الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اكتشاف أول شاهد للمجتمعات الساحلية ما قبل التاريخ في الخليج بأم القيوين

اكتشاف أول شاهد للمجتمعات الساحلية ما قبل التاريخ في الخليج بأم القيوين
11 ابريل 2010 01:14
كشفت بعثة الآثار الفرنسية بالتعاون مع دائرة الآثار والتراث بأم القيوين في جزيرة الأكعاب عن أقدم منشأة شعائرية في شبه الجزيرة العربية يعود تاريخها إلى 3200-3500 ق.م، مخصصة لنوع الثدييات البحرية الأطوم. وأشارت البعثة الفرنسية الى أن شبه الجزيرة العربية لم تعط الكثير من المعلومات حول المعتقدات والشعائر القديمة العائدة لفترة عصور ما قبل التاريخ ولكن موقع الأكعاب 3500 ق.م، زود البعثة بأول شاهد حول الشعائر الممارسة من قبل مجتمعات ما قبل التاريخ الساحلية في الخليج. وأوضحت نتائج عمليات التنقيب أن جزيرة الأكعاب كانت خلال الألف الخامس قبل أكثر من ستة آلاف وخمسمائة عام مخيماً للصيادين ببيوت دائرية حيث يعتبر الصيد النشاط الرئيسي لسكان الجزيرة والذي كان يمارس بالشباك أو بالحبال وباستخدام صنارات مصنوعة من الأصداف. وعلى الرغم من أن كل موارد الخور والأشجار المحيطة كانت مستثمرة إلا أن صيادي أكعاب كانوا يصيدون سمك التن أيضاً الأمر الذي كان يحتاج إلى رحلات بالقوارب في البحر. وبينت نتائج اكتشافات البعثة الفرنسية عن تكوين من عظام الأطوم الذي ينتمي إلى فصيلة الخيلانيات البحرية وهي تعيش على طول ساحل المحيط الهندي وفي غرب المحيط الهادي وتتواجد أيضاً اليوم في الخليج العربي في سن البلوغ ويبلغ طولها 4 أمتار ويمكن أن يصل وزنها إلى 400 كيلوجرام. مجمع الأطوم وفي عام 1990 خضع مجمع عظام الأطوم في موقع الأكعاب لسبر أثري وفسر على انه مكان مورست فيه جزارة بقر البحر واستؤنف البحث بين عامي 2006 و2009 من قبل مجموعة جديدة مؤلفة من علماء آثار مختصين بعصور ما قبل التاريخ وخبراء عظام تابعين للبعثة الفرنسية حيث أثبتت هذه الأبحاث أن تجمع العظام ليس عبارة عن تراكم غير منظم وإنما تكوين مقصود تم تشييده خلال مراحل التاريخ باستخدام الكربون 14 الذي طبق على عظام الأطوم وأثبت أنها تعود إلى الجزء الثاني من الألف الرابع “3568 - 3116 ق .م. ويتألف هذا التكوين المعقد من مصطبة مفلطحة تمتد لحوالي 10 أمتار ويصل إلى ارتفاع 40 سم يتألف من عظام أربعين أطوماً تقريباً. ويتكون المستوى الأعلى للتكوين من صفي جماجم متجهة نحو الشرق وهناك صف ثالث من الجماجم أيضاً بنفس الاتجاه يحيط بالجزء الشمالي من التكوين، وكل الجماجم كانت مثبتة بحيث يكون الفك العلوي مغروساً جيداً في الجزء السفلي للتكوين ومدعمة بصف من الأضلاع أحياناً ثنائي أو ثلاثي حولها بالإضافة لحزمات من الأضلاع كانت موضوعة أمام أول صف من الجماجم الشرقية. وظهر أن المستوى السفلي من المصطبة مشرب بالمغرة مما أكسب العظام والمستحاثات الطبيعية لوناً أحمر إذ يتميز هذا المستوى بتواجد عظام الفك السفلي للأطوم الموضوعة بشكل أفقي والتي تتراكم في بعض الأماكن مشكلة طبقات كما أن الحيوانات الصغيرة والصغيرة جداً كانت موجودة أيضاً في هذا التكوين. ولاحظت البعثة أنه لا يوجد هيكل عظمي كامل في هذا التكوين ولا حتى جزء كبير من الهيكل ولكن بعض أجزاء الجسم مثل الأضلاع والفقرات والأطراف لم تتواجد بعددها الكامل وهذا يدل على اختيار مقصود للعظام. اللقى الأثرية كما تبين وجود أجزاء من حيوانات قتلت حديثاً يدل عليه وجود أعضاء مترابطة تظهر اليوم العظام آثار التعرض الطويل للشمس وللرياح. وبينت نتائج الاكتشافات أن كمية اللقى الأثرية في هذا التكوين الشعائري ملفتة حيث زودت مساحة 10 أمتار بحوالي 1862 قطعة. ووضعت هذه اللقى أو حشرت بشكل مقصود في هذا التكوين وهي غير مرتبطة بعملية سلخ أو تقطيع حيوانات الأطوم لأنها تعود بشكل أساسي لعناصر من الحلي. ويلاحظ وجود الخرزات الصدفية الأكثر تعداداً وهي خرزات نادرة في الخليج ذات شكل أنبوبي مثقوبة من طرفين لا يقعان على محور واحد وإنما يشكلان زاوية. هذه العناصر من الحلي وجدت مرتبطة مع الأدوات “الصنارات والسكاكين المصنوعة من الأصداف والمثاقب العظمية والشظايا الصوانية والحصى “ وأخيراً انخرطت في