد فاتحا مكة سلما منتصرا على قومه الذين عادوه أولا ثم استسلموا له وعفوه عنهم. تبدأ بالاضطهاد كما حدث لإبراهيم ومحمد رجالا، ويوسف وموسى والمسيح أطفالا. ثم تأتي مرحلة الجهاد والمقاومة، مقاومة موسى لفرعون، ومقاومة محمد لقريش. ثم تأتي مرحلة النصر، انتصار إبراهيم وإنقاذ إسماعيل من العطش وبناء الكعبة، وانتصار يوسف على إخوته وعودته سالما إلى أبويه، وانتصار موسى على فرعون وغرقه هو وجنده في النيل، وانتصار محمد على قريش وفتحه مكة واستسلامهم له. وهذا هو مغزى رحلات الرسل. الحياة رسالة تتحقق بالجهد، قضية تتم بالتعب والنصب. هكذا فعل نوح وعدم استجابة قومه له بمن فيهم ابنه، وصنعه الفلك، ووضع بذور حياة جديدة “مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ” حتى تستأنف الحياة الصالحة بعد أن يغرق الجميع. وهكذا فعل إبراهيم فى رفض عبادة الأصنام ومغادرته قومه ووطنه بعد أن كسر أصنامهم، وخاطر بحياته وحياة أبنائه من عطش الصحراء وعدم الاستقرار. وهذا ما تم ليوسف بعد كراهية إخوته له، ومحاولة التخلص منه بوضعه في البئر، ثم خلاصه من التجار المصريين وتبوئه مكانا علّيا في قصر فرعون. وبالرغم من الإغراءات التي تعرض لها من زوجة العزيز إلا أنه استطاع المقاومة تمسكا بالفضيلة. وأنقذ مصر من أعوام المجاعة بقدرته على تفسير الأحلام، والتنبؤ بالمستقبل. وهو ما حدث لموسى أيضا من هروبه كطفل رضيع من خطر القتل وتربيته في قصر فرعون حتى أصبح كابنه ثم تحوله نبيا يدعوه إلى عبادة الله وحده، ثم تعقب فرعون له وغرقه في اليم، ونجاة موسى وقيادته بني إسرائيل خارج مصر، وتركه لهم في التيه، وعبادة الله وحده. وهو أيضا ما وقع لعيسى بدعوته الأحبار والكتبة إلى مضمون الشريعة وليس إلى أشكالها، وتنظيف المعبد من التجار، ونقده النفاق وأحبار السلطان حتى استشهد جزاء له على دعوته. وهو ما وقع أيضا لمحمد، من اليتيم الفقير راعي الغنم التاجر إلى النبي القائد الرسول الموحّد للقبائل بالرغم من اضطهاد قريش له، ومحاولة اغتياله ليلة الهجرة، ومحاولة اليهود سمه بذراع الشاة، وانتصاره في النهاية. وتنقسم حياة الرسول إلى قسمين: السرية والعلنية. والرحلة هو انتقال من السر إلى العلن. حدث ذلك في حياة إبراهيم قبل تكسير الأصنام وبعده. قبله لم يكن معروفا بأنه خرج على دين قومه. وبعده عرف بأنه الذي فعل هذا بآلهتهم، وموسى وهو يتربى في قصر فرعون لم يكن يعرف أحد أنه نبي. فلما بدأ الدعوة العلنية غضب عليه فرعون وتحول من ابن إلى عدو. وعيسى كانت دعوته أولا سرية بينه وبين نفسه عندما اختفى وهو في سن الثانية عشرة وخافت عليه أمه وبحثت عنه فوجدته في المعبد يصلى. وبدأ محمد رسالته سرا ثلاث عشرة سنة ينذر بها فقط عشيرته الأقربين وصحبه. فلما دخل عمر الإسلام تحولت الرسالة من سرية إلى علنية مما اقتضى الهجرة من مكة إلى المدينة. وقد انتشرت دعوة الرسل سلما أو جمعا بين السلم والحرب. فإبراهيم دعا إلى التوحيد سلما. ولم يحارب قومه بل هجرهم في العراق. وارتبط بقوم آخرين في الحجاز. ويوسف لم يقاوم حسد أخوته. واعترف بفضل فرعون عليه. وعاد إلى أبويه سالما. وموسى بالرغم من أنه قتل المصرى بقبضة يده لنصرة الإسرائيلي وهرب إلا أنه لم يحارب فرعون بل