الجمعة 10 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الغرور وتضخم الذات والإجهاد أهم الأسباب

الغرور وتضخم الذات والإجهاد أهم الأسباب
4 مايو 2008 02:10
عندما نفكر في الأذكياء الذين نعرفهم والذين يشهد لهم الناس بالتفوق الدراسي والنجاح المهني والتميز العملي، سنكتشف أن كل ما لديهم من توقد ذهني ونبوغ عقلي لم يحل دون وقوعهم في أخطاء ساذجة أثرت سلبا على طموحاتهم المهنية وعلاقاتهم الاجتماعية وحياتهم الأسرية· ولقد أظهرت الأبحاث التي بدأت منذ أواسط الثمانينات وتطورت كثيرا في السنوات الأخيرة، أن هذا الأمر واقع فعلي يدعمه تفسير علمي· فما يقوم به الإنسان من نشاط ذهني مفرط وإنهاك للعقل بعمليات حسابية وتحليلية وتحميل العقل لمعلومات وأفكار ومشاهدات فوق الطاقة يترتب عليه ظهور مناطق مظلمة في الدماغ تؤثر على النشاط الذهني والإبداعي للمخ· وتصبح هذه النقاط المظلمة مسؤولة فيما بعد عما يتخذه المرء من قرارات خاطئة وتصرفات غبية وخطط غير مدروسة· ففي عام 1720 خسر عالم الفيزياء والرياضيات البريطاني اسحق نيوتن ثروته في صفقات خائبة في البورصة التي كان هو نفسه قد توقع انهيارها· وهنا يتبادر إلى اذهاننا هذا السؤال: إذا كان الرجل الذي اعتبر أحد أعظم علماء القرن الثامن عشر في الرياضيات والذي قاده ذكاؤه الفذ إلى اكتشاف قانون الجاذبية قد خسر أمواله في البورصة، فهل يمكن أن يلام صغار المضاربين من متوسطي الذكاء الذين يخسرون في الأسهم كل يوم؟!!· وإذا كان أحد لا يجرؤ أن ينعت نيوتن بالغباء فهل هناك أسباب أخرى دفعته إلى إساءة الحكم على الأشياء واتخاذ القرارات الخاطئة؟· مناطق مظلمة لقد حاولت عالمة النفس الأميركية ''مادلين فان هيك'' حصر الأخطاء الأكثر شيوعاً بين الأذكياء والموهوبين وأصحاب القدرات الذهنية المميزة والطاقات العقلية المبدعة· فكانت هناك أخطاء نابعة عن الغرور والمبالغة في تضخيم الذات نتيجة لنزعة التفوق والشعور بالتميز· فتجد بعض الأذكياء يرتكبون حماقات بسبب الثقة الزائدة، والرضا التام عن النفس، والشعور بالاستهانة المفرطة بالتحديات، وتصغير إنجازات الآخرين مما يترتب عليه سوء تقدير لعواقب الأمور· وهناك أخطاء أخرى مبعثها الإجهاد والتوتر والغرق في التفكير ومنها عدم القدرة على التركيز وإهمال التفاصيل، والنسيان وضعف الذاكرة، والقفز إلى النتائج، وغياب الصورة الكاملة، وسرعة نفاذ الصبر· فالضغط العصبي الذي يولده الإجهاد والتوتر يترك آثاراً سلبية على قدرات الدماغ الذهنية والإبداعية· وعلى مدى عقود من الزمان كان العلماء يشاركون العامة الاعتقاد بأن كبر حجم الرأس وبروز الفص الأمامي للجبهة دليل على الذكاء والعبقرية· وكان لابد من الانتظار لمنتصف القرن التاسع عشر كي يثبت علماء الأحياء عدم وجود فروق بين أدمغة العباقرة وأدمغة أقل الناس غباء من حيث الوزن والضخامة· إلا أن التقنيات العلمية الحديثة أثبتت وجود خصائص في شكل المخ تميز الأذكياء عن الأغبياء· فسطح المخ لدى الأذكياء يضم عددا أكبر من الشرايين الدموية العريضة التي تنقل مزيدا من الغذاء والأوكسجين، كما يضم تلافيف وتعاريج كثيرة ومعقدة بخلاف أدمغة الأغبياء التي تظهر مسطحة وملساء وذات