الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حياتنا..«سمك لبن تمر هندي»

حياتنا..«سمك لبن تمر هندي»
2 يناير 2010 00:45
صور كثيراً مانراها ونتلمسها ونعايشها في حياتنا، فهذا يونس نجده دائما جالس على كرسيه ويطلب من المراجعين في المؤسسة التي يعمل فيها أن يراجعوه في اليوم التالي، الا انه وبعد أن يذهب المراجع يجد المعاملة في الدرج الذي لم يفتحه! يقول يونس وعلامات المبالاه واضحة على وجهه:»حياتي كلها فوضى، لا أعرف النوم في السرير إن لم تكن به فوضى، غرفتي من أولها إلى آخرها فوضى، أدرج الدولاب مفتوحة، الملابس متناثرة يمنة ويسرة، الأوراق مبعثرة هنا وهناك». يصمت ويتابع ضاحكا:»هكذا أنا، من تريد الارتباط بي عليها أن توافق على فكرة أنني لن أتغير إلى شخص يتصف بالنظام». هذا الأمر حقيقة نلمسها في حياتنا وعلاقاتنا، ونراها في بيئاتنا ومجتمعاتنا، وكثيرون منا يشكون من هذه الفوضى والعشوائية، نصف فلاناً بالفوضوي أو العشوائي فنقول:»إن به رجة أو هفة « أو «هو ارتجالي» . فوضى الزواج لكن سوسن أحمد لا تقتنع بكل هذا، فالفوضى لديها تعني الإهمال واللامبالاة وعدم الاحترام. رأي سوسن الصارم ربما يعكس طبيعة عملها كمحامية وهو عمل يتطلب الانضباط والدقة. وحين واجهناها بأن الحياة الزوجية ليست معادلة كيميائية أو رياضية، كما أن المشاعر والعواطف ليست كائنا معمليا، أو نسبا محددة، أجابت بتحفظ:»نعم كل هذا صحيح إلى حد ما، لكن ماذا تفعل الزوجة حين تعود من العمل مرهقة ومتعبة وتجد البيت في حال من الفوضى، بكل مفرداته ومحتوياته «. وبنبرة مشوبة ببعض العصبية تابعت:»المصيبة الكبرى حين تتزوج المرأة رجلا غير معتاد على الترتيب والنظام ولا يحب التناسق والانسجام، فأنا أم لابنتين عمرهما 8 و11 سنة، لا أستطيع أن أسيطر عليهما، فالفوضى أصبحت تجري في دمائهما، وكل يوم أعاني في ترتيب غرفتيهما، والسبب في ذلك والدهما، عاشق الفوضى ،وصدق المثل «من شابه أباه فما ظلم». تضحك سوسن وهي تتابع:»رغم ذلك أنا أحبه وكثيرا ما ألتمس له الأعذار، لكن ما يعذبني هو خلط الفوضى بالحرية». اعتدت الفوضى على عكس سوسن لا تخفي ميسون غالب (مرشدة سياحية)، ولعها بالفوضى، ولا تخجل القول بإنها إنسانة فوضوية، تبرر ميسون ذلك بمنطق يبدو شديد الطرافة:»جسمي اعتاد الفوضى، فأنا لا أحس بالراحة في منزل مرتب ونظيف، أثاثه يلمع ويبرق من النظافة، بشكل يصعب عليك أن تلمسه أو تستمتع به». تعاود الحديث وتتابع بابتسامة ساحرة:» الفوضى تفجر في الأشياء حيوية مباغتة، وتجعلنا نستمتع بها على فطرتها، من دون حواجز أو اعتبارات شكلية، بل أحيانا تضفي على الأشياء لمسة من الجمال والحميمية، وعموما ليس ثمة نظام من دون فوضى». تضيف ميسون:»عملي يتطلب المرونة والدقة والالتزام وهذا ما أراعيه على نحو خاص ، لكنه أيضا قابل للفوضى. فالسائح كثيرا ما يريد أن يتحرر من فكرة المرشد ليكتشف الأشياء بنفسه، وأنا أتيح له ذلك، من منطق الاحتياج الإنساني للخروج على النظام أحيانا». بالنسبة لهالة سليم كانت الفوضى الشرارة الأولى لخلافها مع زوجها لتنتهي حياتها بالانفصال، تقول عن تلك الأيام ببساطة:»اختلفنا على أشياء تافهة مثل وجود الكمبيوتر في غرفة النوم ، ووضع صورتي في غرفة الجلوس، وترك الأوراق والصحف والمجلات أحيانا متناثرة فوق الكراسي دون مبالاه، نتيجة ذلك كان من الصعب أن تلتئم الشروخ والجروح والمفارقات بين كائن فوضوي يقر بالنظام، لكن لا يقدسه، وبين آخر منظَّم لا يقر بحقيقة الوجه الآخر للنظام وهو الفوضى». بدورها لاتحب نينا (بائعة) الفوضى في حياتها تقول عن ذلك:»أشعر بالراحة النفسية حين أجد كل شيء في مكانه الملابس والاوراق والمجلات والجرائد». تصمت وتعاود القول بابتسامة مرحة:» حتى في عملي أنا نظامية . فأنا أعمل في محل لبيع الذرة الحلوة ، كل الأدوات في مكانها ،الأكواب والزبدة ، والملاعق ، حتي المال له مكان مخصص. النظام