السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأزمة الأوكرانية اختبار لسياسة أوباما الخارجية

الأزمة الأوكرانية اختبار لسياسة أوباما الخارجية
2 مارس 2014 22:45
خلال معظم رئاسته، اتُّهم أوباما من قبل الصقور المحافظين ودعاة التدخل الخارجي الليبراليين في بلاده بتبني سياسة خطيرة تقوم على الانسحاب من التأثير بقوة في العالم الخارجي في وقت أضحى فيه التأثير الأميركي مطلوباً أكثر من أي وقت مضى. فـ«الربيع العربي» الذي كان يبعث على الأمل في بداياته تحول إلى حروب أهلية، والصين أخذت تكثف مطالباتها بالسيادة على عدد من الجزر في شرق آسيا، والحلفاء في أوروبا والخليج قلقون من عدم ثبات مواقف رئيس أميركي وصل إلى السلطة وهو يَعد بإنهاء الحروب التي شنتها الولايات المتحدة بعد الحادي عشر من سبتمبر. واليوم، صعدت أوكرانيا إلى الواجهة باعتبارها اختباراً للحجة التي يدفع بها أوباما القائلة إنه لم يُضعف القوة الأميركية، وإنما عززها من خلال دبلوماسية أذكى، وتحالفات أقوى، وواقعية خالية من الإيديولوجيا التي كانت توجه سياسات سلفه. غير أنها حجة سيكون من الصعب على أوباما إقناع الناس بصحتها ووجاهتها، كما يرى بعض المحللين. ذلك أن الرئيس الذي أكد للجمهور الأميركي أن «تيار الحرب بدأ ينحسر» أوحى أيضاً للزعماء الأجانب، ومنهم منتهزو الفرص في روسيا، ألا رغبة لديه في خوض حرب جديدة. والنتيجة: فراغ كانت تسده في الماضي، جزئياً على الأقل، إمكانية استعمال القوة الأميركية. وفي هذا السياق، يقول آندرو كُتشينز، الذي يرأس برنامج روسيا وأوراسيا في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن: «إذا قمت بسحب خيار العصا من على الطاولة، فماذا سيتبقى لديك؟»، مضيفاً «إنني لا أعتقد أن أوباما وجماعته يفهمون حقاً كيف ينظر الآخرون في العالم إلى سياساته». والواقع أنه قلما تم تجاهل تهديد صادر عن رئيس أميركي بالسرعة نفسها التي تم بها تجاهل تهديد أوباما للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليلة الجمعة الماضية. ومعلوم أن الرئيسين لا يتقاسمان سوى أكثر المصالح المشتركة أساسية، وعلاقتهما تتميز على الخصوص بالاختلاف الشديد في الطرق المختلفة جداً التي ينظران بها إلى كل شيء، من قضية المثليين إلى الإرث التاريخي. وكان أوباما قد اتصل ببوتين يوم السبت وعبر له عن «قلق بالغ بشأن انتهاك روسيا الواضح للسيادة الأوكرانية ووحدتها الترابية، وهو ما يمثل انتهاكاً للقانون الدولي»، كما قال البيت الأبيض. ومن على منبر البيت الأبيض، أخبر أوباما الحكومة الروسية مساء الجمعة بأنه «ستكون ثمة عواقب» لأي تدخل عسكري في أوكرانيا، بما في ذلك منطقة القرم شبه المستقلة، وهي شبه جزيرة مهمة استراتيجياً على البحر لأسود. ولكن في غضون ساعات، طلب بوتين من البرلمان الروسي الموافقة على إرسال قوات إلى أوكرانيا. وجاءت الموافقة على طلبه بالإجماع، ثم علا صوت المشرِّعين الذين رددوا النشيد الوطني الروسي في نهاية الجلسة على تحذير أوباما. واليوم، بات الجنود الروس يسيطرون على شبه جزيرة القرم. والواقع أن الخيارات الجيدة قليلة في مثل هذه الأزمة. ولكن الموقف الذي يوجد فيه أوباما، حيث يواجه تحدياً روسياً متجاسراً ويملك خيارات قليلة أو منعدمة لترجمة تهديده على أرض الواقع، بدأ في التشكل قبل سنوات. ذلك أنه نتيجة لسجله في السلطة وللطريقة التي ينظر بها إلى الفترة التي يحكم فيها، في الداخل والخارج. ووسط المأزق الذي يتخبط فيه أوباما يتردد السؤال الذي طُرح في مناقشات البيت الأبيض حول الانسحاب من أفغانستان، والتدخل في ليبيا، والحرب في سوريا: كيف يمكن إنهاء أكثر من عشر سنوات من الحرب الأميركية والحفاظ أيضاً على القدرة على توجيه تهديد عسكري ذي مصداقية لحماية مصالح الولايات المتحدة؟ الواقع أن الإشارة التي بعث بها أوباما -والتي تحظى بالشعبية بين قاعدته السياسية الداخلية، وتثير قلق حلفاء الولايات المتحدة أحياناً- هي إشارة تفيد بتردد كبير في استعمال الجيش الأميركي المثقل بالأعباء، حتى عندما يكون من شأن القيام بذلك استيفاء المعايير التي وضعها هو نفسه. وقد فعل هذا بالخصوص عقب التدخل الذي قادته الولايات المتحدة في ليبيا قبل ثلاثة أعوام. بيد أن رفض أوباما لتدخل عسكري أميركي في الحرب الأهلية السورية، التي قُتل فيها 140 ألف شخص منذ أن دعا الأسد أول مرة إلى التنحي عن السلطة، هي المثال الأبرز خلال ولايته الثانية. وكذلك الحال بالنسبة لمقترح ميزانية البنتاجون الذي حُددت خطوطه العريضة الأسبوع الماضي وتقضي بتقليص حجم الجيش إلى مستويات ما قبل 2001. داخل الجناح الغربي للبيت الأبيض، هناك قناعتان تطبعان أي نقاش حول التدخل: أن البلد منهك بسبب الحرب، وأن نهاية أطول حروبه خلال فترة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر لم يعد يفصلنا عنها سوى أقل من سنة. وكلاهما قناعتان تجعلان من استعمال القوة العسكرية أمراً صعب التحقق. واليوم، تمثل أوكرانيا تحدياً لمسؤولي الإدارة الأميركية -وتقييم أوباما للعالم- مرة أخرى. ففي قمة لزعماء أميركا الشمالية في المكسيك الشهر الماضي، قال أوباما: «إن مقاربتنا في الولايات المتحدة ليست النظر إلى هذه (الأمور) باعتبارها نوعاً من لعبة الشطرنج التي كانت سائدة زمن الحرب الباردة حيث نوجد في منافسة مع روسيا». غير أن انتقال بوتين السريع إلى وضع الحرب يشير إلى وجهة نظر مختلفة -وجهة نظر يحتدم فيها تنافس الحرب الباردة الذي استعمله بوتين للصعود في بلاده. فالرئيس الروسي جعل من استعادة هيبة ومكانة بلاده الدولية الهدفَ الأول لسياسته الخارجية، وتبنى القوة العسكرية كوسيلة للقيام بذلك. وعندما كان رئيس وزراء روسيا في أواخر صيف 2008، كان بوتين يُعتبر هو المؤيد الرئيسي لتدخل روسيا العسكري في جورجيا، وهي جمهورية سوفييتية سابقة أخرى يحن قطاع من شعبها إلى الحكم الروسي. وفي المقابل، أوضح أوباما أن التركيز على القيم الأميركية -بعد ما كان يُنظر إليه على أنه شطط من قبل إدارة بوش- سيكون هو مقاربته لإعادة الاعتبار لمكانة الولايات المتحدة في الخارج. وغني عن البيان أن هاتين النظرتين تصادمتا مراراً وتكراراً على مر السنوات، لأسباب كثيرة ومختلفة. وقد وصل أوباما إلى البيت الأبيض عندما كان رئيس روسي مختلف في السلطة، إنه دميتري ميدفيديف، الذي اختاره بوتين ليخلفه في 2008. وكان ميدفيديف محامياً، على غرار أوباما. وعلى غرار أيضاً، لم يكن يعتقد أن تنافس الحرب الباردة بين البلدين ينبغي أن يحدد العلاقة بينهما اليوم. ثم بدأت إدارة أوباما «صفحة جديدة» في العلاقات مع روسيا -وهي سياسة سعت إلى التركيز على مجالات مثل حظر الانتشار النووي، ومحاربة الإرهاب، والتجارة، وبرنامج إيران النووي باعتبارها مصالح مشتركة جديرة بالتعاون. ولكن على رغم بعض النجاحات، مثل توقيع اتفاقية جديدة للحد من التسلح، فإن هذه السياسة لم تفلح أبداً في تخفيف التنافس بين البلدين. سكوت ويلسون واشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©