الأربعاء 8 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البرلمان الأوروبي...ترجيح كفة «اليمين»

البرلمان الأوروبي...ترجيح كفة «اليمين»
10 يونيو 2009 01:18
لقد انتظرنا كثيرا، ولكن لم نجد رد الفعل الأوروبي الذي كان متوقعا على نطاق واسع – على الرأسمالية، وعلى الأسواق الحرة، وعلى اليمين؛ حيث لم تكن ثمة مطالب بثورة ماركسية، ولا دعوات إلى تأميم الصناعة، ولا حتى حملة أوروبية من أجل ما تسميه إدارة أوباما «تحفيزا» - سياسة يعرفها الكثيرون باسم «الإنفاق الحكومي الكبير». بل على العكس: فقد انتصرت الرأسمالية، في شكلها الأوروبي الناعم على الأقل، في الانتخابات البرلمانية الأوروبية التي جرت نهاية الأسبوع الماضي. والواقع أن هذه الانتخابات تمثل نوعاً غريباً وفريداً من الانتخابات؛ فعدد الناس الذين يشاركون في هذه الانتخابات أقل من عدد الذين يصوتون في الانتخابات الوطنية؛ كما أن الذين يشاركون فيها لا يعرفون عموماً ما يفعله ممثلوهم على وجه التحديد بعد انتخابهم في البرلمان الأوروبي. ويبدو أن مراكمة البرلمان الأوروبي التدريجية للسلطات الحقيقية لم تكن لها أي تأثيرات على تصور الجمهور له، تصور مازال يعتبر البرلمانَ الأوروبي مؤسسةً لا تفعل شيئاً وتضم سياسيين هرمين يكلفون المواطن الأوروبي مبالغ كبيرة بسبب تذاكر الطائرة وغيرها. ونتيجة لذلك، فإن الأحزاب الصغيرة، بما فيها ما يسمى باليمين المتطرف، تنجح دائماً في جذب الناخبين وعادة ما تبلي بلاء حسناً. ففي فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا – وهي أربعة من بلدان أوروبا الستة الأكبر – حصلت حكومات يمين الوسط على دعم غير متوقع. وفي بلدين كبيرين آخرين، هما بريطانيا وإسبانيا، تعرضت أحزاب «اليسار» الحاكمة لضربات قوية على غرار الاشتراكيين في المجر والنمسا وإستونيا وبلدان أخرى. والواقع أن النتائج كانت قوية بالفعل في بعض البلدان؛ حيث تصدرت الصفحات الأولى للصحف في لندن خلال إجازة نهاية الأسبوع عناوين لافتة تصف جميعها حكومةَ جوردون براون العمالية بالضعيفة والفاسدة والمنهَكة والمتعجرفة و... غير الشعبية. بل إنه في بعض الدوائر الانتخابية، احتل مرشحو حزب العمل البريطاني الحاكم للانتخابات الأوروبية مراتب متدنية وراء الأحزاب الصغيرة التي لا ينتبه إليها أحد. وفي هذه الأثناء، يواصل الوزراء البريطانيون تقديم استقالاتهم من الحكومة بوتيرة سريعة جدا إلى درجة أنه يصعب متابعتها (أربعة وزراء خلال الأسبوع الماضي على ما أعتقد). ولكن كيف استطاع اليمين الأوروبي الحصول على نتائج مرضية كتلك التي حصل عليها – وأفضل بكثير من نظيراتها الأميركية - خلال ما يوصف على نطاق واسع بأنه أزمة رأسمالية عالمية؟ الواقع أن الأوروبيين يفوزون لأن لدى زعمائهم شجاعة قناعاتهم الاقتصادية. ثم إنه إذا كانت بلدان الرفاه الأوروبية قد عاشت من دون شك حراكا خلال الأشهر الستة الماضية، فإن أوروبا تضم حالات قليلة جدا معادلة سواء لعجز ميزانية جورج دبليو بوش أو إنفاق باراك أوباما الكبير. أما في البلدان حيث توجد حالات مشابهة ـ بريطانيا على سبيل المثال - فإن الإنفاق الكبير لم يجلب الشعبية. ولعل النسخة النظرية لهذه الهوة في السياسة بين أوروبا والولايات المتحدة هي الجدال العام الذي يجمع بين المؤرخ الاقتصادي نيل فيرجسون والعالم الاقتصادي بول كروجمان ، المعروفان كلاهما بجدلهما على صفحات الجرائد وبكتاباتهما الأكاديمية. فبشكل عام، يعتقد «فيرجسون» والحكومة الألمانية أن العجز الضخم والاقتراض الحكومي سيؤديان إلى التضخم، ومن ثمة إلى انهيار العملة في نهاية المطاف. وبشكل عام أيضا، يعتقد كروجمان والإدارة الأميركية أن فيرجسون مخطئ. وجب التنبيه هنا إلى أن «فيرجسون» بريطاني «محافظ»، من حيث أصله على الأقل؛ كما وجب التنبيه إلى أنه لا يوجد أي باحث «جمهوري» أميركي يجادل ويدفع بحججه بشكل عام أمام الجمهور مثلما يفعل «فيرجسون». وبغض النظر عن بعض الاستثناءات، فإن أوضح وأقوى الأصوات في يمين الوسط الأميركي ركزت بشكل حصري تقريبا على الأمن القومي خلال الجزء الأكبر من العقد الماضي. وقد دعت بعض الأصوات، شفاهيا فقط، إلى اعتماد «حكومة صغيرة» و«تقليص الإنفاق» في وقت عملت فيه مجالس الكونجرس المتعاقبة ذات الأغلبية «الجمهورية»، إلى جانب بيت أبيض «جمهوري»، على توسيع الحكومة والإنفاق بشكل جنوني. فكيف يمكنهم أن ينتقدوا عجز ميزانية أوباما علماً بأن عجز الميزانية في عهدهم كان كبيراً جداً، وحدث بالأمس القريب فقط؟ لا نقصد مما تقدم القول إن أيا من «محافظي» أوروبا سينجح بالضرورة في الولايات المتحدة (تصوروا معي هنا سيلفيو برلسكوني، برفقة المصورين والمراهقات، يخوض حملة انتخابية في ميسيسيبي)؛ كما أنه صحيح أيضا أنه ليس لديهم أشياء كثيرة مشتركة بالضرورة (البعض يزعم أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لا يطيقان التواجد في القاعة نفسها)، غير أن نجاح يمين الوسط الأوروبي خلال الأزمة الحالية، على أي حال، أثبت أنه يعود لصيغتهم السياسية: فهم محافظون ماليا. وإن لم يكونوا ليبراليين اقتصادياً، فإنهم على الأقل «وسطيون» اجتماعيا. ثم إنهم لم ينجرفوا مع موضة الإنفاق الكبير، ويحاولون الحفاظ على مظهر من مظاهر التوازن والعقلانية في الميزانية. ففازوا في الانتخابات، على الأقل في الوقت الراهن. آن بلباوم محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©