السبت 4 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هل ماتت نملة طمليه؟؟

هل ماتت نملة طمليه؟؟
22 يونيو 2009 23:45
... ومات محمد طمليه مؤسس الكتابة الأردنية الساخرة، وشاركت كغيري في الكتابة عنه. في الواقع لم يكن يمر أسبوع في حياته، منذ عقود، إلا وكتب عنه أحد الزملاء أو القراء أو المعجبين أو الناقدين، لأنهَ طمليه كان حالة إبداعية فريدة لا يستطيع أحد أن يتجاهلها، حتى لو اختلف معه شخصياً أو فنياً... وهذه إحدي ميزات –أو لعنات- الإبداع: أن يكون خلافياً وجدلياً ومثيراً للأسئلة. ولم يكن طمليه يهتم بهذه الكتابات، إذ كان منهمكاً ربما منذ ولادته بهذا القلق الوجودي والغربة والإحساس المفجع بالعبث والأرق والتوق إلى المستحيل. في إحدى مجموعاته القصصية التي صدرت عام 1984 كتب قصه قصيرة جداً، كانت عنواناً لمجموعته القصصية الرابعة، وهي قصة (المتحمسون الأوغاد)، وتتحدث حول نملة سئمت من حياة فصيل النمل الرتيبة التي تقتصر على نقل الحبوب وتخزينها استعداداً للشتاء القادم، فقالت لرفيقتها: - هراء أن تكون حياة النمل مقتصرة على نقل أشياء سخيفة. لم تستوعب (الرفيقة) هذا التمرد الغريب، وحاججتها بضرورة التخزين لغايات استمرار الحياة، لكن النملة المشاكسة قالت لها، بلا مبالاة: - إننا سنموت بطبيعة الحال.... لقد فقدت الدهشة في حياة رتيبة لا جديد فيها...إنَّ حبوب القمح متشابهة حتى ليخيل لي أني نقلت حبة قمح واحدة طوال حياتي. وكان أن قدمت رفيقتها تقريراً بما سمعت إلى قائدة الفصيل، فصارت نملة طمليه محتقرة ومنبوذة، حتى إنَّ إحدى رفيقاتها قالت (على سمعها): - تلك هي النملة الساقطة، كم أرجو لو يسمحوا لي بدق عنقها. فأشاحت نملة طملية بوجهها، وهي تقول: هذه هي القصة، بكل بساطتها وعمقها، بكل انهزاميتها وتمردها، بكل انتمائها واغترابها، بكل حزنها وفكاهتها السوداء... هذه هي نملة طمليه.. هذا هو محمد طمليه شخصياً وفنياً. وقد وضعتنا نملة طمليه أمام إشكالية فلسفية وجودية، لم نكن نلتفت إليها قبل الآن، هل ندين الفصيل الذي يعمل بنشاط روتيني هائل، لكنَّه نسي ممارسة الحياة والدهشة بالتفاصيل والتمتع بلذه المغامرة خلال انغماسه في تأمين الضروريات؟ أم ندين النملة المتمردة على روتين الحياة اليومية والعادي والمفروض والمسلم به، و تسعى إلى (تتفيه) هذا العمل الضروري لحياة القطيع- الفصيل؟ أم ندين الاثنين معاً؟ محمد طمليه أبقانا على جمر القلق، فهو يجيد طرح الأسئلة المفجعة، لكنه لا يحاول أن يجيب عليها، بل يتركنا نهباً للقلق الوجودي الذي يعاني منه، لكننا نعرف وندرك أنَّه كان متعاطفاً مع نملته، ومؤيداً لها في السر والعلن، لا بل عين نفسه قائداً لميليشيا النملة المشاكسة في كل لحظات حياته... ودفع ثمن ذلك.. قلقاً ومللاً وعبثاً وموتاً أقراحا. مات محمد طمليه لكن القلق الوجودي لم يمت!! مات طمليه لكن نملته لم تمت!! مات طمليه ، لكن إبداعه لم يمت. يوسف غيشان ghishan@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©