الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العصر الذهبي

العصر الذهبي
2 مارس 2011 18:37
يجمل بنا في سياق الحديث عن المسرح الإسباني أن نلقي بعض الضوء على أهم مراحله وأبرز شخصياته، لأن القارئ العربي المثقف لا يستطيع تكوين فكرة واضحة عنه بدون هذا المدخل، وقد بلغت الحركة الأدبية أوجها خلال العصر الذي يطلقون عليه “العصر الذهبي” الذي امتد طيلة قرن ونصف من الزمان، ولكن الفترة التى ازدهر فيها المسرح امتدت قرنا كاملا منذ عام 1580 حتى عام 1680، لأنها هي التي شهدت إنتاج أعلامه الكبار، ومدارسه الرئيسية. أما شخصياته البارزة التي تركت بصمتها على الثقافة الإنسانية فقد كانت ثلاثا: “ميجيل دي ثيرفانتيس” (1547 ـ 1616) و”لوبي دي ييجا” (1562 ـ 1635) و”كالدرون دي لاباركا” (1600 ـ 1681). ومع أن “ثيرفانتيس” عرف عندنا وفي العالم بأنه الروائي الذي كتب “دون كيشوت” أول رواية فنية في الآداب العالمية، فإن إنتاجه المسرحي الخلاق يستحق الإبراز، رغم أنه بدأ كتابة المسرح قبل الرواية، إلا أنه بقدر النجاح الأسطوري الذي شهدته رواياته تعثرت علاقته بالمسرح وضاق صدره به، فألقي ما كتبه منه فى زوايا النسيان. وقد كانت مشكلته هي أصحاب الفرق التمثيلية الذين يتحكمون في الكتاب، والذين كانوا يسمون في ذلك العصر بالمؤلفين، وهم في الحقيقة المنتجون للعروض المسرحية. يشكو “ثيرفانتيس” مر الشكوى من تجاهل هؤلاء المؤلفين لمسرحياته، بالرغم من علمهم بوجودها. وإذا تأملنا هذا الموقف برهة أدركنا أن العلاقة بين مؤلف “دون كيشوت” وفن المسرح والقائمين عليه لم يكن لها أن تأخذ سوى هذا الطابع، فـ”ثيرفانتيس” مؤلف “جواني” وهو من أوائل عباقرة الأدب الذين تعمقوا في النفس البشرية في أدق خلجاتها وأبعد أغوارها وأعظم تقلباتها. لذا فإن مواجهته للجمهور لم يقدر لها النجاح الكافي، بالرغم من أنه يزعم غير ذلك في كتاباته عن مسرحه، ويشيد بإقبال الجمهور عليه، ملقيا التبعة على أصحاب الفرق، وذلك لأنه كان ينبغي عليه أن يعطي لأشخاصه لا أفكارا ولا مشاعر عميقة كما في الرواية، بل أحداثا مرتبة باقتصاد محكم ونامية في تصاعد درامى. فمؤلفنا يفتن جمهوره ويخلب لبهم عندما يكونون أفرادا قد خلوا بأنفسهم للقراءة، فيغرقون في الضحك أو البكاء أو الانفعال أو التأثر، لكنه لا يستطيع تحريكهم كجماعة فوق خشبة المسرح، أو إذا أردنا الدقة، كان على وشك أن يظفر بذلك حتى برز في المحيط الأدبي “زعيم” آخر كان أكثر مهارة منه في قيادة الجماعات، فالتقط منه صولجان الملك على حد تعبيره. أما هذا الزعيم الموهوب الذي خلق للاستعراض والفتنة والتألق والعذاب فهو “لوبي دي بيجا” نقيض “ثيرفانتيس” الأول سواء فى طابعه الشخصي أو الأدبي، مع أنه كان يعيش على بعد خطوات منه في العاصمة مدريد. ويظل هذا التقابل بين الكاتبين كاشفا عما تتطلبه الكتابة المسرحية من قدرات تختلف عن الكتابة الروائية، خاصة في علاقتهما بالجمهور وقدرتهما على تحريكه وتكوين وجدانه. drsalahfadl@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©