فرعون هو الذي حاربه وتعقبه وغرق في البحر بعد انطباق الموج عليه هو وجنوده بعد أن فلقه موسى بعصاه ومر أولا. وعيسى نموذج المسالم في تعاليمه “من ضربك على خدك الأيسر فأدر له الأيمن”، وفي موته باستسلامه حين القبض عليه ونهر من أراد الدفاع عنه بالسيف وأعاد الأذن المقطوعة للجندي الروماني إلى مكانها. واستسلم للتعذيب. وحمل الصليب على كتفيه في طريق الآلام، الركل والبصق والشتم والوخز بالرمح في الصدر، ووضع تاج الشوك على رأسه، وترطيب شفتيه بأسفنجه مشبعة بالخل، وصلبه، وتثبيت المسامير في يديه وقدميه على خشب الصليب وقوله “اللهم أغفر لقومي فإنهم لا يعلمون”. محمد فقط هو الذي سالم وحارب وعاهد وقاوم. نشر دعوته أولا سلما في مكة. وتحمل صنوف العذاب حتى هاجر إلى المدينة. وهنا تحول من السلم إلى الحرب، الغزوات والسرايا والبعوث. ثم تحول بعد الحرب إلى السلم بعد إتمام الرسالة وتبليغ الدعوة لأنه لم يبق أحد من العدو الداخلي، المشركين واليهود. وأوصى بالاستمرار بالفتح بإرسال الجيش إلى تبوك ضد العدو الخارجي، ضد الرومان. وتنبأ للمسلمين بفتح قصور كسرى وقيصر، وبفتح مصر واليمن. وحارب يشوع الكنعانيين بعد اختفاء موسى. وقاد بني إسرائيل إلى فلسطين للاستيطان فيها بدلا من مصر. وغالى في الحرب بقتل الأعداء وهم السكان الأصليون للبلاد. وعادة ما تكون الرحلة بأمر من السماء. ليس الأمر واضحا في حالة إبراهيم ويوسف وعيسى ولكنه واضح في حالة موسى ومحمد. فقد أمر الله موسى بأن ينذر فرعون ويبدأ رسالته. كما أذن الله لمحمد في الهجرة. كما أذن له في القتال بعد طول انتظار. فالله يرعى أنبياءه. يحركهم ويحدد مسارهم. وهو أعلم أين يلقي كلمته. وقد يساعد ذلك الأنبياء على الجهاد لأنهم في حراسة الله ومنفذون لأوامره. وهو ناصرهم. ويتوجه الرسل إلى الملوك. وهم نوعان المعادون لهم مثل فرعون، والأصدقاء لهم مثل العزيز حاكم مصر. الأول لأن موسى أنذره عذاب يوم عظيم وأن الملك لله. والثاني لأن يوسف أنقذ مصر من المجاعة بعد تفسير حلم الملك بسبع بقرات عجاف تأكل سبع بقرات سمان. فأدخر القمح في سنوات الوفرة وانتفع بها في سنوات القحط. فالسلطة الدينية ضد السلطة السياسية، العدل ضد الظلم، والحرية ضد الاستعباد، والمساواة ضد الاستعلاء. أما إذا كانت السلطة السياسية مستنيرة فإنها تسترشد بالدين وتستشيره وتهتدي برأيه كما فعل فرعون مع يوسف. وقد يكون العدو من قومه وأقرب الناس إلى الرسول وهو أبوه مثل أبي إبراهيم. وللنساء دور فى رحلات الرسل بالصحبة والمساندة والتشجيع والمشاركة في تحمل البلاء والفرح بالنصر. وكن نوعان. الأول الفضليات القانتات المؤمنات المصدقات مثل سارة امرأة إبراهيم التي أحزنها أنها عاقر وأن زوجها يريد ذرية ففتشت له عن هاجر، جارية مصرية أم أولاده. ومثل أم موسى التي خشيت على رضيعها من بطش فرعون به فوضعته في صندوق في اليم حتى جرفته المياه إلى شاطئ القصر. ومنهن امرأة فرعون العاقر التي طلبت تبنى الطفل وتربيته حتى يصبح لها ولزوجها سندا وأمنا حين يكبر السن. ومنهن اليصابات أم مريم ومريم أم عيسى التي اتهمت زورا بالحمل غير الشرعي كما اتهمت عائشة في حديث الإفك. ومنهن أيضا مريم المجدلية التي آمنت بيسوع بقلبها بالرغم من أن جسدها