الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«فصيح» في كوريا

1 مارس 2011 20:19
وجدت نفسي ملزماً بالتحدث بالفصحى مع المترجم الكوري الشاب وأنا في العاصمة الكورية الجنوبية، فهو لا يعرف غيرها وغير لغته الأم، فقد تلقى تعليمه في مصر التي تعلم منها بخلاف العربية خفة الدم التي جعلت رحلتي تبدو خفيفة الظل، خصوصاً في مكان مختلف ثقافياً وبارد جداً بطقسه المزاجي الذي تشتد برودته لدرجة التجمد عندما تهب رياح شمالية شديدة لا ينفع معها أي رداء ولا يقي منها أي غطاء، فإما أن تلازم مقر إقامتك أو أن تتحمل الصقيع عندما تلح عليك روح الاستكشاف وأنت تجوب أزقة المدينة وشوارعها وأسواقها. حديثنا بالفصحى مع المترجم الذي لا يفهم اللهجات العربية جعلني أنا ورفيقي نتحدث تلقائياً طوال أيام الرحلة بالفصحى أيضاً حتى عندما لا نكون بحاجة إلى ذلك أو عندما نلتقي على مائدة الطعام أو في بهو الفندق، كنا نأخذ الأمر على محمل الهزل أحياناً وربما نستخدم عبارات قديمة كتلك التي تظهر في المسلسلات التاريخية أو ربما بطريقة المسلسلات المكسيكية المدبلجة وبأفلام الرسوم المتحركة. ولفترة بعد انتهاء الرحلة لازمتني بضعة كلمات فصيحة كانت تعجبني طريقة إلقائها ما لبثت أن تلاشت مع زحام كلمات الحياة اليومية. وأخشى ونحن في بداية شهر مارس الذي اختير للتذكير بضرورة حماية اللغة العربية في زمن العولمة والثقافات المستوردة أن نتخلى تدريجياً عن لغتنا الأم لمصلحة لغات أجنبية بدأت تنتشر في مدارسنا المحلية، حتى وإن كان أمراً مطلوباً لأن تعلم اللغات سيفيد الأجيال القادمة وسيفيد الوطن والحضارة العربية بشكل عام، غير أن ذلك لابد أن يرافقه اهتمام باللغة الأم، لأنها مرجعية الهوية الوطنية ومرجعية الدين الذي تكفل بحمايتها في كتاب الله الكريم، غير أننا لابد أن نسهم في حمايتها في الصدور، فلا يكفي أن تبقى محصورة بالكتابة أو القراءة، علينا أن نسهم في استخدامها بشكل أكبر في أروقة الحياة اليومية، لأننا نكاد أن نتخلى عنها لنستخدم الإنجليزية أو العربيزي كما هو بين الشباب، خصوصاً أن ثقافة العامة تميل إلى التحول عنها بسبب الخليط البشري الذي جعلنا نتخلى حتى عن لهجتنا المحلية لمصلحة لهجة هجينة تبدو مكسرة أحياناً وغير مفهومة. وحتى لا تبدو العربية غريبة على الأجيال الجديدة كما تراها ابنتي ذات الخمسة أعوام والتي تنتابها نوبات ضحك طفولية عندما أتحدث أمامها بالفصحى، ربما لأنها تعتقد أنني أمثل دور أحد أبطال الرسوم المتحركة المفضلين لديها والذين صاروا مؤخراً يتحدثون باللهجة المصرية، وقد ترد علي بالفرنسية مستغلة جهلي بتلك اللغة الرومانسية الجميلة. سعيد البادي rahal ae@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©