شيء مطلوب بحياتنا لانه يساعدنا على إنهاء امورنا من دون توتر وانزعاج بعكس الفوضى التي لايستطيع أي شخص إنجار عمله في وجودها». عملي فوضوي مشهد آخر من غبار الفوضى يثيره سلمان الحمد يقول في ذلك:» لا أستطيع العمل إلا في أجواء مليئة بالفوضى، فإن لم يكن مكتبي فوضويا، الكتب والأوراق والمجلات متناثرة يميناً ويساراً ، فقد أستغرق وقتا طويلا لإنهاء معاملة المراجعين». يصمت ويتذكر موقفاً:»في إحدى المرات بحثت عن موبايلي يوما كاملا ، وكان البحث يدور في غرفتي وبين ملابسي، إلى أن وجدته في سلة المهملات الخاصة بالغرفة، فقد وضعته لاشعوريا وأنا في قمة فوضويتي». على عكس سلمان يجد بدر غيث الحوسني النظام أفضل من الفوضى:» أحب النظام، وحياتي كلها تسير في هذا الاتجاه، فغرفتي وكتبي وأوراقي كلها في المكان المخصص لها». يعلق الحوسني على مفهوم الفوضي، ويقول:»من الناس من يوفق في تنظيم وقته وتحقيق أهدافه، فيكون بذلك موافقًا لنظام هذا الكون، ومنهم ـ وهو الأكثر ـ من يعيش في فوضى عارمة مخالفًا بذلك ناموس الكون، ما يؤدي به إلى الفشل والضياع والاضطراب وقلة الإنتاج وضآلة العطاء في عمله، ثم يكون اليأس والإحباط والتوتر والقلق حين يرى الفوضوي الناجحين من حوله وقد تقدموا نحو أهدافهم، بينما ما زال هو يراوح مكانه، ومن أجل أن تنجو من معاثر الفوضوية لا بد من معرفة أسباب الفوضى في حياتنا أولاً ثم بعد ذلك لا بد أن نتعرف على فن تنظيم اليوم». سلوك عشوائي يتقاطع مع كل هذه المشاهد رأي الدكتورة إيمان سيف الدين (طبيبة المخ والأعصاب) التي تُعرف الفوضى بأنها:»كل سلوك أو عمل يمارسه الإنسان بطريقة عشوائية غير منظمة وضد القواعد المتعارف عليها». تعاود الدكتورة إيمان مُعرفة الفوضوي من الناحية النفسية، بالقول:»الفوضى أيضا تعني الاتكالية، أي الاعتماد السلبي على الآخرين في إنجاز الأمور والمهام دون مشاركة ودون تدبر لعواقب الأمور، والفوضوي غالبا ما يكون ليس لديه هدف واضح ،وغاية يود الوصول إليها، ويفتقر إلى البصيرة والنظرة الشمولية». وتصف إيمان طبيعة الفوضوي:»إنه لا يخطط لأي شيء وحياته في مهب الريح ، تتحكم فيه الظروف والأحداث فهو دائما مفعول به، متردد، يدعي أنه إنسان قدري فلا يأخذ بالأسباب، حججه غير منطقية تحول بينه وبين انجازه لمهامه ، لديه العديد من الشماعات لتعليق فشله والمبررات الجاهزه والوعود المؤجلة التي لا تتحقق .فكما يقولون: «لو زرعت (لو) في وادي (عسى) أثمرت (ياليت) «. تذكر الدكتورة إيمان صور الفوضى:»هناك العديد والعديد من صور الفوضى،التي تشمل طلبة وموظفين ومعلمين وآباء وأمهات، فإذا أخذنا صورة عن قرب لطالب فوضوي نجده يعيش على راحته، فينام متأخرا ويصحو متأخرا غير مستعد لدروسه، غير منجز لواجباته، يمكن أن ينام أثناء الدرس، ينسى دفاتره وأقلامه لا يهتم برأي المعلم فيه، تجد غرفته مقلبا للنفايات، فالكتب في الدولاب والملابس على المكتب وغطائه على الأرض، كل شيء حوله تسكنه الفوضى ويعيش في جوانبه الإهمال» . بينما الموظف الفوضوي من وجهه نظر الدكتورة إيمان:» يُعرف من صورة مكتبه ، تتناثر الأوراق من حوله وتحت مكتبه، لايدون أعماله، مهمل في إنجاز المعاملات ، لا يهتم بمواعيد العملاء، يوكل عمله للآخرين وربما يقوم بمهام لاتخصه. فهو يتبع هواه لا النظام، يكون جادا وقتما يحلو له ويعمل وفقا لمزاجه، فالإنجاز آخر ما يصبو اليه وعليه أن يجني ما زرعه من إضاعة للوقت والجهد». تهمس الدكتورة إيمان لكل شخص يعاني من الفوضى قائلة:»الوقت مازال موجودا نستطيع الاستفادة منه . فما لايدرك كله لايترك جله، يجب أن نتعلم النظام، فكل شيء يسهل بالصبر والتعود والمعاونه من الأحباب، ضع لنفسك أهدافا قصيرة الأمد واكتب خطة لتحقيق الأهداف، واستفد من كل شيء حولك يعدل من سلوكك، فالحياة حولنا مع وجود التكنولوجيا أصبحت أسهل بكثير»
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©