مخطئ وهو ما سماه جان بول سارتر، “المومس الفاضلة” التي دافعت عن الأسود ضد تعقب البيض له. وفي حياة محمد الكثير، أم عبدالله التي حملت بوالد الرسول، وآمنة أم الرسول، وخديجة زوجة الرسول التي صدقت بنبوته عندما أتاه الوحي وآمنت برسالته، وكل زوجاته الأربعة عشر وعلى رأسهم عائشة. والنوع الثاني الجاحدات المكذبات للرسل الغاويات لهم مثل زوجة العزيز التي أرادت إغراء يوسف وغلقت الأبواب، ومنهن امرأة أبي جهل حمالة الحطب، وهند بنت عتبة التي حرضت وحشيا على قتل حمزة عم الرسول ولاكت كبده. وفي العهد القديم قصة سليمان مع سبأ وداود مع امرأة الضابط أو ريا بعد أن قتله. وما أكثر ما كتب في نساء العهد القديم. ويضرب القرآن المثل بامرأة نوح وامرأة لوط العاصيين. ولكل رسول صحابته أو حواريوه. رحل إبراهيم مع أسرته. ورحل يوسف مع إخوته بالرغم من حسدهم وخيانتهم له. ورحل موسى مع قومه الذين تركهم بعد أن آنس نارا فذهب ليأخذ منها للتدفئة أو للهداية وهو في الصحراء. وكان محمد مع أصحابه، أبي بكر وعمر وعلي. يثني عليهم وعلى فضائلهم ويمنع من سبهم أو ذكرهم بسوء. وهم الذين خلفوه، الخلافة بعد النبوة. والدعاء على الرسول يتبعه الدعاء للصحابة والتابعين وتابعي التابعين. وتنفرد المسيحية بطغيان بولص عليها بعد وفاة المسيح وهو ليس صحابيا. لم ير المسيح ولكنه كما يقول ظهر له المسيح وهو في طريقه إلى دمشق وقال له “شاؤول، شاؤول لم تضطهدني”. فأغمي عليه وآفاق في اليوم الثالث. فأخذ وحيا خاصا مباشرا من المسيح ليس عن طريق الرواة. وأسس رؤيته الخاصة للمسيحية التي تركز حول شخص المسيح وليس تعاليمه. ولما كان يهوديا بل وأستاذا في علوم التفسير من مدرسة الجمليل التي تدعو إلى التأويل والتفسير الرمزي فقد فسر التوراة بحيث تنطبق على المسيح. وأعطى خصائص الشريعة إلى المسيح. وأصبح الخلاص عن طريق الإيمان بالمسيح وليس عن طريق تطبيق الشريعة. المسيح قديم مشارك لله فى الخلود. والخلاص بالإيمان به وحده دون الأعمال. فحول المسيحية من المسيحية الأخلاقية إلى المسيحية العقائدية. بل يمكن القول إن هناك مسيحيتين، مسيحية المسيح ومسيحية بولص. حياة الرسل ولا تركز الدراسات اليهودية والمسيحية على رحلة إبراهيم إلى مصر ثم إلى الحجاز ولكنها تركز على أنه أبو الشعب المختار، وأبو الأمة، وعلى طاعته لله في ذبح اسحق وليس إسماعيل تجنبا لارتباط إبراهيم بمصر وبالحجاز وبالعرب بالرغم من وجود تشابه بين تضحية إبراهيم بابنه والتضحية بعبد الله أبي محمد وإنقاذ الله لهما بالأمر في حالة إبراهيم وبضرب الأقداح في حالة عبد الله. وبالرغم من وضوح الهجرة في حالة موسى، الرحلة من مصر إلى فلسطين عبر سيناء إلا أن صورة موسى في علم تاريخ الأديان هو أنه النبي الفريد الذي لا مثيل له إلا عيسى. فكلاهما يقوم بدور التوسط بين الله والشعب عن طريق الشريعة في حالة موسى، والشخص في حالة عيسى. هو محرر بني إسرائيل من العبودية في مصر، خادم الرب وصديقه. وهو الذي عقد الرب معه الميثاق أو العهد، ثم جدده عيسى. وهو المشرع الذي أعطاه الله الوصايا العشر. وعيسى أيضا تختلف صورته طبقا لروايات العهد القديم، المسيح المنتظر أو أناجيل العهد الجديد، الإنسان عيسى الناصري المعلم أي الإنسان