الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«صولو».. عزف أنثوي على إيقاع الوحشة

«صولو».. عزف أنثوي على إيقاع الوحشة
15 مارس 2018 21:38
إبراهيم الملا ( الشارقة) استضافت قاعة قصر الثقافة بالشارقة، مساء أمس الأول، مسرحية «صولو» لفرقة أكون للثقافة والفنون بالمغرب، احتفاء بحصول المسرحية على جائزة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عمل مسرحي عربي في الدورة العاشرة من مهرجان المسرح العربي الذي نظمته الهيئة العربية للمسرح في تونس خلال يناير الماضي. استقطب عرض «صولو» للمخرج المغربي محمد الحرّ، حضوراً جماهيرياً حافلاً في اليوم الثاني من أيام مهرجان الشارقة المسرحية في دورته الثامنة والعشرين، مؤكداً بذلك أحقيته بالاهتمام والرصد والمتابعة، نظير ما قدمه من كثافة وامتلاء وتميز على مستوى الحوار المحتدم والمونولوج الشعري الساطع، وكذلك على مستوى التعبير البصري والشغل الأدائي العالي للشخصيات الرئيسية التي حولت فضاء المسرح المعتم في أغلب لحظاته، إلى نسق سيميتري مشعّ ومتجلّ ومنتم بقوة لعمق الحكاية المقتبسة من رواية «ليلة القدر» للطاهر بن جلّون، والتي تستحضر هنا حالات التمزق والانفصال والتيه الداخلي التي تعيشه «زهراء» المحكوم عليها بارتداء ثوب الذكورة لعشرين عاماً، قبل أن تهرب من سجن العائلة والمجتمع والمرجعية الدينية المهيمنة على الأب، خصوصاً بعد طلبه من السماء طفلاً ذكراً في ليلة القدر، وتيقنه من الاستجابة، والركون إلى هذا اليقين بشكل مطلق، وعندما لا تتحقق الأمنية، يصبح الحل مرهوناً بخداع الذات والآخر، ومنح الفتاة المولودة اسماً بديلًا هو «أحمد»، وإخفاء سرها عن الجميع، وصولًا للخلاص من وطأة اليأس، تكبر زهرة وسط هذا القهر المحكم، وتتشوه أنوثتها في غفلة من الزمن، فتسكن في سجن قاحل، وفي خديعة كبرى لم تخترها، وعندما تقرر الهرب إلى الغابة وهي في العشرين من عمرها، تكتشف عالماً آخر يفوح بالحرية والانعتاق، رغم وعورة الدرب وقسوة الغرباء ووحشة الأمكنة. هي الرحلة المحفوفة بذاكرات سوداء وتوق أبيض، يعرضها المخرج محمد الحر على الخشبة بكامل عذاباتها ودماراتها وتداعياتها، بدءاً من الشهادة الأولى لزهراء في المشهد التأسيسي للعرض، عندما تقف وحيدة على المنصة كي تستجوب ماضيها وتحاكم جلاديها، وهم الأب والأم والأخوات ومن خلفهم المجتمع المهووس بالتديّن الشكلي والانتقائي، لا بالدين الروحاني السامي والمتجلي فوق خرافات دخيلة ورؤى مشوهة تجعل من الأنثى متاعاً وبضاعة ومطية لغرور الرجل وكبريائه وطغيانه. تقول زهراء في شهادتها الصريحة والجارحة: «لقد حرمت من طفولتي، وفقدت براءتي الأولى، وعشت على ضفتي القهر والموت». استطاع عرض «صولو» أن يعزف مقولته في إطار سمعي وبصري مفعم بالأناقة والتصوير المرهف لحالة أنثوية متفردة ومسكونة بخطاب غزير وعميق، تمت ترجمته في العرض بأدوات مسرحية حاذقة، وبرؤية احترافية أخذت من رواية بن جلّون مفتاحاً واحداً، لكنها جابهت أقفالا كثيرة خارج الحكاية، وخارج المكان الواحد، والزمان الثابت، لأن المدن التي يسكنها البشر، لا تضاهي في قسوتها، الغابات التي تسكنها الوحوش.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©