الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نبيذ وفحم.. دموع في عدسات لاصقة!

نبيذ وفحم.. دموع في عدسات لاصقة!
26 ابريل 2008 22:43
د. احمد خالد توفيق aktowfik@hotmail.com في إحدى قصص (استريكس) المصورة الطريفة كانت هناك قرية غالية لا يمارس أهلها إلا نشاطا واحدا هو بيع النبيذ والفحم· الكل يبيع النبيذ والفحم لدرجة أن أهل القرية صاروا يشترون ما يحتاجون إليه من بعضهم ! لماذا أتذكر هذه القصة الآن ؟·· ربما نعرف السبب بعد قراءة المقال ·· بدأ الأمر كظاهرة هامسة·· نوع من الطفح الجلدي البسيط الذي لا تراه إلا بالتدقيق وفي إضاءة ممتازة، ثم بدأ يتفاقم يوما تلو الآخر حتى أدركت في هلع أنه مرض جلدي عضال مرعب أصاب كل شيء·· مع ظهور الإنترنت، ومع ظاهرة المدونات صار كل شاب قادرا على أن يكتب وينشر ما كتبه في اللحظة ذاتها، ثم صارت هناك ظاهرة فريدة هي أن كل شاب صار أديبا·· كلما قابلت أحدهم قال لي: ـ ''ألم تعرف أن مجموعتي القصصية الجديدة ستصدر قريبا ؟'' وأنظر للشاب فأجد أن سنه لا تتجاوز الثالثة والعشرين، وهذا لا يعني شيئا بالطبع لأن الموهبة لا سن لها، وموتسارت كتب أولى سيمفونياته في سن السادسة، لكن الكتابة الأدبية نشاط بشري يختلف، لأنه يحتاج إلى أن - تصور هذا - تقرأ كثيرا جدا، وأن تمر بعدد من التجارب الإنسانية الطاحنة المريرة· ما هي نوعية التجارب التي يمكن أن يمر بها شاب في هذه السن أعنف من توبيخ المعلم أو حب ابنة الجيران ؟·· إنه كذلك يريد النشر، وهو ما وصفه ببراعة الساخر الأمريكي مارك توين عندما قال: ''حتى الإسكافي لا يعرض أول حذاء قام بتفصيله للبيع ولا يجرؤ، لكن الأديب الشاب يريد بحماس أن ينشر أول عمل له مهما كان، ويغضب جدا لو لم يسمح له أحد بذلك''·· لكنني أقرر أن الأمر يتوقف على العمل نفسه على كل حال، وآمل في كل مرة أن أكون حمارا وأن أفاجأ بتحفة فنية لا تقل روعة عما كان (أبو القاسم الشابي) يكتبه وهو في العشرين من عمره·· للأسف يتضح غالبا أنني لست الحمار الذي تمنيته وأن الشاب يدور فعلاً في فلك لوم المعلم وحب ابنة الجيران أو استنساخ عمل أكثر عمقا لكاتب كبير·· مثلاً قرأت لشاب من هؤلاء يصف آلام الشيخوخة وعذابها !·· صار الأمر خطيرا لأنني بحكم تخصصي أكتب للشباب دوما، ولهذا أتلقى دوما تلك الحقيبة المليئة أو هذا الملف المتخم بالكتابات ويطلبون رأيي·· بعد فترة وجدت أنني لم أعد أقرأ سوى كتابات الشبان وهي محاولاتهم الأولى غالبا·· وهكذا بدأت مقاييسي عن العمل الأدبي الجيد تذوب وتتآكل ولم أعد أعرف ما الذي يميز ماركيز أو ساراماجو عن أي شاب من هؤلاء·· الكل يكتب·· والمشكلة الحقيقية تأتي عندما تكون أعمالهم غير صارخة السوء، بمعنى انها ليست جيدة ولا سيئة·· هنا يستحيل علي أن أعرف ما هو جيد أو رديء·· على سبيل إنقاذ النفس أفر من وقت لآخر إلى عوالم تشيكوف وهيمنجواي لأتذكر الأدب الجيد وكيف كان مذاقه·· دعك من السؤال الأخطر: ما الذي يميزني عنهم ؟·· كلنا نكتب وننصب خبر (كان) واسم (إن)·· صحيح أنني أحذف نون جمع المذكر السالم عند الإضافة وهم لا يفعلون، لكن هذا لا يكفي لجعلي عبقريا·· لي صديق يكتب روايات جيدة، وقد سمع عن مسابقة مهمة في الرواية·· هكذا سافر من بلدتي إلى القاهرة قاصدا المقطم - وهي رحلة تشبه رحلات أوديسيوس في الأساطير الإغريقية - كي يقدم خمس نسخ من روايته·· يحكي لي صديقي في رعب أنه: 1- وجد كما هائلاً من الروايات على مكتب السكرتيرة·· عدة أكوام وكل كومة تصل إلى السقف بلا مبالغة· 2- السكرتيرة المكلفة بتسلم الأعمال كانت مشغولة ولا تعيره انتباها·· لماذا ؟