أو عيسى الإلهي في الإنجيل الرابع، المخلص والإله. ولما كانت رحلات الرسل جزءا من حياتهم فيمكن أيضا رصد التشابه والاختلاف في حياتهم كنوع من البنية الأكبر والأعم خاصة من حيث الميلاد والوفاة. فالبشارة بميلاد النبي في حالة عيسى ومحمد. فقد بشر بميلاد عيسى ثلاثة من المجوس القادمين من الشرق. وبشر بميلاد محمد النور الذي خرج من أبيه عبد الله بعد زواجه من آمنة ورفضه نداء المرأة له قبل الزواج، وامتناعها عن النداء بعد الزواج لأن النور لم يعد موجودا. وترجع سلالة عيسى إلى آدم عبر عدة أجيال، اثنا عشر جيلا من يسوع حتى داود، واثنا عشر جيلا من داود حتى إبراهيم واثنا عشر جيلا من إبراهيم حتى آدم. لا يهم التاريخ الزمني بل الدلالة على اتصال النسب النبوي حتى آدم، أول الأنبياء. فالمسيح له وجود مسبق على الولادة، ومحمد طبقا لبعض الروايات وجد وآدم بين الماء والطين. ويرجع نسب النبي أيضا إلى إبراهيم فهو ليس فقط حنفيا في الدين بل أيضا حنفيا في النسب. وتتشابه الرسل وتختلف في الذرية، البشر جميعا من ذرية آدم. والأنبياء أيضا من ذريته. ومن ذرية نوح. فإبراهيم أبو الأنبياء. له ذرية من الأنبياء، إسحق ويعقوب. ونوح له ابن عاص. لم يسمع كلام أبيه في الركوب في الفلك إنقاذا من الغرق ظانا أن المكان يعلوه أيضا. أما الفلك فيعلو مع الماء كلما ارتفع. وأنجب محمد إبراهيم من ماريه القبطية ولكنه توفي وعمره شهرين وحزن عليه الرسول. ولو عاش لرفع الجزية عن كل قبطي. ولو عاش ماذا تكون عليه الخلافة مع احتمال التوريث؟ أما يوسف فلا يُذكر عن ذريته شيء بالرغم من جماله وتهافت النساء عليه وتقطيع أيديهن لحرمانهن منه. ويسوع لم يتزوج بل ترهب وعاش لله بالرغم من السير الحديثة التي تدعي وجود علاقة بينه وبين مريم المجدلية. ولكل رسول دليل على رسالته، تجريبي أو عقلي، وفي الغالب تجريبي حسي حتى يشاهده الناس. فإبراهيم كسر الأصنام ووضع الفأس في رأس كبيرها حتى يخبر الناس بمن فعل ذلك، وليثبت أنها لا تسمع ولا تنطق ولا تستطيع حتى الدفاع عن نفسها. ودليل موسى المعجزات، وضع يده في جوفه فتخرج بيضاء للناظرين، ورمى عصاه فإذا هي حية تسعى، وضرب الحجر بها فتنفجر منه اثنتا عشرة عينا، ويرميها في البحر فتشقه نصفين حتى يسير بنو إسرائيل ثم ينطبق من جديد على فرعون وجنوده، وإنزال الألواح من السماء التي بها الوصايا العشر. وأدلة عيسى حسية تجريبية إبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى، والكلام في المهد صبيا مبرئا أمه، والسير على الماء، وإنزال مائدة من السماء يأكل منها اليهود. وأدلة يوسف تفسير الأحلام تفسيرا صادقا سواء رؤيته، اثنى عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدين، أي إخوته وأبواه، وحلم فرعون سبع بقرات عجاف يأكلن سبع بقرات سمان، وهو دليل حسي، إنقاذ شعب مصر من المجاعة والهلاك. أما محمد فدليل نبوته إعجاز القرآن أي التحدي الأدبي والتحدي التشريعي. فلا هو بقول شاعر أو كاهن ولا هو من وضع مشرّع أو قاض. * من ورقة قدمها الباحث إلى “ملتقى شاهندة للإبداع” الذي أقامته دائرة الثقافة والإعلام في عجمان تحت عنوان “أدب الرحلات واستكشاف العالم”
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©