هذا التكوين بقايا الغزلان والخراف والماعز التي كانت أعضاؤها مترابطة أحياناً. وكشفت حفريات جزيرة الأكعاب عن إدارة معقدة أدت إلى انتقاء بقايا الأطوم بعناية حيث تم رصفها لتشكل “بناء” بحجم كبير من عظام منتقاة وفق اختيار محدد، واللقى الكثيرة الموضوعة بشكل مقصود “حلي شخصية ونخبة من الأدوات والأدوات النادرة أو غير محلية” وبقايا ثدييات أرضية مدجنة وغير مدجنة بالإضافة إلى فرش من المغرة كانت مرتبطة بالتكوين، كل ذلك يدل على أن تشكيل واستخدام “بناء” الأكعاب في الألف الرابع قبل الميلاد كان قد تم وفقاً لقواعد محددة. لقد ساهم هذا التشكيل في عرض رائع وشعائري لهذا النوع من الثدييات البحرية الكبيرة ومن المدهش أن تكون كل جماجمها موجهة نحو الشرق تماماً، كما دفن الأموات في بعض مقابر المنطقة العائدة لعصر النيوليت مثل تلك الموجودة في جبل البحيص 18 في إمارة الشارقة. وبينت البعثة أن هذا العرض يذكر أيضاً بالسلحفاة الخضراء “شيلونيا ميداس” في مقبرة رأس الحمرا 5 “سلطنة عمان” المعاصرة لمنشأة الأكعاب حيث كانت جماجم السلحفاة بالقرب من وجه الميت أو على قبره وبعض أجزاء من الدروع وضعت أيضاً على الجسم. الوحيد في الشرق الأوسط وتؤكد الاكتشافات أن هذا التكوين هو الوحيد في الشرق الأوسط وليس له مثيل من عصر النيوليت في بقية أصقاع العالم يمكن مقارنته فقط مع “الكود” وهي مواقع شعائرية تقع على السواحل الاسترالية بالقرب من مضيق تور ولكنها أحدث عهداً “القرنان 14- 20 م”، وهنا كما في الأكعاب هذه التكوينات هي عبارة عن أبنية مكونة من بقايا الأطوم “من بعض العينات وحتى بضع المئات “وضعت فيها اللقى “حلي شخصية وأدوات متنوعة وأدوات مستوردة” وعظام الحيوانات الأرضية أو البحرية. وكان ولا يزال الأطوم يخضع لشعائر استرضائية ترتبط بتحضير صيده ونقله إلى اليابسة وسلخه أو استهلاكه وهذه الشعائر الاستعطافية لها علاقة بالرمز الحامي حيث إن بعض قبائل الصيادين لها رموز مائية كالقرش أو السلحفاة المائية أو الأطوم. وتقول البعثة الأثرية إن التشابه كبير بين منشأة الأكعاب وتجمعات الأطوم الاسترالية وترجح أنها مرتبطة بشعائر الصيد وانه يمكن الاستنتاج أن “بناء” الأكعاب ذي التخطيط المنظم والمكانة المميزة والذي شيد ليدوم كان منشأة شعائرية ولكن هل كان مكرساً بشكل خاص للشعائر المرتبطة بالأطوم الذي لم يكن صيده بدون مخاطرة أم مرتبطاً بشعائر الصيد البحري بشكل عام. وأوضحت البعثة في هذا الصدد أنها لا تمتلك ما يرجح إحدى النظريتين، فيما طرحت البعثة تساؤلاً “هل ينتمي صيادو النيوليت في جزيرة الأكعاب لمجتمع كانت فيه الشعائر والمعتقدات مرتبطة بالحيوانات ومبنية على الثنائية بين القبيلة والرمز الحامي الخاص بها”. وقالت “لا توجد حالياً عناصر تسمح بإثبات ذلك ولكن بإمكاننا فقط أن نلاحظ التشابه بين الشعوب الساحلية على الرغم من تباعدها جغرافياً مئات الكيلومترات مثل الأكعاب ورأس الحمرا التي تتقاسم ذات الثقافة المادية والتقنية وتتقاسم أيضا الشعائر الروحية المرتبطة ببعض الحيوانات المائية”. إشادة باهتمام حاكم أم القيوين بالآثار أشاد الشيخ خالد بن حميد المعلا مدير دائرة الآثار والتراث بأم القيوين بتوجيهات واهتمام صاحب السمو الشيخ سعود بن راشـد المعلا عضو المجلس الأعلى حاكم أم القــيوين بحماية المواقع الأثرية التاريخية بالإمارة باعتبارها ثروة وطنية وشاهداً حياً على حضارة وتاريخ المنطقة ودعم سموه لخطط الدائرة الرامية الى الحفاظ على الموروثات التاريخية بأم القيوين. وأوضح الشـيخ خـالد بن حميـد المـعلا أن البعـثـة الفرنـسـية بـدأت عمـليات التنـقيب الفـعلية في جزيرة الأكعـاب والتي تـقع في خــور أم القيــوين من عـام 2005 الى 2008 حيـث كشـفـت عمـليات التنقيب والحـفريات عن مكتـشـفات أثـرية مـهمة تـضـاف الى الخـريـطة الأثـرية بالـدولـة. يذكر أن بعثة الأكعاب تتكون من باحثين من المركز الوطني للأبحاث العلمية والمركز الوطني للبحث في حماية الآثار “فرنسا” وجامعات: باريس الأولى وايدنبرج “المملكة المتحدة” ورافين “إيطاليا” و“الأداش” أبوظبي.
المصدر: أم القيوين
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©