·· لأنها كانت منهمكة في تصحيح روايتها التي ستتقدم بها لذات المسابقة!! هكذا لم ينتظر صاحبنا وحمل النسخ الخمس وفر قبل ان يسمع كلمة واحدة·· لحسن الحظ أن ابني لا يهتم بهذا الهراء الأدبي·· هو يؤمن أن كل شيء مهم في العالم قد تم تحويله إلى فيلم سينمائي أو لعبة على (البلاي ستيشن)·· بالتالي لا داعي لهذا التكلف الذي يجعلك تسهر وتشرب الشاي الثقيل واصفًا أوجاعك·· لحظة لأنه يدخل الغرفة·· ماذا تريد يا فتى ؟·· يقول في خجل إنه قرر أن الأدب ليس عملاً سخيفا وهو يريد أن أقرأ أول قصة له· هنا دخلت أمه الغرفة وقالت بلهجة مبطنة بالتهديد: ـ''طبعا يستحق أن ينشر هذا العمل له في مجلة مهمة·· لا أصدق أنك تقضي وقتك في نشر أعمال كل من تقابله ولا تنشر العمل الأول لابنك الوحيد !'' نبيذ وفحم !·· كلنا نبيع النبيذ والفحم وكلنا نشتريهما·· لو احتجت أية كمية من النبيذ والفحم فأنا تحت أمرك·· أحمد أميري ahmedamiri74@yahoo.com كيف تعمل ملطّفاً للجو ومبيداً للحشرات؟ هذا العضو العظيم الذي يقع جنوب أنفك وشمال ذقنك، فوق أنه أفضل من الشفرات في تقطيع الطعام، وأوسع من القدور في بلعه، يمكن تشغيله ملطفاً لجوّ العمل ومزيلاً لعرق التعب وعازلاً لكهرباء توتر العاملين· حين تدخل محلاً يقدم خدمات أو يبيع بضائع، تذكر حال العاملين فيه: يستيقظون صباحاً ويبقون حتى منتصف الليل لتأتي حضرتك تستفيد من الخدمة أو تشتري حاجتك· صحيح أنك ستدفع ثمن ذلك، لكن لا يضر، وينفع كثيراً، لو ساعدتهم بكلمة وقفشة على تحمل التعب والمشقة، فـ''تبسّمك في وجه أخيك صدقة''، كما في الحديث النبوي، فما بالك لو جعلته يترنح من الضحك؟ في صالون الحلاقة تستطيع أن تقول للحلاق ما أن يقترب من شاربك المهيب: حاسب، فلا أملك غيره· وإذا كنت من الجماعة الذين يسلخون وجوههم، قل له: تخيلني خروفاً بين يديك، أريد وجهاً منزوعاً من الشعر والجلد· وفي المطعم تقول لمن يضع الأطباق: نخدمك في عرسك· وفي محطة البترول تقول: أريد بترولاً أصلياً· وفي المحمصة: كيلو فستق آكله في الفندق·· وهكذا تزيل شيئاً من تعبهم وتبدد وحدتهم أو تغرّبهم عن أوطانهم من أجل آخر الشهر· ويحصل أن تتضاحك مع أحدهم، فيصدّق الأمر ويعتبرك الدجاجة التي تبيض الضحك، فيأتي بالبساط الأحمدي ويفرشه على رأسك ويعطّلك ويدخل معك في مرحلة قلة الذوق، والأدب أحياناً، ثم يتقمص هو شخصية الدجاجة التي يحقُ لها أن تأكل من رضي بأن يؤدي دور قشرة الأرز، كما في المثل الشعبي ''من سوى نفسه سبوس أكلته الدجاج''·· وهذا لا يعني التوقف عن أداء دور ملطّف الجو، لكن يمكن مع هؤلاء أن تصبح مبيداً للحشرات· ويحصل أن تتصادف مع أشخاص ثقيلي الظل والدم، لا يمكن إضحاكهم إلا بدغدغة بطونهم أو باطن أقدامهم، ويعتبرون ما يخرج من فمك سمّ ثعابين· هذه النوعية من الكائنات الحية لا ينفع معها شيء حتى لو كنتَ خفيفاً كأنك مسرحية كوميدية تمشي على قدمين· وحين تورّط نفسك معهم، تتمنى لو تبتلعك الأرض أو تشفطك الكناسة الكهربائية، ومن ذلك أنك تقول للحلاق: لحية خفيفة تجعل لون وجهي بني على أزرق على أخضر مثل وجوه المساجين· فتلاحظ أن وجه الرجل