الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الانتفاضة وإلا ...

1 مارس 2011 21:02
د. طيب تيزيني أستاذ الفلسفة - جامعة دمشق أتت الأحداث العظمى في العالم العربي منذ ما ينوف على الشهر، لتدلِّل على أن ما اعتبره الكثيرُ من شاهدي العصر أمراً أبدياً تحت مصطلح "الحطام العربي"، إنْ هو إلا حالة محكومة ومشروطة باستحقاقات تحدرت من التاريخ والواقع العربي. ونشأت في سياق ذلك وبكيفية من التضايف في العلاقات والأسباب الداخلية خصوصاً، صيغاً جديدة من "أيديولوجيا الحكم" في العالم العربي يؤخذ فيها بعين الاعتبار الوجه والقفا منها. أما وجهها، فقد تبلور وتعملق مع ولادة النُّظم العربية وتبلورها على الأقل منذ ظهور ثروات استراتيجية عربية كبيرة بمساعدة قوى متسلطة حدّدت مهماتها في تهشيم احتمالات التقدم والنهوض العربي وكان ذلك قد راح يتبلور عمقاً وأفقاً منذ سبعينيات القرن المنصرم. وكما يتضح، راحت هذه الواقعة السياسية الاقتصادية تتحول إلى عنصر حاسم في تكوين الأحداث العربية تكويناً يأتي في بنيتها الداخلية. وهذا، بدوره، راح يؤسس لتلك الأيديولوجية، وتحديداً بدءاً من الواقع الأكثر تأثيراً وحسماً، ثروات عملاقة راحت تتدفق بكيفية متصاعدة لتجد مآلها في حسابات رؤوس هذا الحكم أو ذاك، يرافقها استحكام السلطة في أيدي أهل النعمة الجُدد، إضافة إلى لَيِّ عنق الإعلام العربي حتى بما فيه "الإعلام المعارض"...إلخ. أما "القفا" من الأيديولوجية المعنية، فقد راحت تتبلور في سياق انتظام العلاقات بين الداخل العربي والخارج الغربي الهيْمني، على أساس أن كل العناصر المكوِّنة لتلك العلاقات "لها ثمنها"، فتلك الثروات الاستراتيجية المكثفة على أيدي من فكَّك وهشّم حركة التقدم العربية والرهانات الوطنية والقومية، تحوّل إلى قوة عظمى تُملي نفسها على كل الفريقين، الداخلي والخارجي، بحيث إن تلبية أهدافهما المشتركة أصبحت أمراً محتملاً. فالخارج يسعى إلى كذا وكذا من السلع الاستراتيجية وغيرها من السلع المحلية الرخيصة، وذلك في إطار ضمان استمرار "صداقته" مع الداخل العربي، مثلاً بصيغة ضمان أمن إسرائيل وضمان وضع العالم العربي رهينة بيده، أي بيد الخارج الغربي الهيمني. وهذا يتطلب دخول أساطيل وبارجات وقوى عسكرية ممكنة، لتراقب الأمر وتضمن "الهدوء اللازم" في سبيله، إضافة إلى تسلُّم نظم عربية أمنية (من نمط الدولة الأمنية)، ضمانات تحول -وهذا في غاية الخطورة- دون نشوء حالات سياسية شعبية على الخط لا تهدد الغرب إياه وحده، بل كذلك وبالضرورة إسرائيل. والأمثلة على ذلك كثيرة: لا يجوز أن يأتي نظام حكم وطني في بلد عربي، من شأنه أن يهدد إسرائيل! ونلاحظ أن الذرائع راحت تتسع مع الحادي عشر من سبتمبر وبروز "الإرهاب" وما اقترن به من "تكوين" قوى ظلامية تمم الأدوار! في المسألة هذه، يصبح حاصلَ تحصيل أن يؤكَّد على الشَّرطية التالية: من أجل الحفاظ على "خريطة التوازن في العالم العربي"، لا يجوز بتاتاً أن تستلم السلطة في أي بلد عربي فئة لا تلتزم بهذه الخريطة. إذن وبوضوح، لتبْقَ النظم العربية المذكورة ليس إلى حين فحسب، حتى لو كان طويلاً، وإنما لتبقى إلى الأبد"، إلى آخر يوم يمكن تأبيده. ومن الطريف أن القذافي لم يُرفع إلى سدة الحكم بوصفه "قائد الأمة" فحسب، وإنما أصبح كذلك "ملك الملوك"، المؤزَّر. وعلى هذا، فقد أعلن هذا الرجل منذ أيام أنه لن يتخلى عن الحكم "حتى آخر يوم من حياته". وكانت نظم عربية أخرى قد سلكت الطريق إياه، حين أعلنت أن حكامها باقون إلى آخر الزمان، وإلى نهاية الأبدية. إن الأمر والحال كذلك، ينطوي على أكبر المخاطر على ما حققه شباب الانتفاضة، ولهذا فإن ما حققوه من انتصار سيبقى بالنسبة إلى النظم العربية خصوصاً، هدفاً هائلاً يجب إسقاطه. من هنا، لنقل إن استمرار انتفاضتهم إنما هو ضمان لبقائها، مما يعني الدخول في مرحلة الإجابة عن مهماتها الكبرى والصغرى.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©