الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صربيا··· والعودة إلى العزلة الدولية

صربيا··· والعودة إلى العزلة الدولية
29 ابريل 2008 00:18
قبل ستة وثلاثين عاماً، سقطت المضيفة الجوية الصربية ''فينسا فولوفيتش'' من ارتفاع 33,300 قدم على سطح جليدي تصل درجة حرارته إلى 60 درجة مئوية تحت الصفر، فوق جبال ''سبارسكا كامينايس'' -الواقعة في جمهورية تشيكوسلوفاكيا السابقة- على إثر تحطم الطائرة التي كانت تعمل بها حينئذ وهي لم تزل في سن الثانية والعشرين، ومن حسن حظها أنها كانت الناجية الوحيدة في تلك الطائرة المنكوبة، بسبب سقوطها على إحدى أشجار الغابة الموجودة هناك، لكنها وعلى رغم نجاتها من ميتة محققة، فهي تخشى اليوم من أن تؤدي الأوضاع السياسية التي تمر بها بلادها حالياً إلى وفاتها، وكما تقول: ''أنا مثل القطة ذات الأرواح التسع، إلا أنه وفي حال فوز القوى اليمينية الوطنية المتطرفة، فعلى الأرجح أن أموت حسرة وفزعاً من هذا المصير''، والذي تعنيه ''فينسا فولوفيتش'' بهذا الخوف هو الصعود الملحوظ لـ''الحزب الراديكالي'' الذي يتألف من مجموعة يمينية متطرفة في كافة استطلاعات الرأي العام السابقة للانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها الشهر المقبل، ويستثمر هذا الحزب مشاعر الغضب الشعبي الصربي إزاء مساندة الغرب لاستقــلال إقليم كوسوفــو عن بلادهم، منادياً بالتوجه شرقاً نحو روسيا بدلاً من الاتجاه غرباً نحو أوروبا· تعليقاً على هذه التوجهات، قالت ''فينسا فولوفيتش'' أثناء لقاء صحفي أجري معها في أحد مطاعم بلجراد: ''فإذا ما عدنا تارة أخرى إلى سنوات عزلة بلادنا في عهد الجنرال السابق ''ميلوسوفيتش'' فإن ذلك لا شك كارثة وطنية كبيرة''، وتعد ''فولوفيتش'' بطلة قومية ونجمة في بلادها، لا تقل تألقاً عن نجوم التنس وكرة القدم الصربيين، فقد سجلت في موسوعة ''جنيس'' للأرقام القياسية في عام 1985 بسبب نجاتها من أعلى سقوط في العالم دون استخدام مظلة الهبوط الآمن، وهي لا تنوي الترشح في الانتخابات البرلمانية المقبلة، إلا أنها تستخدم نجوميتها في دعوة الناخبين وحثهم على التصويت لصالح ''الحزب الديمقراطي'' الذي يقوده الرئيس ''بوريس تاديتش''، الذي يعمل على دعم توطيد علاقات صربيا بكل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، وقد بلغ بها الحماس حد تكريس نفسها خلال الأسابيع الأخيرة الماضية، لطرق أبواب منازل العاصمة بلجراد بيتاً بيتاً لتحذير الناخبين من مخاطر عودة صربيا إلى عزلتها الدولية التي ضربت عليها في عهد ''ميلوسوفيتش''، وقالت ''فولوفيتش'' شارحة حملتها هذه: ''هدفي هو الحيلولة دون وقوع صربيا تارة أخرى ضحية لذات السياسات التي ألحقت بها ضرراً هائلاً خلال عقد التسعينيات''، وكانت ''فولوفيتش'' من بين أبرز الشخصيات العامة المشاركة في مظاهرات التسعينيات الشهيرة، التي أفضت إلى الإطاحة بنظام ''ميلوسوفيتش''، ومضت إلى القول: ''إن الصرب مثلي ناجون دائماً، فقد سبق لنا أن نجونا من ديكتاتورية ''تيتو'' ونجونا كذلك من جحيم الفقر والحروب والقنابل الذي زج فيه ''ميلوسوفيتش'' بلادنا، ونحن لا نحلم إلا بأن نعيش حياة طبيعية مسالمة، وهذا مــا أرغــب فيه شخصياً· ويربط البعض قصة نجاة ''فولوفيتش'' بنجاة صربيا، فيقــــول ''سايمون سيمونوفيتش'' -الذي يتزعم منظمة ''لا بديل لأوروبا'' الطلابية الداعمة لتوطيد صربيا علاقاتها مع الغرب، وخاصة أوروبا؛ ومضى مستطرداً: فإذا ما نجت الآنسة ''فولوفيتش'' من كل تلك المحن والكوارث التي مرت بحياتها، فإن علينـــا أن نفعل نحن أيضاً· وكانت حياة المضيفة الجوية ''فولوفيتش'' قد تغيرت تماماً في السادس والعشرين من يناير من عام ،1972 إثر انضمامها إلى الرحلة رقم 367 المتجهة من ''كوبنهاجن'' إلى بلجراد، ومن الغريب أنه ليس مقرراً لها أصلاً أن تنضم إلى تلك الرحلة، إلا أن شركة الطيران التي كانت تعمل بها خلطت بينها ومضيفة أخرى تحمل نفس اسمها الأول ''فينسا''، وبعد ساعة من بدء الرحلة حدث انفجار هائل في الطائرة، أدى لانفصال ذيلها عن باقي جسمها· وحين عثر عليها أحد القرويين في الموقع الذي تحطمت فيه الطائرة، كانت قد شارفت على الموت بسبب النزيف الحاد الذي أحالها إلى ما يشبه بركة متجمدة من الدماء، ولدى تعافيها بعد عشرة أشهر من تلك الحادثة المروعة وعودتها إلى بلجراد، كان قد منحها الزعيم اليوغوسلافي السابق ''جوزيف بروس تيتو'' لقباً فخرياً هو ''محبوبة الوطن''، وعندما طلبت من شركة الطيران اليوغوسلافية التي كانت تعمل بها، إعادتها إلى خدمة الضيافة، منحت وظيفة مكتبية بدلاً منها، وهي لا تزال تضع شارة المضيفة الجوية على صدرها دون أن تنساها قط ولو ليوم واحد· وكما هو واضح من هذه الشجاعة النادرة، فهي لم تخف من خطورة الموت جواً، إلا أنها تجزع أيما جزع من خطر الموت سياسياً، بسبب العزلة الدولية الخانقة التي ربما يفرضها اليمين المتطرف على بلادها مرة أخرى، وقالت إن هذا التيار يستثمر انفصال كوسوفو عن صربيا لتمرير أجندته الخاصة المعادية للغرب، لكن وعلى رغم تعاطفها مع الأقلية الصربية المقيمة في كوسوفو -لكونها وجدت نفسها فجأة تعيش في وطن غريب عليها، تهيمن عليه العرقية الألبانية- فإن السلوك الواقعي الذي يطالب به الصرب اليوم هو قبول حقيقة استقلال الإقليم، أما عن رغبتها في انضمام بلادها إلى الاتحاد الأوروبي، فتبررها بأن من شأنها أن تحقق الازدهار الاقتصادي لصربيا، فضلاً عن فتحها لأبواب أوروبا مشرعة أمام المواطنين الصرب· دان بيلفيسكي -صربيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©