الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نحو كوكب أكثر نظافة

نحو كوكب أكثر نظافة
7 ابريل 2010 22:31
تحتاج جميع الكائنات الحيّة الى الطاقة للإبقاء على وجودها ونموها وتكاثرها. ويكون استعمال الطاقة إما مباشرة من الطبيعة أو عن طريق الاستحواذ على المادة المتعضية اللازمة لهياكل المتعضيات الحية. يتفرد الإنسان من بين الكائنات بحاجته إلى الطاقة لذات الأسباب المذكورة بالإضافة إلى الحاجات الناتجة من تطوره الحضاري. والجدير ذكره إن جميع الحضارات البشرية منذ فجر التاريخ استعملت مصادر الطاقة في محيطها الطبيعي بما يتناسب مع تطورها ومعرفتها وتعقيدات مجتمعاتها في الحقبة التاريخية المرتبطة بهذا الواقع المادي والروحي والمعرفي. حول هذا الكتاب صدر كتاب بعنوان “مصادر الطاقة المستقبلية” للمؤلف بيتر هوفمان، من ترجمة ماجد كنج، هنا مقدمة الكتاب، التي تشتمل على موضوعاته ومقارباته: لم تخل المجتمعات البشرية في مختلف حقباتها من الأزمات الناتجة عن كسر التوازن بين الحاجات وما هو متاح وقابل للاستهلاك. وهذا ما حدث للإمبراطورية الرومانية وخلال القرون الوسطى. فقط منذ بضعة قرون دخلت البشرية في عصر الصناعة الكبيرة على المستوى الجماهيري وقد ساعد في ذلك اكتشاف الآلة البخارية التي تعمل من طريق إحراق الفحم. وهكذا دخلت المجتمعات البشرية في ما أصبح يعرف بعصر الوقود الأحفوري. أدى اكتشاف النفط بكميات وافرة قبل قرنين الى التزاحم على هذه المادة الأحفورية في سبيل الاستعملات البيتية وخاصة للإنارة. ولقد أدى تطور الآلة البخارية وتصنيع الأعداد الكبيرة من القاطرات والسفن التجارية البخارية والآلات الحربية الى التطور في علم الميكانيك وقوانين الديناميك الحرارية. وكان من نتائج ذلك أن تم اختراع المحرك ذي الاحتراق الحراري الذي يعمل بالوقود الأحفوري السائل أي بواسطة مشتقات النفط. لقد شكل الاستعمال الطاقوي للنفط سبباً للكثير من الحروب والصراعات، وأدى الى تغيرات هائلة في البنية الاجتماعية الاقتصادية، وأسس بالتالي للثورة العلمية التكنولوجية. فخلال القرنين الماضيين استهلكت البشرية كمية من الطاقة تعادل إجمالي كميات الطاقة المستعملة على التاريخ السابق. مرحلة النكوص لقد أدى الاستخراج المفرط للنفط من باطن الأرض ومن تحت البحار الى نضوب الكثير من حقول النفط، وخرجت دول عدة من مصاف الدول المنتجة الى مصاف الدول المستهلكة ومنها على سبيل المثال الولايات المتحدة. ومع بلوغ إنتاج النفط الذروة ما يعني أنه لا محالة قد دخلنا في مرحلة النكوص، وذلك بسبب أن كميات النفط الدفينة في الباطن تبقى محدودة، إذ أنها تشكلت منذ عشرات ملايين السنين وهي غير قابلة للتجدد بالمنظور التاريخي للبشر. وكنتيجة لذلك انحصر احتياط النفط القابل للاستخراج في مناطق محدودة على الكرة الأرضية، ولكن مركزة بشكل أساسي في بعض الجهات التي تشكل منطقة الشرق الأوسط أهمها على الإطلاق. تلتصق الحضارة الحديثة بشكل حميم بالنفط لتسيير آلاتها الجبارة وتطوير صناعاتها