السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

نائب الرئيس التنفيذي للبنك الدولي: التكنولوجيا المالية تمثل فرصة كبيرة للدول العربية

نائب الرئيس التنفيذي للبنك الدولي: التكنولوجيا المالية تمثل فرصة كبيرة للدول العربية
19 مارس 2018 20:45
حوار: شريف عادل لم أكن أتصور أن يسمح وقته بإجراء حوار مطول، فالرجل المشغول دائماً بعمله، باعتباره النائب الأول لرئيس البنك الدولي، لشؤون التنمية المستدامة والأمم المتحدة والشراكات، وهو كثير الأسفار، ولديه نهم شديد للقراءة والتعلم طوال الوقت، واهتمام بكل ما يدور حولنا في كل المجالات، ومع ذلك فقد أعطاني من وقته ما يزيد على الساعتين، بعد ساعات قليلة من وصوله إلى واشنطن، وقبل دقائق معدودة من مغادرته لها، فكان هذا الحوار القيم، على إفطار دافئ، بينما درجة الحرارة خارج المطعم تحاول النزول تحت الصفر. وقبل أن يستقر في مقعده، بادرني الدكتور محمود محيي الدين مذكراً أن في هذا العام تحل الذكرى العاشرة للأزمة المالية التي عصفت باقتصادات كثير من الدول حول العالم، وأن هذه الذكرى تفرض علينا جميعاً إجراء الكثير من المراجعات لمعرفة حقيقة ما جرى، وما تسبب فيه، لاستشراف مستقبلٍ آمن لأبنائنا. وأشار محيي الدين، الذي شغل منصب وزير الاستثمار في مصر لأكثر من 6 سنوات، إلى التطورات التكنولوجية السريعة، وتأثيرها على اقتصادات الدول، وبالتالي على حياة البشر. وأكد أن هذه التطورات تتم بصورة معادلات أُسية، لضخامة وسرعة التطورات، بحيث إن ما كان الأحدث والأفضل في الأسبوع الماضي، يمكن أن نجد اليوم ما هو أفضل وأحدث وأكفأ وأقل تكلفة منه، وهو ما يضاعف من صعوبة عملية الاستثمار، «لأننا نكون أشبه بمن يطارد هدفاً متحركاً، بسرعة عالية، وتقلب شديد في حركته»، كما أن هذه التطورات تسمح بخلق مضاربات، بمعناها غير الإيجابي، لعدم كفاية هيكل المعلومات المتاح. وأكد محيي الدين، الذي يتولى حالياً ملف التنمية المستدامة 2030 في البنك الدولي، أنه يمكن تلخيص أهدافه التنمية المستدامة ال17، بكل تفريعاتها، في 3 نقاط: نمو اقتصادي شامل، وتنمية مطردة، مع الاهتمام بالبيئة. كما أوضح أن العالم يشهد حالياً تغيرات بوتيرة مرتفعة، تؤدي إلى تعديل وضعية ومراكز ونفوذ دول وشركات ومؤسسات، ما يؤثر على العديد من القرارات، بداية من السياسة الخارجية للدول، وحتى تعليم الأبناء واللغات التي يجب عليهم دراستها. وأشار محيي الدين، إلى أن التغيرات الديموجرافية (التركيبة السكانية) من بين التغيرات الكبرى التي أصبحت أكثر حدة خلال ال30 سنة الأخيرة، وضرب مثلاً بالتغيرات في توقعات الحياة عند الولادة التي ارتفعت عالمياً، وتزايد عدد السكان دون الخامسة والعشرين عاماً، وكيف أن هذه التغيرات توجه الاستثمارات في اتجاهات معينة، مثل تحديث نظم المعاشات، وبناء المساكن، ورعاية المسنين، إضافة إلى الاستثمارات في التعليم والصحة. من أين يأتي التمويل وهل الفقراء في الخطة؟ يقول محيي الدين إن الهدف الأول لخطة التنمية المستدامة هو إنهاء مشكلة حدة الفقر، وهذا بالطبع يتطلب استثمارات ضخمة في التعليم والرعاية الصحية، وأيضاً في إتاحة فرص العمل. كما أن خطة البنك حالياً تضع في الاعتبار نوع من الاستثمار لم يكن موجوداً من قبل، وهو الاستثمار في تعزيز قدرة الاقتصاد والمجتمع على الصمود في مواجهة الصدمات، كما يحدث في حالات تقلبات أسعار الطاقة، أو وجود أزمات في دول مجاورة تؤدي إلى نزوح أعداد من اللاجئين، وتؤثر على فرص العمل في البلد المضيف. أما بالنسبة للتمويل، فيقول محيي الدين إن التمويل يكون داخلياً أو خارجياً. وداخلياً، يكون عن طريق إعداد منظومة جيدة للنظام الضريبي، تسمح بتعبئة أفضل للموارد، مع وضع أولويات للإنفاق العام، إضافة إلى وجود دور للقطاع الخاص، تحت إشراف الدولة، وفي إطار نظام تعاقدي، يحترم الدولة، ويحمي حقوق المواطنين. هذا النظام يسمح بتوجيه موارد الدولة المحدودة للاستثمار في التعليم والرعاية الصحية في الريف والمناطق الأقل حظاً. وأضاف محيي الدين، أن دور القطاع الخاص حالياً، يتجاوز المسؤولية المجتمعية للشركات. فلم يعد الأمر مجرد اهتمام طوعي بالمجتمع، مع بعض الاعتبارات الخيرية، وإنما أصبح مفروضاً عليهم، فالآن هناك قوانين تطبق على الشركات، تمنع استغلال العمال، وتحافظ على حقوق جيرة المكان، إضافة إلى مراعاة الاعتبارات البيئية، ومكافحة الفساد. فالشركات الواعية لطبيعة التطور في النشاط الاقتصادي الآن ترى أن عليها مخاطبة مجموعة من المستهلكين أكثر وعياً ورقياً، ولم يعد اهتمامهم منصباً على جودة المنتج النهائي فقط، وإنما يمتد لكل مراحل المنتج حتى وصوله اليهم. وأشار محيي الدين إلى كوب الشاي الذي أمامه، وقال إنه يجب التأكد من أن هذا الشاي لم يستغل عمالة الأطفال في صناعته، كما أن زراعته لم تتم باستخدام كيماويات ضارة بالبيئة، ولم يتم توزيعه بأساليب احتكارية، ولم يسيء استغلال النظم الإدارية والقانونية والبيئية السائدة. وإذا عرف غير ذلك، فإن المستهلكين ينصرفون عن المنتج. أما بالنسبة للتمويل الحكومي، فقد أكد محيي الدين أهميته، مشيرا إلى انخفاض نسبة الإيرادات الضريبية من الدخل القومي في الدول العربية، حيث تقل عن 15%، بينما المتوسط الصحي يكون بين 20%-30%، وأكد ضرورة رفع تلك النسبة، ما يتطلب جهدا تشريعيا كبيرا لمكافحة التهرب الضريبي، إضافة إلى أهمية أن يرى المواطنون عائداً لما يدفعون من ضرائب في حياتهم اليومية، ما يشجعهم على تقبل العبء الضريبي الإضافي. وأثنى محيي الدين على قرار فرض ضرائب الشركات وضرائب القيمة المضافة لأول مرة في بعض الدول الخليجية، مثل الإمارات والسعودية. وخارجياً، أشار محيي الدين إلى التمويل الميسر من الدول الأكثر غنى للدول النامية في صورة معونات وقروض ميسرة ومنح، بإضافة إلى الاستثمار الأجنبي المباشر، الذي أصبح يلعب دوراً محورياً في عمليات التنمية، جنباً إلى جنب مع القطاع الخاص المحلي. التطور التكنولوجي في الدول العربية ورأى محيي الدين أن التطورات التكنولوجية الحديثة تعتبر من أهم التغيرات في عصرنا الحاضر، وأكد أنها