الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إغراءات التعليم.. ميزانية شبه مفتوحة

إغراءات التعليم.. ميزانية شبه مفتوحة
11 يونيو 2009 02:45
ما لفت انتباهي في الأيام الأولى لوصولي إلى أبوظبي في يناير عام 1971 هو الاهتمام غير العادي بالتعليم، فالمدارس الحكومية للبنين والبنات منتشرة في جميع أنحاء الإمارة أبوظبي، العين، ليوا وبعض القرى الناشئة. وتشجيعاً للمواطنين لإرسال أبنائهم وبناتهم للمدارس كانت هناك مكافآت أو رواتب للطلبة والطالبات بالإضافة إلى وجبات غذائية يتناولها الطالب أو الطالبة في المدرسة، أضف إلى ذلك أن المدرسة كانت تقدم للطلاب والطالبات الكتب المدرسية والدفاتر والأقلام مجاناً. أهم خدمة كانت تقدمها الحكومة لجميع الطلاب والطالبات في المدارس هي الرعاية الصحية، وكانت هناك إدارة خاصة للصحة المدرسية ما زلت أذكر أحد أهم الأطباء المسؤولين عنها وهو الدكتور عبد الكريم الرمحي. وكانت هذه الإدارة الصحية تقوم بفحص جميع الطلاب للتأكد من خلوهم من الأمراض ومعالجة الطلبة الذين يشكون من بعض المشاكل الصحية وكل ذلك على حساب الحكومة الكريمة التي أعلن قائدها ورئيسها المغفور له بإذنه تعالى الشيخ زايد «رحمه الله» أن هؤلاء الطلاب يشكلون المستقبل الزاهر لهذا الشعب وهم الأمل الذي يجب أن نرعاه ونهتم به، وتأكيداً لذلك فقد كان «رحمه الله» يحرص دائماً على زيارة هذه المدارس والإصغاء إلى الطلاب والطالبات وتحقيق كل الاحتياجات التي تطلبها المدارس. وكانت خطط بناء المدارس الجديدة وتزويدها بكل ما تحتاج إليه المدارس الحديثة موجودة باستمرار ومواكبة للتطور السكاني الذي شهدته إمارة أبوظبي والإمارات الأخرى بعد عام 1971. مدرسة الوردية المدرسة الخاصة الوحيدة التي كانت موجودة في ذلك الزمن الجميل هي مدرسة الراهبات الوردية، وكانت على شارع الكورنيش وذات بناء مميز جميل أغراني في ذلك الوقت على وضع ابني جهاد وابنتي ريم فيها، وظل جهاد حتى أنهى المرحلة الابتدائية وبعدها كان عليه أن ينتقل إلى مدرسة للذكور فانتقل إلى مدرسة زايد الثاني في البطين. كانت المدارس الحكومية ومدرسة الراهبات الوردية تعمل على إشراك أولياء الأمور في العملية التعليمية، ولذلك كنت عضواً في مجلس أولياء الأمور الخاص بالوردية ثم أصبحت عضواً في مجلس أولياء الأمور في مدرسة زايد الثاني. وكان هناك اجتماع شهري للمجلس، تناقش فيه جميع قضايا ومشاكل الطلاب والطالبات وكيفية معالجتها على أسس علمية صحيحة وخاصة ظاهرة التمرد التي قد تنشأ أحياناً بسبب الانحراف أو عدم اهتمام ولي الأمر أو المدرسة وما أنجح الوسائل لعلاج هذه الظاهرة بشكل صحيح. معلومات خاطئة شعرت وأنا أتابع هذه القضايا أنني أشارك كأب أو ولي أمر في العملية التعليمية وأراقب حتى المناهج الدراسية وبالفعل وجدت يومها أن المناهج الدراسية الموضوعة لطلابنا مأخوذة من مناهج الكويت واكتشفت أن المعلومات التي تحتويها المناهج عن موضوع البترول في الإمارات معلومات قديمة جداً وخاطئة وأن أسماء الحقول البرية والبحرية المنتجة للبترول في أبوظبي ودبي غير صحيحة مما جعلني أقابل المسؤول عن التعليم في ذلك الوقت وهو الأستاذ عبد الملك الحمر لأقول له: كيف تدرسون أولادنا معلومات خاطئة عن واقع الثروة البترولية؟ وقمت فيما بعد بإجراء مقابلة تلفزيونية مع وزير التعليم سعيد سلمان وفي تلك المقابلة طرحت موضوع المعلومات البترولية الخاطئة فوعد بتصحيحها على مرحلتين، الأولى من خلال الأساتذة الذين قمت بتزويدهم بورقة معلومات صحيحة عن المواقع والإنتاج والصناعة البترولية، والثانية من خلال تغيير المناهج التي تغيرت فعلاً استناداً على المعلومات الدقيقة التي زودناهم بها أو قاموا بأنفسهم بالبحث عنها وتدقيقها. وبحكم عملي الإعلامي في الإذاعة والتلفزيون وتخصصي في موضوع البترول فقد كان مجلس الآباء في مدرسة زايد الثاني يستفيد بشكل عملي من ذلك فقمت بإجراء عدة رحلات للطلاب إلى مواقع الإنتاج والحقول البترولية في إمارة أبوظبي كما قمت بتسجيل عدة مسابقات طلابية في موضوع المعلومات البترولية وبثها بعد تسجيلها ليراها جميع المواطنين والمقيمين في دولة الإمارات العربية المتحدة، وحدث الأمر نفسه مع مدرسة الراهبات الوردية وما زلت أحتفظ بتسجيلات لتلك الرحلات (صوتاً وصورة) كذلك بعض الصور