الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عشق الروائيين.. كوابيس وعجائب

عشق الروائيين.. كوابيس وعجائب
7 ابريل 2010 22:07
هذه هي الحلقة الرابعة في سلسلة نقتطف فيها بعض، أو أجزاء من، الخطابات الغرامية لأولئك الرجال والنساء الذين صنعوا التاريخ بشكل أو آخر، سواء في كراسي الحكم أو الأدب أو الفنون أو العلوم عبر العصور. ورغم وصف هذه الخطابات بأنها غرامية، فهي ليست بالضرورة سيلا من الغزل والشكوى من لهيب الحب على شاكلة قصائد الملوح في العامرية. وقد تجنح في أحايين لتناول أشياء دنيوية، مثل حال البريد أو المعايش عموما أو السخط على المرسل إليه نفسه. لكنها تبقى في آخر المطاف وصفا للعشق واستنجادا من كاتبها بحبيبه في وحدته وتوسل لقاءه، وهذا هو ما سنركز عليه في هذه المقتطفات. نتناول في هذه الحلقة رسالة من لويس كارول، الذي اشتهر على نطاق العالم بتأليفه رواية “أليس في بلاد العجائب”، إلى صديقته الصبيّة جيرترود. وتتباين هذه الرسالة في مرحها الطفولي تماما مع نوع العذاب الذي يفيض في الرسالة الأخرى، وهي من صاحب القلم ـ الكابوس فرانتز كافكا إلى فيليس التي جمعه معها حب مستحيل. لويس كارول: الجود بالقبلات لويس كارول (1832 ـ 1898) هو الاسم المستعار للروائي والشاعر وعالم الرياضيات والمنطق والمصور الفوتوغرافي والقسيس الإنجليزي تشارلز لوتويدج دودسون. اشتهر بتأليفه “أليس في بلاد العجائب” التي ترجمت إلى سائر لغات العالم، وجزئها الثاني “عبر المرآة” إضافة إلى قصيدتين طويلتين على النهج الفنتازي الشاطح نفسه وهما “اصطياد سنارك” و”ثرثرة”. وكل هذه أعمال جعلته أبرز مطوري ما يعرف تجاوزا بتيار “الهراء الأدبي” أو الأدب الذي لا يلتزم بالحقائق والمنطق الواقعي ويعتمد أيضا على التلاعب اللفظي. ورسالته أدناه موجهة إلى الصبيّة جيرترود تشاتاوي (1866 ـ 1951). ورغم الفكاهة التي تفيض في الخطاب، فقد كانت صداقات كارول الحميمة بالصبايا ـ مثل جيرترود وأليس ليدل، التي يقال إنها المقصودة في “أليس في بلاد العجائب” ـ مصدرا للقول إنه كان عاشقا للأطفال الإناث، وحتميا، فقد قاد هذا إلى بعض التأويلات لأعماله تحت ضوء سلبي. ولئن كان الرجل كذلك فعلا، فإن هذا الخطاب لا يشي بهذا، وإنما بقدر عال من المرح في حب بريء لصبية في مقتبل العمر: كرايست تشيرتش، أوكسفورد، في 28 أكتوبر 1876 جيرترود، أقرب الأعزاء ستصبحين حزينة وحائرة لدى سماعك أي مرض غريب ألمّ بي منذ رحيلك. وقد سارعت لاستدعاء الطبيب وقلت له: “أعطني دواء، فأنا متعَب”. فقال لي: “هراء وما شابهه.. وأشياء من هذا القبيل. لا حاجة بك لدواء. فقط نم قليلا”. قلت: “لا.. فما أشكو منه ليس هو نوع التعب الذي يستوجب الراحة. أنا متعب في وجهي وحسب”. بدا متجهما بعض الشيء وقال: “آه.. أنفك هو المتعب. الإنسان غالبا ما يفرط في الحديث عندما يظن أنه عليم بالكثير”. قلت: “لا، ليس الأنف. ربما كان الشَعر”. فبدا متجهما وهو يقول: “أفهم الآن. ربما ربما لأنك استخدمت خصلاته للعزف على البيانو”. قلت: “لا، حقا لم أفعل. الواقع أن الأمر لا يتعلق بالشعر بالضبط... ربما تعلق أكثر بالأنف والذقن”. فبدا أكثر تجهما وقال: “هل رحت تسير على ذقنك بدلا عن قدميك في الأيام الأخيرة؟” قلت: “لا”. فقال: “إذن فأنا محتار الآن.. هل تعتقد أن شفتيك هما المتعبتان”؟ قلت: “بالطبع! هذا بالضبط هو الحال”. بدا الطبيب متجهما للغاية وقال: “أعتقد أنك رحت تجود بالكثير من القبلات”. قلت: “حسنا.. أعطيت قبلة واحدة لطفلة صغيرة صديقتي”. قال: “فكر مرة أخرى. هل أنت متأكد أنها كانت قبلة واحدة؟” ففكرت مرة أخرى وقلت: “ربما كانت إحدى عشرة قبلة”. فقال الطبيب: “عليك أن تمتنع عن إعطائها مزيدا من القبل حتى تريح شفتيك بعض الشيء”. فقلت: “ولكن ماذا عساني فاعل الآن؟ المشكلة هي أنني مدين لها بمائة واثنتين وثمانين قبلة أخرى”. عندها بدا الطبيب متجهما حتى أن دموعه سالت على خديه، وقال: “يمكنك أن تبعث إليها بكل هذه القبل في صندوق صغير”. فتذكرت أن لديّ صندوقا صغيرا كنت قد اشتريته بمدينة دوفر بنيّة أن أقدمه هدية لصبيّة صغيرة أو أخرى يوما ما. فأرزمت فيه بعناية كل تلك القبل. أخبريني بما إن وصلت إليك كلها أو أن بعضها ضاع في الطريق. لويس كارول فرانتز كافكا: فلننعتق من العناء يعتبر فرانتز كافكا (3 يوليو 1883 ـ 3 يونيو 1924) أحد أهم الروائيين في القرن العشرين وأكثرهم نفوذا في العالم. ولد في براغ، بوهيميا، الأكبر وسط ستة أبناء لعائلة يهودية تتحدث الألمانية التي كتب بها مؤلفاته العديدة في ما بعد. وأشهر هذه الأعمال على الإطلاق روايته الناقصة، كالعديد من أعماله، “المحاكمة” التي نشرت في 1925 بعد عام على وفاته. وهي تتحدث عن رجل يعتقل ويحاكم من قبل سلطة غير مرئية بتهمة أو تهم غير معروفة سواء لديه أو لدى القارئ. وله روايتان أخريان هما “القلعة” و”أميركا ـ الرجل الذي اختفى”، إضافة إلى مجوعة كبيرة من القصص القصيرة أشهرها “المسخ” والمقالات والرسائل. تعلم كافكا الكيمياء والحقوق والأدب وتخرج في الجامعة الألمانية ببراغ (1901). وعمل موظفا في شركة للتأمين ضد حوادث العمل، فأمضى وقت فراغه في الكتابة الأدبية (الكابوسية) التي وجد فيها متنفسا من حياته التعيسة بما فيها علاقته العسيرة بوالده المستبد. وفي 1921، التقي بفيليس باور التي كانت تعيش وتعمل في برلين وجمعتهما علاقة حب عميق. وخلال السنوات الخمس التالية تبادلا عددا كبيرا من الرسائل والتقيا عددا من المرات أقل مما كانا يأملانه، وجمعتهما الخطوبة مرتين لكنهما لم يتزوجا. وأتت هذه العلاقة إلى نهاية في العام 1917 عندما بدأ كافكا يشعر بأعراض السل الذي أودى بحياته في آخر المطاف. توفي كافكا في كيرلينج بالقرب من فيينا عن 41 عاما. وقد تحول المنزل الذي ولد فيه في ساحة الحي القديم ببراغ إلى متحف دائم لإلقاء الضوء على حياته وأعماله ويفتح أبوابه للجمهور بالمجان. وفيما يلي إحدى رسائله الى فيليس باور: 11 نوفمبر 1912 فراولين (الآنسة) فيليس سأسألك الآن معروفا واحدا سيبدو لك غريبا نابعا من عقل مجنون. أنا نفسي كنت سأعتبره كذلك لو أنني كنت متلقي هذا الخطاب. وهو، فوق غرابته، أعظم اختبار يمكن للمرء أن يتعرض له، وإن كان أطيب الناس. حسنا إذن، هذا هو: اكتبي لي مرة واحدة فقط في الأسبوع، بحيث يصلني خطابك يوم الأحد. فالحقيقة هي أنني ما عدت أحتمل رسائلك اليومية. وعلى سبيل المثال، أرد على خطاب لك ثم أتمدد على السرير في هدوء ظاهري. لكن قلبي يظل يخفق عبر كل جسدي يطلب اختراقه ولا يعي في الدنيا شيئا غيرك. أنا أنتمي إليك ولا سبيل آخر للتعبير عن ذلك، وحتى هذا نفسه لا يكفي. ولكن، لهذا السبب نفسه لا أريد معرفة ماذا ترتدين... هذا شيء يربكني، حد أنني لا أدري كيف أتعامل مع الحياة. ولهذا أيضا لا أريد أن أحيط علما بمدى غرامك بي. كيف سيتسنى لي، أنا الموّله، أن أظل جالسا في مكتبي أو هنا في مسكني بدلا من أن أقفز إلى داخل أول قطار وأغمض عينيّ ولا أفتحهما إلا وأنا بجوارك؟ أوّاه.. ثمة سبب حزين موغل في الحزن يمنعني. سأختصر: صحتي طيبة بما يكفي فقط لي وحدي.. ولا قبل لها بالزواج دعك من الأبوّة. ومع ذلك فعندما أقرأ رسائلك، أشعر بأنني قادر على تجاوز ما لا يمكن تجاوزه. ليت لي بردّك في هذه اللحظة. ويا لجزعي من عذابك على يدي، ومن إجبارك على قراءة هذا الخطاب وهو أسوأ ما يجلس الآن على سطح طاولتك. وبكل الأمانة، يخطر لي أحيانا أنني أقتات على روحك. ليتني بعثت لك بخطاب السبت الذي أناشدك فيه ألا تراسليني بعد الآن. هل ثمة أمل في العثور على “حل سلمي” الآن؟ أمن الأفضل ألا نتبادل الخطابات غير مرة واحدة في الأسبوع؟ لا.. إذا كان شقائي قابلا للعلاج بشيء كهذا، فهو ليس بشقاء حقيقي. وما أستطيع التنبؤ به، هو أنني لن أحتمل حتى خطاب الأحد نفسه. ولهذا أتوسل إليك بما تبقى لي من الطاقة التي تتيح لي إكمال هذا الخطاب أن ننعتق من كل هذا العناء إذا كنا نقدّر الحياة التي تسري في عروقنا نحن الاثنين. أنا مكبّل إلى نفسي.. هذا هو أنا ولا مفر لي منّي. فرانتز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©