وزراعاتها المعتمدة بشكل جوهري على النفط. ولكن بدء تراكم الانبعاثات، وهي تعتبر مجازياً نفايات إتراق مشتقات النفط، أخذ يؤثر على البيئة بشكل سلبي ويهدد بتغيرات مناخية خطيرة خصوصاً لجهة احترار الكوكب الأرضي وذلك بفعل تأثير الدفيئة الناتجة خصوصاً عن تراكم ثاني أوكسيد الكربون. إذن وعلى مشارف القرن الواحد والعشرين تجد البشرية نفسها أمام أزمات سياسية واقتصادية وبيئية ومخاطر أمنية وحروب مدمرة لا تقل خطورة عن أي تغيرات جيولوجية كارثية. فالمزيد من استهلاك النفط سوف يؤدي من جهة أولى الى تسارع التهديدات على البيئة وعلى الحياة ذاتها بفعل التلوث، ومن جهة ثانية الى تسارع نضوب هذا المصدر الثمين ما يؤدي الى زيادة احتدام الصراعات وخسارة هذا الخزين من مادة مفيدة في المجالات الصناعية والزراعية والتي لا تعوض، ولا يحل مكانها، أي مواد أخرى ضرورية لبقاء الجنس البشري في هذه الحقبة من تطوره النوعي والكمي. يرى الكثير من النشطاء البيئيين وعلماء الطاقة أن أمام البشرية فقط بضعة عقود من السنين قبل وقوع الكارثة لإجراء التحول الضروري والجسيم من حضارة اقتصاد الوقود الأحفوري الى حضارة اقتصاد الهيدروجين، ويتطلب ذلك إقصاء استعمال الوقود الأحفوري بجميع مشتقاته واستبداله بمصادر الطاقة البديلة المستدامة مع استعمال الهيدروجين كناقل للطاقة. تستدعي هذه العملية تحولات كبيرة في الاقتصاد والسياسة والمجتمع. يساعد في ذلك الدخول في عصر المعلوماتية والإنترنت، قد بزغ وعلينا أن ننتظر التحولات العميقة لدى الجنس البشري على كل الصعد. الطاقة المدخرة هناك مصدران أوليان للطاقة يمكن استثمارهما وتكريسهما للعمل. الأول هو الطاقة المدخرة والمخزنة والثاني هو رصيد الطاقة المنتج. الأول كحساب رصيد رأس مال توفير ومخزن للطاقة، والثاني كحساب جاري للطاقة. يلزم للوقود الأحفوري ملايين عديدة من السنين من أجل التحويل المعقد والحفظ، بدءاً من تراكم طاقة الشمس بواسطة التركيب الضوئي النباتي إلى التخزين العميق للطاقة في باطن الأرض (هنالك وفرة زائدة من موارد الطاقة المنتجة “المتجددة” في أكثر من مكان وزمان لإنتاج مليارات المخزونات من الطاقة التي يستهلكها الإنسان، إذا عرف كيف يخزنها حين توافرها لاستعمالها حين حاجتها وحيث تكون غائبة. هنالك مصادر هائلة للطاقة المنتجة “المتجددة” المتاحة والتي لا تصمد عمليات حفظها الطبيعة للطاقة على القشرة الأرضية في “أمام يوم ماطر”. هذه الطاقة توجد في المياه وحركة المد والجزر والريح وأشعة الشمس التي تلفح الصحاري. يقول مستثمرو الوقود الأحفوري من الفحم والبترول إنّ إنتاج المخزون المدخر وحرقه أقل كلفة. إن ذلك يشبه القول إن السطو على المصرف يتطلب جهداً أقل مما تمثله عملية إيداع المال في حساب مصرفي. السؤال هو: التكلفة على من؟ هل هي على حفيد حفيدنا الذي لن يجد في المستقبل الوقود الأحفوري لتشغيل الماكينات؟ أرى أن القبول الأعمى للمجتمع الدولي ممثلاً بانتهازي اللحظة الراهنة وغياب الفكر البناء والبعيد المدى سوف يجعل مستقبل الجنس البشري على الأرض مشكوكاً به، إذا كنا لن نقبل بتوجهات مقبولة. تحاول القوى العظمى جدياً استكشاف بدائل للنفط متوخية استمداد الطاقة من الشمس أو الماء. ولقد ذكر السيناتور توم هاركين في هذا الكتاب بأنه حين ولد في سنة 1939 كان تعداد السكان ملياري نسمة في العالم. وحين بلغ الستين كان هناك ستة مليارات. أما حين بلوغ ابنته سن الستين فسيكون هناك تسعة مليارات نسمة. إن العديد من هؤلاء السكان سيطلبون التدفئة في الشتاء والتبريد في الصيف كذلك سوف يريدون استعمال البرادات والتلفزيونات والسيارات. إن المسألة ليست إذا كانت أمم مثل الصين والهند ستنمو أم أنها ستستهلك أكثر من الطاقة مما تستهلكه اليوم. إنها سوف تفعل، وعليها أن تفعل ذلك. إنه من حقها التطلع الى حياة أفضل كما سلف وفعلنا نحن كذلك. أي عالم نريد؟ المسألة هي: أي نوع من العالم سوف ننشىء؟ فإذا استمرينا بإرساء اقتصاداتنا على الفحم والنفط فسوف نخلق عالماً مع الهواء المسموم والمياه المبتذلة والأمراض المنهكة، وسوف يحمل احترار الكوكب القحط والأعاصير والأمراض الاستوائية الى الشمال وغمر السواحل على نطاق واسع. هناك بديل، يمكننا استبدال الفحم والنفط بمصادر للطاقة نظيفة ومتجددة قادرة على إنتاج الكهرباء وتدفئة المباني وتسيير العربات. مصادر الطاقة المتجددة وافرة في جميع أنحاء العالم. الهند غارقة بأشعة الشمس واستهلاك التيار الكهربائي في الصين يمكن توليده من رياح منغوليا الداخلية. في الولايات المتحدة، يوسم وسط الغرب، أحياناً، بالعربية السعودية لما فيه من رياح. في كل حال علينا أن نتذكر أن الشمس والريح وكل مصادر الطاقة المتجددة هي متقطعة وموزعة على مناطق معينة، ويمكن لها أن تصبح مصدراً أساسياً للكهرباء إذا وجدنا الطريقة لتخزين طاقتها ونقلها بفعالية. هذا الكتاب هو ذروة نتاج بيتر هوفمان خلال العقود الثلاثة الماضية من تدوين تطور طاقة الهيدروجين من مرحلة تصورها كوة صغيرة في السوق حتى بلغت موقعاً أصبحت فيه على عتبة التجارة الواسعة. إنه يصف الطرائق المتعددة التي يمكن بها إنتاج الهيدروجين وتخزينه واستخدامه، ويقدم التحاليل العميقة للحواجز التقنية والاقتصادية المتبقية لانتشاره على نطاق واسع. يعود ويقول السيناتور أن وعلى مد مهامه في مجلس الشيوخ عمل لتطوير اقتصاد الهيدروجين. وإنه فخور لمشاهدة ما أحرز من تقدم كبير. فاليوم يوجد محطات تزويد بوقود الهيدروجين وحافلات تعمل بخلايا الوقود المستخدمة في المدن في أنحاء العالم كافة. ينوي ديملر كرايزلر بيع خلايا الوقود تجارياً مع غيره من صنّاع السيارات. والفيرست ناشيونال بنك يستعمل خلايا الوقود لتغذية آلات الصرف بالتيار وقت الانقطاع. إن بيتر هوفمان في معرفته الواسعة والعميقة بالهيدروجين سيشكل الأداة الأثمن لمتابعة هذه الجهود وهو كذلك مصدر مهم لأي مهتم ببيئتنا. وبعد قراءة هذا الكتاب فسوف يرى المرء أن حلم اقتصاد الهيدروجين قد أصبح حقيقة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©