معاداة الباذنجانية

لم أشترط في عقد قراني سوى شرط واحد: لا أريد رؤية وجه الباذنجان في بيتي. فهذا هو المخلوق الوحيد من بين مخلوقات الله الذي لا أطيقه. وعلى الرغم من مرور أكثر من عقد من الزمن على عقد المحن، فإنني أرى الباذنجان يتمشى في بيتي مثل «همتي دَمتي». ومجرد وجوده لا يعد تجاوزاً للشرط، بل إن طبخه ووضعه في طبق طعامي ليس هو المشكلة، وإنما اعتباري من محبي الباذنجان، أي عكس الحقيقة تماماً. اسأل أم العيال متعجباً، فترد التعجب بتعجب آخر: الذي أعرفه أنك تحب الباذنجان حباً جماً. وبعد قيل وقال أتوكل على الله. ويستمر مفعول هذا الشدّ والجذب سنة ميلادية واحدة، فبعد سنة أرى الباذنجان من جديد. صحيح أنني لم أرَ الباذنجان في طبقي إلا عشر مرات فقط، مرة كل سنة، إلا أن الذي يثير استغرابي هو أنني أتعمّد التذكير بقصتي مع الباذنجان كلما لمحته في السوق أو على التلفزيون، ولذلك يفترض أن أكون معروفاً بمعاداتي للباذنجانية وليس العكس. ولست بالتأكيد الوحيد الذي يعاني في هذا الكون، وإذا لم تكن تعاني مثل كل البشر، فجرّب أن تطلب من «الكافتريجي» سندوتش لحم ناشف من دون مايونيز. ولأن الإنسان كائن أحمق لا يسمع الكلام إلا إذا اقتنع به شخصياً، فقل له إن المايونيز يسبب زيادة في وزنك الذي تعاني منه، ثم ذكّره وهو يهمّ بالمغادرة أنك لا تحب ذلك الشيء، ولوّح بيدك أثناء تجهيزه السندوتش بما يعني عدم رغبتك فيه.. ثم انتظر سندوتش المايونيز المركّز، والذي ليس فيه لحم ولم يجد رائحة التيس. وفي محطة غسيل السيارات، قل للعامل إنك ترفض رفضاً باتاً وقاطعاً تلميع إطارات سيارتك بسائل التلميع، واشرح له قصة حياة بيتك، فأنت تسكن في منطقة ترابية، وحبات الرمل تلتصق بالإطار إذا جرى تلميعه. وأكّد ذلك وأنت تترجّل من السيارة، ثم وأنت تسير إلى حيث غرفة الانتظار، ثم تعال وانظر إلى الإطارات كيف تلمع كأنها زنود بطل كمال أجسام ساعة وقوفه مثل الغوريلا على المنصّة بملابس خادشة للحياء. هكذا اكتشفت الخلطة السرية للمشكلة، فالذي يحصل أن الإنسان يغفل الشيء الذي يتم تذكيره به دائماً، وفي الغالب يفعل عكس المطلوب بالضبط. وليس هناك حل سوى التركيز على عكس ما هو مطلوب، ليقوم بأداء عكسه، فيكون هو المطلوب. فأنا في البيت لا أحب من الخضراوات إلا قرّة عيني الباذنجان، وفي الكافتيريا أطلب سندوتش مايونيز من دون لحم ناشف، وأصرّ في محطة الغسيل على تلميع الإطارات فقط، وعدم تقريب الماء والصابون من هيكل السيارة مهما حصل. ادعائي بعكس المطلوب، يجعل الآخرين يغفلون ما طلبته فيفعلون العكس، وهو الذي كنت أريده منذ البداية. أحمد أميري me@ahmedamiri.ae