الحنين إلى الزمن الجميل

دائماً ما يكون ارتباطنا بالماضي ارتباطاً وثيقاً، فكل ما هو قديم مؤصل في النفس لا يمكن تلاشيه مع الأيام، عادة الماضي يمثل الزمن الجميل بالنسبة للكثيرين، فحياتنا ملأى بالسرعة والتجديد لمواكبة عجلة التقدم والرقي ولعل الارتباط الروحي بكل ما هو قديم في أصله لدى الإنسان وارتباطه بالذكريات يرجع إلى الشعور بالسعادة والزهو بالنفس باستعادة تلك اللقطات الجمالية من الذكرى الماضية. ويختلف تأثير ذكريات الماضي من شخص لآخر، فنجد من يسعد بالفطرة الرحبة آنذاك ومنهم من يسعد بذكرى من أثروا فيه وأحيوا حياته بعد الرقاد فيبتهج برنين كلماتهم في أذنيه ويستعيد صورهم كلما أصابه الشوق إليهم. إن حياة الفرد تمر بالعديد من مراحل ومنعطفات التغيير، لكنه لا يدري أن في بعضها مصدر سعادة واستقرار عاطفي لا يمكن استعادته فيما بعد. وكلما تركنا مرحلة في درب العمر اشتقنا لها وجاشت الأحاسيس بفحوى ذكراها وصارت في قلوبنا تراثاً شخصياً نفزع إليه عندما تسلط علينا الحياة قواطعها الحادة، فالأماكن والأزمنة والأشخاص لهم أثر عميق في الارتباط بماضي الذكريات. أذكر أنني مررت بمبنى لنادٍ قديم قادني الشوق إليه كنت أمارس فيه الرياضة وأعشق روح الجماعة وأتراقص على نغمات التشجيع والفوز وقفت أشاهده وكأني أمام مَعْلَم أثرى أسعد بالنظر إليه وأشعر بالنشوة كلما جلت بعيني في أطرافه مسترجعاً تلك اللقطات القديمة التي تعد عنوان ما في داخلي وتعبيراً عن طبيعتي الحقيقة بصراحة دون تزييف أوتجمل. ولك أن تقيس مدى ارتباط الآخرين بذكريات المكان وانطباعات القدم فكل منا له عشق خاص لأثر عاطفي أومعلم مكاني كان للزمان تأثير فيهما ونلحظ أحياناً عبيراً خاصاً بالمكان يفوح شذاه من أنين الذكريات وعلامة القدم، ولك أن تشعر بصفاء الفطرة ودماثة الخلق عندما تشاهد صور الأجداد وما ورثوه لأبنائهم من القادة وأصحاب العلم والثقافة والفن البناء لتبدو واضحة في صفات أبنائهم فكانوا تجسيداً لصفاء الماضي بكل معانيه. وعلى الجانب الآخر، نجد من يهرب من قسوة الماضي وتحدي المكان والزمان؛ لأنهما يذكرانه بلحظات مؤلمة تفوح منها الآلام فيركض صاحبها لبناء مستقبل جديد، لكن أيستطيع التنصل من ماضيه ولم لا؟ وقد أعلن راية الصدق مع نفسه. ويرفع شعار الإصرار مع العزيمة لتحدى الواقع ليبدأ كمولود تشرق عليه شمس الحياة من جديد، ويجعل من أيام حاضره ماضٍ مشرق ويملأ مستقبله إنجازاً ومجداً. من الخطأ أن نحرم أنفسنا من ذكريات الماضي والحنين للتراث الشخصي وكلمات ذوي الفضل لنعيد للقلب انتعاشه من جديد في ظل صراخ الحياة ورتابة الأيام وارتفاع الأحجار على الأراضي الخضراء، لتضخ دماء الماضي في العروق لتحيا جينات الحب والصفاء الفطري، ومعاني الألفة والود التي جفت بجفاء البعد و سيطرة المادة. محمد زكريا النجار