شرايين دموية ضيقة· وتعرض الإنسان إلى الإجهاد يؤدي إلى نقص وصول الأوكسجين اللازم لأنسجة المخ مما يؤدي إلى اختلال وظيفي في نشاط مراكز التخطيط والتحليل والمنطق كما يؤدي إلى اضطراب في ضوابط التصرفات القولية والفعلية· ويكمن الحل في اتباع طقوس معينة للاسترخاء وتصفية الذهن، كأخذ قسط من الراحة في منتصف النهار واستغلال إجازة آخر الأسبوع في التأمل والنوم العميق، وتفريغ الطاقات السلبية والتخلص من الإرهاق الذهني والعصبي، والابتعاد عن أماكن الصخب والضجيج لفترة من الزمن، والانضمام إلى المراكز الرياضية المختصة لتعليم رياضة الاسترخاء، والتدريب على تمارين التنفس العميق والرتيب لإزالة التوترات العصبية، كما ينصح بالحرص الدائم على محاسبة النفس وترتيب الأولويات لاستعادة التوازن النفسي واستلهام الهدوء والسكينة· أذكياء لكن أغبياء واستنادا على عبارة جاءت في كتاب نشر عام 1841 بعنوان '' أخطاء غير تقليدية وجنون الزحام'' للباحث '' تشارلز ماكاي'' تقول إن الصراع الأبدي منذ بدء الخليقة لم يكن بين الخير والشر بل بين الذكاء والغباء· نشرت جامعة ييل الأمريكية الشهيرة في مطبوعتها الدورية دراسة عن سيكولوجية الغباء للأذكياء فقط· قالت فيها إن صناع التاريخ الذين انبهرت الشعوب بذكائهم ارتكبوا أخطاء فادحة وأوقعوا البشرية في ويلات بعد أن رأوا بغرورهم الخير شرا والشر خيرا وظنوا بغبائهم أنهم أذكياء· واستفزت هذه الدراسة الكثير من علماء النفس لإجراء المزيد من البحث الأكاديمي للتوصل لعلاج ما اعتبروه أقدم مشكلة عرفتها البشرية حتى يومنا هذا· ومع الوقت أفرز البحث عن كتابين حديثين هما: ''لماذا يفعل الأذكياء أشياء حمقاء؟'' للدكتور مورتيمر فينبرج وجون تارانت، وكتاب ''لماذا يكون الأذكياء في غاية الغباء؟'' لعالم النفس البروفيسور روبرت سترنبرج بجامعة ييل، بالإضافة إلى دراسة أكاديمية للبروفيسور مايكل شيرمر حول منحنيات الغباء الإنساني· وفي كتاب ''لماذا يكون الأذكياء في غاية الغباء؟'' يقول ''سترينبرج'' إن الذكاء والغباء ليستا حالتين متناقضتين كالبرد والحر حيث وجود الأول ينفي وجود الثاني· فالغباء حالة تظهر في تغير ديناميكي تلقائي مع الذكاء· وهذا ما يحدث مع الأغبياء عندما يقدموا على أفعال ذكية· ففي دراسة أجريت على فريق من عشرة أشخاص أذكياء لاختبار منحنى الغباء عند كل منهم· تبين أن الذكاء شيء فطري ينمو مع الإنسان تتوسع دائرته وينمو بالتفكير وتحسين الموهبة وأن أخطاء الأذكياء الغبية مرجعها تبنيهم معتقدات خاطئة أو الحكم على الأشياء من منطلق ما جرت عليه العادة بالإضافة إلى التسرع في الحكم وإغفال عناصر هامة· أما أغرب ما تفتقت عنه أبحاث الغباء الإنساني فهو توصل العالمة الروسية دكتورة ''إلينا جريجورينكو'' إلى أن الذكاء في حد ذاته هو عمل غبي أحمق· ورغم اعترافها بأن تعريف الذكاء لا يزال أمرا جدليا لم يتم الاتفاق عليه إلا أنها ترى أن الذكاء هو التفكير بتعقل والتصرف بحكمة مع ما يواجه الإنسان من مواقف في الحياة وأن المبالغة في ذلك يقلب الأمر إلى الجنون· بل إن الذكاء الشديد قد يصبح معوقا للإنسان عن فعل الصواب·
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©