رغم تسهيلها لحياة البشر، إلا أنها قد تسبب توترات من فقدان الوظائف أو الاستغناء عن بعض الصناعات، وقال إن المنطقة العربية مؤهلة لدخول عصر التكنولوجيا لغنى المجتمعات العربية بالشباب، ما يعني وجود تدفق من البشر على استعداد للتعلم، بخلاف الدول التي تعاني من شيخوخة شعوبها. لكن يجب أن ندرك، حسب ما قال محيي الدين، إن هذه الأمور لا ينبغي أن تترك للمبادرات الفردية للمواطنين، فلابد من انشغال القيادات في الدول النامية بالاهتمام بالبحث العلمي، وتوفير أنظمة الحوكمة الفاعلة، مع التأكد من التضامن المجتمعي، حتى يمكن إحداث نقلة في حياة البشر. وأشار محيي الدين إلى تقرير التنمية الأخير للبنك الدولي، الذي ركز على أهمية موضوع التعلم، باعتباره «شيئا تقوم به من المهد إلى اللحد»، ورصد التقرير، الذي صدر قبل 4 أشهر، بعض النظم غير السليمة التي أفسدت المنظومة التعليمية ككل في دول نامية، بينما أصبح هناك في شرق آسيا، التي لم تكن مؤهلة للحصول على قروض من البنك الدولي قبل 40 عاماً، نسبة كبيرة جداً من المدارس المتميزة على مستوى العالم. وهذا بالطبع لم يحدث صدفةً. ولفت محيي الدين إلى أن تلك الأمور لا تحدث بين عشية وضحاها، وإنما يكون هناك تراكم معرفي، يتم الإضافة إليه طوال الوقت. وأكد محيي الدين أن بعض القادة في الخليج مدركون لأهمية التطور التكنولوجي، ويعلمون جيداً أن عليهم تجهيز دولهم لعصر يتحول فيه العالم بعيداً عن النفط كمصدر للطاقة، في اتجاه الطاقة البديلة والمتجددة. وقال إن أحدهم قال له إن بلاده «تتطلع إلى اليوم الذي تحتفل فيه بتصدير آخر برميل»، ما يعني أنهم مستعدون لهذا اليوم، ويتوقعون اقترابه، كما أكد أن هذه الدول أصبح لديها تنوعاً في مصادر الدخل يسمح لها بالاستغناء عن تصدير النفط. وأشار محيي الدين إلى أن البلدان العربية لديها أيضاً حظاً وافراً من مصادر الطاقة المتجددة، مثل الشمس والرياح، وأن هناك استثمارات ضخمة تتم في هذا المجال في بعض الدول. التكنولوجيا في القطاع المالي قال محيي الدين إن القطاع المالي منذ نشأته كان دائماً هو الأكثر سرعة في استخدام مستجدات التكنولوجيا للوصول إلى مدخرات العملاء وتوجيه الاستثمارات. وقال إن بعض أحدث وأفضل التطورات كانت في دول مثل كينيا وتنزانيا، حيث شهدا منتجات لم تكن موجودة في أوروبا وأميركا، وذلك لأنهما استخدما مفهوم الـ «leapfrogging» القفز، ما سمح لهم، بالاستفادة من المستحدثات السابقة، مع تطويعها لما يخدم احتياجات البيئة لديهم، ما يعني أن الدول العربية لديها فرص جيدة للاستفادة من التكنولوجيا، خاصة في القطاع المالي، لتحقيق قفزات تعوض بها أي تأخر سابق. وكان من الطبيعي أن يتطرق محيي الدين إلى العملات المشفرة، ومنها البيتكوين، التي قال إنها ظهرت بسبب انعدام ثقة الناس في النظم الرقابية الحكومية كرد فعل للأزمة المالية. وأوضح أن الناس عند ارتفاع التضخم يتجهون أحياناً لاستخدام عملات دول أخرى أو يقومون بشراء بعض السلع، باعتبارها مخزنا للقيمة. لكن مع البيتكوين، كان الغرض