الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحكاية والتعجيب

الحكاية والتعجيب
11 يونيو 2009 02:54
حين نطّلع على كتاب «نخبة الدهر في عجائب البر والبحر» للشيخ شمس الدمشقي المعروف بشيخ الربوة، ندرك أن تأثير ألف ليلة يتّخذ أكثر من مظهر. فهو يرد صريحا في فاتحة الكتاب إذ يعلن المؤلّف أنه قد نذر كتابه لمطاردة الجميل والفاتن والمهيب مبيّنا أن الغاية من وضعه إنما هي السفر باتجاه الفريد والقبض على الغريب والعجيب. وعلى هذا البحث عن الفريد والمدهش جريان كتاب ألف ليلة وليلة. وهو يجاهر بأن كتابه عبارة عن تهجٍّ للأرض وما تزخر به من عجائب من شأن الإخبار عنها، في تصوّره، أن يحفظ على المؤمنين دينهم ويزيدهم إيمانا. إن الكتابة تنهض لا باعتبارها مجرّد حكاية مثل حكايات ألف ليلة وليلة تنشد التسلية بل باعتبارها نوعا من السرد غايته ترسيخ القيم. وهي لا تتكتّم على مقاصدها بل تجاهر بها فتخبر المتلقّي بأن للكائنات والموجودات جانبها العجيب اللاّمرئي الذي يدقّ المسلك إليه. ويكتب محدّثا عن سمك بحر الروم: «وسمكه له وجه آدمي بلحية بيضاء ولون جسده كلون الضفدع. وهي في قدر العجل ويسمّى الشيخ اليهودي. وسمكه أيضاً له صورة رجل محارب بيده سيف قصير وبالأخرى ترس مدوّرٌ وعلى رأسه بيضة برفرف. وذلك كله قطعة واحدة، حيوان واحد، جسم حي واحد. السيف عضو والترس عضو والخوذة عضو يسمّى سيّاف البحر. وسمكة طولها شبرين أو أقل مكتوب على ظهرها بالعربية لا إله إلا الله ومكتوب بين أذنيها من الخلف محمد رسول الله. وهذه السمكة توجد حول مياه قسطنطينية حيث يوجد السمك الذي يسمونه سقنقور. « هكذا تتشكّل الكتابة كما في كتاب «نخبة الدهر» في قالب رحلة من المعلوم إلى المجهول، ومن المدرك في الأعيان إلى ما يصعب تمثّله في الأذهان. لذلك تحفل بالحديث عن الغرائب التي يصعب على الذهن تمثّلها. فتجتذب العقل إلى نهاياته وتفلت من مبدإ الاحتمال النقدي. يحرص المؤلّف على تملّي غرائب الموجودات فيدوّن العجيب والفاتن ويوسّع من دائرة الحلم ومجاله. يخترق الواقعيّ ويشرع في تحطيم الحدود الفاصلة بين المرئي المشاهد في الأعيان وغير المرئي الذي لا يمكن أن يطال إلا بالتوهّم وعلى سبيل التخيّل. وبذلك تنفتح الكتابة على الفاتن والمُبْهِر والبديع الذي يثير الفتنة والخوف في آن معا. وكما في كلّ المشاهد والتصاوير التي يبتنيها الخيال ستعتمد الكتابة على التقاط مدركات مرئية متعارفة في الواقع وتبتني بها الخارق والعجيب وما لا يمكن أن يوجد في الواقع، فيما هي تدفع بالعقل إلى نهاياته وأقاصيه وتتوغّل في المناطق التي تفلت من قبضته بواسطة التخييل والتصوير. لذلك يطفح الكتاب بمشاهد من شأنها أن تلبّي حاجة المتلقّي إلى الجميل الذي يظهر في هيئة غير متوقّعة أصلا وتضعه في حضرة المَهيب. وترد المشاهد والصور جميعها لتخدم مقاصد المؤلّف وحرصه على إثباتها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©