السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العادي والمفاجئ في رحلة المقيظ

العادي والمفاجئ في رحلة المقيظ
8 مايو 2008 03:43
إن محور هذه المقالة هو رواية لكاتبة من الإمارات هي مريم الغفلي، صدرت في ،2007 تتكون من خمسة فصول على امتداد 181 صفحة· تحمل الرواية عنوان'' طوي بخيتة''· ويبدو أنها العمل الأدبي الأول للكاتبة، على الرغم من الإحساس الذي يومئ للقارئ بأن للكاتبة تجارب سابقة في الكتابة السردية، لكنها تجارب لم تعرف طريقها للنشر، لأن إسم الكاتبة غير دارج في ذاكرة بيبلوغرافيا الأعمال الأدبية والقصصية ولا في ما تنشره الصحافة الثقافية المحلية· ''طوي بخيتة'' يثير أكثر من سؤال، فعلى الرغم من ارتفاع كعبه السردي وسلاسة لغته الوصفية الراقية وقدرته على توظيف موروث اجتماعي معنوي ومادي تشيع فيه أخطاء لغوية ونحوية لافتة، توحي أن الكاتبة غير متمكنة من القبض على التحولات الصرفية اللغوية في بناء الجملة· وهو ما يثير الحيرة، بحيث كيف يمكن أن تملك الكاتبة قدرة وصفية عالية ومثيرة، وقدرة ذكية في توزيع مشاهد الرواية عن طريق تقنيات القطع والوصل، ثم ترتكب أخطاء متكررة ذات صلة بالبناء اللغوي في جمل كثيرة، ليس هنا مجال التفصيل فيها· كما يشد القارئ أمر آخر وهو أن الكاتبة تنتمي إلى جذور بدوية أصيلة، يتجلى ذلك في الخط البياني المتصاعد لتفصيلات دقيقة للإشارات والعلاقات بين الشخصيات والأشياء والأحداث والحيوانات التي لا يمكن أن يكتشفها ويصفها بدقة إلا خبير يمتلك مخزونا تجريبيا ثري من الموروث المعنوي للمجتمع، وهي خبرة تتجاوز الإعتماد على مسطور الذاكرة الشعبية العامة· للرواية مسارات عامة محددة تتمثل في الآتي: 1 ـ أسرة بدوية تعيش في صحراء أبوظبي، تعودت صيفا القيام برحلة ''المقيظ'' إلى واحة العين، ولأسباب تتعلق بالمحل توجهت بقافلتها في تلك السنة إلى الساحل الجبلي الشرقي للإمارات الشمالية· 2 ـ قضت فترة أقصر من المعتاد بين مزارع النخيل، حيث الماء والطقس المعتدل، والفواكه وأصناف الرطب، وأبرزها ''النغال''، الذي يعتبر من تباشير الرطب· في لحظة درامية قلقة يأمر الأب بشد الرحال للعودة إلى الديار في الصحراء نتيجة وشاية كاذبة ذات صلة بالشرف· 3 ـ يختارالأب طريقا قليلا ما تطرقه القوافل، وقريبا من طوي/ بئر مهجورة يستل خنجرا ويهوي به على إبنته بخيتة ليلا، ويرمي بها في الطوي، أثناء نوم الأسرة· 4 ـ تواصل القافلة طريقها صبحا، ويعثر أحد جامعي العسل بالمصادفة على بخيتة بين الحياة والموت، عن طريق حاسة كلبه الذي بالغ في النباح أمام فوهة الطوي· يأخذ الفتاة مضرجة بالدم إلى سيدة مختصة في الطب الشعبي تعيش وحيدة في القرية في الخفاء، وتشفى بخيتة· 5 ـ تمرض أختها الصغرى شما، التي شاهدت والدها وهو يرتكب جريمته، فأصيبت بصدمة نفسية منعتها من النطق على مدى شهور طويلة، تلجأ الأسرة إلى بيت السيدة آنفة الذكر لشهرتها في علاج المرضى· وهناك يكتشف مصبح إبن خال بخيتة أنها ما تزال على قيد الحياة، وتعود بخيتة إلى الديار مع أمها وأختها ومصبح، أما الوالد فقد مات بعد عودة القافلة إلى الديار· ويكتشف المجتمع الصغير الخدعة التي كانت وراء محاولة قتل بخيتة· هذه المسارات تمثل الجانب الشكلي العام، بعيدا عن جماليات العمل وتفصيلاته، أما السمات الأنثروبولوجية للعمل فتتمثل في التوظيف الزاخر لمفردات التراث في سياق لغوي يخالف المنطوق اليومي للشخصيات، ويحافظ على المجال الوظيفي للأداة والسلوك، ويتمثل ذلك في المنظومة السوسيولوجية التي عاشها المجتمع الإماراتي، وتتجلى على الوجه التالي: ؟ بيئة صحراوية قاحلة، تصور الرواية عادات سكانها ومشاعرهم أمام لحظة الميلاد والموت، ولحظات القلق والرحيل، وتركز على نوعية الملابس وأصناف الطعام وأدوات الطبخ والسقاية من الطوي وكل ما له صلة بالخيمة والإبل والرمال· تعيش في هذه البيئة عائلة مصبح وزوجته اليازية التي توفيت بعد إنجابها الطفل عبيد مباشرة، وعائلة سلطان الخبير في مسالك الصحراء، والد بخيتة وشما وزوج وعويش والدتهما، وطريفة إبنة عم مصبح المتقدمة في السن، ورمز الشر في الرواية· يبدأ مطلع الرواية كالتالي: صحراء موحشة، كثبان رملية لا تنتهي، مكان معزول يغلفه الصمت، بيوت متناثرة تبدو خالية ويلفها السكون، الكلب الأسود الرابض أمام أحد بيوت الشعر أقعده الجوع والتعب عن مهام الحراسة، تقف إلى جانبه امرأة طويلة القامة، ترتدي ملابس سوداء، تربت على ظهره وترمقه بعطف ثم تدلف إلى البيت وقد اثقلها الحمل، تجلس في وسط خيمتها، تمسك مغول الصوف وتنهمك في غول الصور في خيالها·· ؟ رحلة ''المقيظ''، وهي عادة اجتماعية دأب على مزاولتها سكان الساحل والمناطق الصحراوية والجزر صيفا على مدى قرون· أما في المتن السردي للرواية فيتضح العناء الكبير الذي كانت تتجشمه عائلات ''الحضار'' وهي تسلك طرقا صحراوية قاحلة ومريبة وساكنة، كما يتضح التفاني في التعاون بين البدو خلال الرحلة، وبين البدو ومستقبليهم من سكان أهل الحير، أهل الجبال وسفوحها الخضراء· وتيمة التعاون هنا قيمة أخلاقية فرضتها إكراهات الطبيعة القاسية· ؟ وظف النص السردي قيما أخلاقية تربط الأسرة كالعلاقة بين الزوج وزوجته وبنتيه بخيتة وشما، وعلاقة هاتين الفتاتين بمصبح ابن عمهما، وعلاقة المجموعة البدوية بالغريب، وقديما ورد في المثل الشعبي البدوي المثل الشائع ''الغريب ذيب، عضته ما تطيب''، فقد كان البدوي يتوجس ريبة من كل غريب عنه، خاصة إذا كان غريب الملبس واللهجة والسلوك، ما تزال هذه الصفة قائمة حتى اليوم في أكثر من مظهر سلوكي على الرغم من شيوع ملامح التحديث· ؟ وردت في المتن شلات شعرية لشعراء من مثل عبدالله بن سلطان بن سليم، ومبارك العقيلي، وعبدالله بن السيد أحمد· وقد كان الشعر وما يزال مؤثرا في نفسية البدوي، خاصة ذلك الشعر الذي يعبر عن قيمه وتطلعاته وآلامه وآماله· ؟ لمفهوم الشرف قداسة جوهرية، ولا يحاكم الرجل إذا قتل إحدى محارمه إذا اقترفت جرما، حتى كانت جريمته نتيجة شك· ويتجلى ذلك في عدم محاكمة القبيلة للأب سلطان حين طعن ابنته بخيته ورمى بها في بئر مهجورة في الصحراء· ؟ ''طوي بخيتة''، هو البئر التي شهدت مسرح الجريمة، ومن تقاليد البدو أن يطلقوا أسماء على الآبار التي يحفرونها، وأغلب أسماء القرى والمدن في صحراء الإمارت هي في الأصل أسماء آبار·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©