الفوتوغرافية النادرة. التعليم في دولة الإمارات في البدايات كان يقتصر على المرحلة الثانوية، أما الدراسة الجامعية فكان لابد لمن أنهى تلك المرحلة أن يطلبها خارج الدولة. ولم تكن وزارة التعليم تقصر في ذلك بل إنها كانت تقوم بابتعاث الطلاب والطالبات إلى الجامعات العربية والأجنبية وتقدم لهم المنح الدراسية لتمكنهم من العيش بكرامة واستكمال الدراسة، وقد كانت شركة بترول أبوظبي الوطنية التي أنشئت في عام 1971 وبعض شركات البترول الأخرى تقوم بإرسال العديد من الطلبة للدراسة في الجامعات الأجنبية مما جعل ذلك الزمن بحق زمن العلم والتحصيل العلمي الذي كان «رحمه الله» الشيخ زايد يعطيه كل الاهتمام والرعاية. ومنذ إنشاء جامعة الإمارات في مدينة العين، تحولت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى أحد أهم مواقع التعليم في العالم حيث انتشرت المدارس الخاصة والجامعات ومعاهد التكنولوجيا إلى درجة جعلت أولياء الأمور يقفون حائرين أمام الخيارات العديدة المتوافرة لأبنائهم وبناتهم، وعلى الرغم من ذلك فإن التعليم في ذلك الزمن الجميل كان له خصوصيته ومذاقه المميز. كانت أم البنين تشارك في هذه العملية من خلال عملها كمدرسة للمرحلة الابتدائية في مدرسة آمنة بنت وهب للبنات وكانت المدرسة تقع خلف الشقة الأولى التي سكنا فيها عام 1971 في الشارع الذي كان يسمى في ذلك الزمن باسم إلكترا ولا يزال ذلك الاسم يتردد حتى اليوم على الرغم من أنه تغير ومنذ زمن بعيد، ومن خلالها كنت أطلع على المشاكل في مجال التعليم وكيف كان يتم التعامل معها وحلها بالخبراء والمختصين الذين كانوا يقومون بالتفتيش ومتابعة العملية التعليمية لتحقيق أقصى النتائج الإيجابية الممكنة. إغراءات التعليم كانت ميزانية الوزارة شبه مفتوحة، لا يقف عائق أمام المسؤولين سواء أكان مادياً أم بشرياً، وأن الوزراء والمسؤولين الذين تعاقبوا على هذه الوزارة قاموا فعلاً بعمل عظيم يستحقون عليه التقدير والثناء، وحبذا لو اهتم المسؤولون الحاليون بعمل ما لتكريم أولئك الرواد وإظهار دورهم الكبير الذي قاموا به لتحقيق آمال وأحلام القائد المغفور له بإذن الله الشيخ زايد الذي كان يعطي هذه العملية ومنذ كان ممثلاً للحاكم في المنطقة الشرقية (العين) كل اهتمامه ورعايته. هناك أسماء بارزة كان لها عطاء مميز في المجال التعليمي في الإمارات وليس من الصعب على المسؤولين الحاليين البحث عنها والاتصال بها وتقديم شكر الوطن والشعب لمن ظل حياً من هذه الأسماء، اعترافاً بالجميل وإحياء لشيمة غراء من شيم شعبنا العربي وهي شيمة الوفاء. ما زلت أذكر كيف كنت أستيقظ في الصباح الباكر لأقف مع الأبناء على رصيف الشارع خلف مدخل عمارتنا في شارع إلكترا منتظراً وصول الباص المدرسي الحكومي حيث كان يقل ولدي جهاد ثم باص مدرسة الوردية حيث كان يقل ابنتي ريم، بالطبع كان الباص المدرسي الحكومي مجانياً وهذه الخدمة كانت من ضمن الإغراءات التي كانت الحكومة ممثلة بوزارة التربية والتعليم تقوم بها لتشجيع المواطنين على تعليم أبنائهم وبناتهم. ولم تكن المناطق النائية داخل الصحراء مثل ليوا وطريف خارج نطاق اهتمام القائد، بل امتدت حركة التعليم لتشمل تلك المناطق فبنيت المدارس الحديثة وزودت بكل ما تحتاج إليه من معدات وانتقل المدرسون والمدرسات إلى تلك المناطق وهكذا كانت حركة التعليم قوية وكافية لتجعل نسبة المتعلمين في دولة الإمارات من أعلى نسب التعليم في العالم. قام القائد ومنذ تسلمه لمقاليد الحكم في آب أغسطس 1966 بإعطاء عملية التعليم كل اهتمامه ورعايته، وكانت هذه العملية تحظى بالأولوية لديه، فالعلم هو الاستثمار الحقيقي الذي يبني مستقبل هذا الوطن، وقد حمل هذه الرسالة معه ومنذ البداية صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان الذي كان يشرف على سير الحركة التعليمية في البلاد ويهبها من جهده ووقته ما حقق لها هذا الموقع المتقدم الذي وصلت إليه. في ذلك الزمن الجميل، كانت المدارس هي الأسس القوية التي أرستها قيادة الدولة وتمكنت من إقامة هذه النهضة الحديثة التي نعتز بها ونفتخر، ولقد شهدت ذلك بنفسي. المدرسة الخاصة الوحيدة التي كانت موجودة في ذلك الزمن الجميل هي مدرسة الراهبات الوردية، وكانت على شارع الكورنيش
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©