الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

رســــــالة إلى كلِّ تـاجــــــر

رســــــالة إلى كلِّ تـاجــــــر
31 مارس 2017 00:33
إنَّ الرزق الطيب الحلال هو ما اكتسبه الإنسان عن طريق عمل مشروع وحرفة لا ريبة فيها ولا شبهة، فديننا الإسلامي حرّم الزنا وأحلّ الزواج، وحرّم الربا وأحلّ التجارة، فالتجارة عمل شريف وطيّب إن التزم صاحبها الطريق المستقيم، كما جاء في الحديث السابق، وفي أحاديث أخرى منها: قوله - صلى الله عليه وسلم-: «تِسْعَةُ أَعْشَارِ الرِّزْقِ فِي التِّجَارَةِ»، (أخرجه السيوطي في الجامع الصغير). وعن أبي سعيد الخدري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ، مَعَ النَّبِيِِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداء». وهذا حديث أخرجه الإمام الترمذي في سننه في كتاب البيوع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في التُّجار وتسمية النبي - صلى الله عليه وسلم - إيَّاهُم.وهناك صفات عديدة ينبغي أن يتصف بها التاجر، ومنها: الصدق، والسماحة في البيع والشراء، والعدل والإنصاف وعدم الغش. ومن المعلوم أن طلب الحلال من الرزق واجب، وابتغاء المال الطيب ضرورة لاستقامة الحياة الاجتماعية واستقرارها، فقد أباح الإسلام للتاجر أن يربح، ولم يجعل للربح حداً، بشرط أن يبتعد التاجر عن الاحتكار والاستغلال والغشِّ، لذلك فقد حذّر ديننا الإسلامي الحنيف من أكل أموال الناس بالباطل، كما في قوله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)، «سورة النساء، الآية 29». ومعلوم أن الغشَّ لا يدوم، فلا بُدَّ وأن يُكشف الغاشُّ يوماً مَا ويُفضح بين الناس، ومن أنواع الغشّ: الغشّ في البيع والشراء، حيث يأتي بعض التجار بالبضاعة الفاسدة ويقومون ببيعها في الأسواق على أنها بضاعة جيدة، وهذا تدليسٌ وكذبُ، فرسولنا - صلى الله عليه وسلم - حرَّم الغش بجميع أشكاله، كما جاء في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه-: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلاً، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟! قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَفَلاَ جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّى»، (أخرجه مسلم). كم من المسلمين اليوم مَنْ يغشون في بضائعهم، وفي صناعتهم، وفي تجارتهم! وهناك فئة من التُّجار تُروّج بضائع فاسدة تضر بالأمة وتجلب عليها المصائب، ونسي هؤلاء أن المال الحرام سيكون زادهم إلى النار والعياذ بالله، كما جاء في الحديث عن رفاعة - رضي الله عنه - «أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمُصَلَّى، فَرَأَى النَّاسَ يَتَبَايَعُونَ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ، فَاسْتَجَابُوا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَرَفَعُوا أَعْنَاقَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ إِلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّاراً، إِلا مَنْ اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ»، (أخرجه الترمذي). إنَّ الأموال التي تأتي عن طريق الغش وغيره ما هي إلاّ جذوة من لهيب وقَبَس من نارٍ، يتأجج في بطون آكليها. أخي التاجر: عليك بالحلال وابتعد عن الحرام، فالدنيا بعدها آخرة وهناك الحساب: «... وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكتسبه؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ»، فتدبرْ أمرك، وإليك بعض الأحاديث الشريفة التي تبين ذلك، منها: قوله - صلى الله عليه وسلم-: «لاَ يَحْتَكِرُ إلاَّ خَاطِئٌ»، (أخرجه مسلم)، وقوله أيضاً: «بِئْسَ الْعَبْدُ الْمُحْتَكِرُ إنْ سَمِعَ بِرُخْصٍ سَاءَهُ، وَإِنْ سَمِعَ بِغَلاءٍ فَرِحَ»، (ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد)، فاجعل أخي التاجر قدوتك الرسول - صلى الله عليه وسلم، والصحابة الكرام - رضي الله عنهم أجمعين - الذين ملأوا طباق الأرض عدلاً، ومنهم عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - الذي كان مثالاً للتاجر الصادق الأمين الواثق بربه، فقد آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين سعد بن الربيع من الأنصار، فقال سعد لعبد الرحمن - رضي الله عنهما-: «أخي: أنا أكثر أهل المدينة مالاً، فانظر شَطْرَ مالي فَخُذه، وتَحْتي امرأتان فانظُر أَيَّتهما أعجَب إليكَ حتى أطلقها لكَ، حتى إذا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا». فقال له عبد الرحمن - رضي الله عنه-: «بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق»، وخرج إلى السوق فاشترى وباع وربح حتى أصبح من كبار التُّجار في عصره، فلما سُئِل - رضي الله عنه - عن سرِّ ذلك، قال: لمْ أَبِعْ معيباً، ولم أُرِدْ ربحاً كثيراً، والله يبارك لمن يشاء، حتى أنه قال: «لو رفعتُ حجراً لوجدتُ تحته مالاً».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©