الأساسي هو الخروج من العملة السيادية ومن نظام تداولها. وأكد محيي الدين أن كل الاحتمالات مفتوحة بالنسبة لاستمرار العملات المشفرة وتكنولوجيا سلسلة الكتل «البلوك تشين»، وقال إن ما يحدث في المستقبل سيتوقف على مدى تفاعل الحكومات والبنوك المركزية والمؤسسات المالية، التي ما زالت تحتفظ بدور المراقب ولم تتدخل لفرض قواعد ثابتة للتعامل. وأوضح محيي الدين أن هناك نقاطا هامة لابد أن تأخذ في الاعتبار، أولها أن ما يطلق عليها عملات مشفرة ليست عملات بالمعنى الحقيقي، وأشار إلى تحذيرات كريستين لاجارد، رئيس صندوق النقد الدولي من الجانب المظلم لتعاملات العملات المشفرة، حيث استغلت بعض الشركات العملات المشفرة في غسيل الأموال وتسهيل تجارة المخدرات والدعارة، ما يستلزم فرض رقابة شديدة، مع التمسك بالتعاون بين الدول، لتجنب اضطرابات لن تقتصر على القطاع المالي وحده، وإنما ستشمل قطاعات أخرى، كالطاقة والإنترنت، ورأى محيي الدين أن التعامل في هذه العملات الآن «يتجاوز حدود المغامرة، ويعتبر مقامرة حقيقية، والعالم حالياً لا يحتاج لأزمة أخرى من هذا النوع». السياسات الحمائية تمثل أحياناً قلة حيلة وعدم فهم قال محيي الدين إن التجارة الدولية لم تعد لمستوياتها قبل الأزمة بسبب بعض الإجراءات الحمائية من بعض الدول، وأيضاً بسبب انخفاض معدلات الطلب الخارجي. وأشار إلى أن منظمة التجارة العالمية انتقدت قبل عامين تمسك مجموعة العشرين بأكثر من 1200 إجراء حمائي تم فرضها بعد الأزمة. وأكد أن بعض الإجراءات الحمائية تستخدم أحياناً لأسباب حقيقية، لمنع الإغراق مثلا، لكن أحياناً تستخدم السياسات الحمائية لأغراض شعبوية، وأحياناً تكون ناتجة عن قلة حيلة وعدم فهم من أصحاب القرار، ما يجعلهم يتصورون أن التجارة الوافدة سببها إغراق، بينما الواقع يعكس عدم كفاءة الإنتاج في البلد المستورد. وأيضاً قد يتصور البعض أن التجارة الدولية أفقدت المواطنين وظائفهم، بينما قد يكون سبب فقدان الوظائف هو التقدم التكنولوجي أو ارتفاع الإنتاجية. والقوانين والتشريعات التي خرجت من رحم الأزمة المالية العالمية كان بها بعض التشدد والانفعال كرد فعل للأزمة، وكأن الرقيب يقول للمواطن إنه موجود. وقال لي أحد المختصين مرة، والكلام على لسان محيي الدين، إن بعض التشريعات في مصر قد فرضت أكواداً معينة للبناء، بعد زلزال عام 1992، مشددة، بصورة تفوق المفروض في دول كثيرة التعرض للزلازل كاليابان وسان فرانسيسكو، ما أدى إلى عدم تطبيقها فعلياً. كذلك الأمر مع بعض قوانين الرقابة على المؤسسات المالية الموجودة حالياً، ومنها قانون دود فرانك. وأكد محيي الدين أن المراجعة الدورية واجبة في كل الأحوال، وأن هذه المراجعة لابد أن تراعي بعدين هامين، وهما تحقيق الرقابة الفعالة، مع عدم حرمان الأسواق من مرونتها وفعاليتها، وطالب بتحقيق «الرقابة الحصيفة» لمنع حدوث الاختلالات. وأشار إلى أنه كتب من فترة مقالاً أوضح فيه أن «من دواء الأزمة ما هو أكثر شراً منها».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©