تغيّر وأصبح مثل الطماطم· ولكن أحسن الظن به وبرر موقفه بأنه كان سجيناً في يوم ما· وتقول لعامل المطعم: بهذا الأكل سيزداد وزني عشرة كيلو جرامات· لكنه حين يأتي بباقي الأطباق يضعها بلا مبالاة أمامك ويتعمد إزعاجك بصوت وضعها على الطاولة· وربما يكون الرجل غارقاً في بحر الديون ولا يبالي بك وأنت تبني جبال الشحوم· وشخصياً واجهت خلال فترة عملي ملطّفاً للجو، الأنواع الثلاثة من البشر، والغالبية منهم لو رأوني اليوم سيرقصون من الفرحة، وقلة سيلعنون اليوم الذي رأوا فيه وجهي، وقلة قليلة سيركضون خلفي يسحبون غترتي· محمد الحلوجي alhawaji@gmail.com علاج بالهبل! منذ ولادتي تمتعت بطبع هادئ جدا كمروحة متوقفة عن العمل، حيث لا يمكن لأي شيء أو أي أحد أن يعكر صفوي بسهولة، بل والحمد لله لم ينل مني حتى الإفلاس أو الإملاق الذي يشكو منه سائر الناس (كأنها كذبة بيضة·· مشّي الموضوع)، لكن هناك شيئان فقط لم أجد لهما حلا ولا دواء: الصداع حين يطبق على سقف نفوخي، والملل حين يطبق على أرضية روحي، وهذا الأخير أي الملل، هو مصيبة مصائب حياتي التي امتدت أربعة آلاف سنة، أو هكذا شعرت بعمري بسبب فيضان السأم الملل· مؤخرا رحت أشكو هذه المشكلة لصديق، فقلت له تعرضت لأزمة قلبية تعافيت منها وتخلصت بسببها من الصداع إلى الأبد، لأني آخذ جرعة يومية من الأسبرين ستستمر معي مدى العمر على سبيل الوقاية من الجلطات، وهكذا ضمنت الخلاص من وجع الرأس، ولكن كيف يمكني أن أتخلص من الملل الذي حرمني حتى من نعمة الزواج وخيارات مشاكله المتنوعة التي لا حصر لها، فأنا أملّ لمجرد الجلوس مع امرأة واحدة لمدة ساعتين على بعضهما البعض، فكيف بالزواج؟؟!· سكت صديقي قليلا ثم قال: أنتم معشر الصحفيين لديكم مصادر كثيرة، لم لا تقصد طبيبا نفسيا من معارفك وتطرح عليه المسألة؟ فقلت له على الفور: آه صحيح الدكتور عادل علي!! كيف لم يخطر على بالي الدكتور أحمد فهمي؟! فقال متسائلا: الدكتور عادل علي أم أحمد فهمي؟ فقلت له اسمه الحقيقي الدكتور مصطفى عبدالعزيز؟ ولكني أقوم بتغيير أسماء الأشخاص من حولي باستمرار، حتى لا أقع في شرك الملل!! فقال: حقا!؟ يجب أن ترى هذا الدكتور بسرعة مهما كان اسمه، ''انشاله ايكون فتوش أبو شعر منكوش!''، فقلت له: خير البر عاجله· المهم وصلت إلى عيادة الدكتور أيمن فتحي، وشرحت له مشكلتي مع الملل، فاستهل حديثه قائلا: ''يا زلمه خل الملل اشوي، وينك من زمان؟'' فقلت له: يا دكتور شوقي، صدقني لم يكن هناك تحقيق صحفي مناسب كي أطرحه عليك في الآونة، فقال الدكتور سامي على الفور: ''يا رجل إنتو معشر الصحفيين عندكم موضوعات ''بالهبل''، فاستوقفتني كلمة ''بالهبل''، ولكني استطردت في شرح مشكلتي له، فقال: مشكلتك بسيطة وتوجد لها حلول ''بالهبل'' ولكن لدي طريقة جديدة وحلوة ''اتجنن'' أوصت بها منظمة (هبل بلا حدود)، فاستوقفني مرة أخرى بكلمة ''اتجنن''، ما علينا، قلت له هات ما عندك، فقدم لي نصائح تأخذ العقل وهي: ؟ لا تجلس في نفس المكان أكثر من ربع ساعة إذا شعرت بالملل، بل قم بتغييره فورا· ؟ لا تقم بتناول أكلة بعينها مرتين· ؟ لا تجلس مع شخص بعينه أكثر من مرة ونصف· ؟ لا تتحدث مع أي من أصدقائك أكثر من مرة وثلث في السنة· ؟ لا تتحدث مع زميل أو زميلة في عملك في نفس الموضوع أكثر من مرة، ولا تخزن أي رقم هاتف حتى لا تطلبه مرة أخرى، وقم بتبديل رقم موبايلك باستمرار· ؟ لا تجلس في بلد واحد أكثر من أسبوع متتالي وسافر على الفور كلما شعرت بالملل· ؟ لا تعاود مشاهدة قناة تلفزيونية مرتين وتحاشى إعادة الاستماع لأغنية أو مشاهدة فيلم أو مسرحية مرتين· ؟ بدل شغلك وأصدقاءك وثيابك وأثاثك وسكنك والطرقات التي تمشي فيها باستمرار· ؟ إذا تزوجت وشعرت بالملل، اخلع، طلّق وتزوج مرة أخرى مباشرة بمجرد انتهاء عدة الطلاق· ؟ إذا سافرت لبلد ما، أسكن كل يوم في فندق مختلف، وعندما تعود لبلد المنشأ تبعك، عد في طائرة مختلفة تابعة لشركة طيران مختلفة أو جرب العودة بحرا· ؟ إذا دخلت السينما ولم يعجبك الفيلم، فاخرج على الفور، وابحث عن جنازة أو حفلة عرس واذهب ليس من أجل تقديم الواجب أو المجاملة لا سمح الله، بل على سبيل التغيير· ؟ إذا شعرت بأن اسمك يتكرر دائما بشكل روتيني، اذهب للمحكمة ووكل محامياً وارفع دعوى ضد نفسك وضد إدارة الهجرة والجوازات، واطلب تغيير اسمك، وإذا تم رفض الطلب، لا تستأنف ولا توجع دماغك، بل اذهب إلى محكمة أخرى وعين محاميا آخر في قضية مختلفة تماما على سبيل التنويع!· ؟ إذا شعرت أن وظيفتك رتيبة، قدم استقالتك وانضم للجيش، وبدل موقعك من صف الاحتياط إلى الصف الأمامي أو إلى قسم الصيانة، ثم افتعل مشكلة محترمة مع ضابط برتبة كبيرة ليتم تسريحك بسرعة· ثم سكت قليلا، فقلت له: هاه دكتور عزمي، خلصت والله بعد في عندك اقتراحات؟ فقال: أوه بالهبل!! فقلت له: أهبل من يزور عيادتك مرتين، وخرجت من عنده غاضبا واتجهت إلى عالم آثار فرعونية طالبا منه معالجة مشكلتي، ففوجئت به يعتذر مني بلباقة قائلا: آسف، أنا أعمل حاليا سائق وينش، على سبيل التغيير!!· فاطمة اللامي f_a6000@yahoo.com من مذكرات طالبة في الصف السادس الابتدائي كان مقرر اللغة العربية بدأ يتوجه نحو الدسامة من حيث قواعد النحو والصرف ونصوص الحفظ ابتداءً من المعلقات مروراً بالشعر العمودي المعاصر، نصوص جميلة غاية في الروعة، تزخر بصورها البلاغية ومن تشبيه وجناس وطباق وبالمفردات العميقة التي تأسر الروح ولكنها تستعصي على حفظ أغلب البنيات الصغيرات، المهم بعد أن أدركت معلمتنا العزيزة هذه المشكلة، التي استشفتها من خلال امتحانات الفصلين الأول والثاني وحصص التسميع، ولشدة حبها للغتنا الأم أرادت أن نكتشف معها هذا الجمال على طريقتها المبتكرة وحل المعضلة في آن واحد!، لم تترك المسألة ''عايمة''، بل جعلتها مسألة تحدٍ ونحن لا ندري، دبرت الأمر وخططت له بشكل تكتيكي بارع لا ينم إلا عن عاشقة ومحبة حتى الذوبان للغة العربية، وفي يوم رائع مثل روحها الشفافة الجميلة دخلت (ميس / ميسر) الله يذكرها بالخير علينا وابتسامتها تعتلي محياها الوضئ، كنا متوجسات من حصة التسميع فأدركت بفطنتها وأمومتها الجلية ذلك وقالت: ''ها يا سادس جاهزين''؟!·· أما نحن فلا حس ولا نفس·· ترمي الإبرة تسمع رنتها!·· الموضوع تسميع مش لعبة يا اخوان!، فأردفت قائلة بعد هذه الخضة الخفيفة: ''يا الله اليوم بدنا إنلحن ونغني مع بعض كلنا سواء''!!، لم نصدق ما نسمع ولم نستوعب الموقف برمته، حتى أجابتها إحدى الطالبات سليطة اللسان·· ''دفشة'' شوي بس طيبة!·· ''مس صدق تتكلمين وله تمزحين؟!''،، ردت مس ميسر فوراً: ''يا الله يا سادس وله بغير رأيي وأسَمع للكل هالنيت وأحط صفر وناخذ درس جديد كمان!''، لم نكذب الخبر وشرعنا في استخراج كتبنا وأيادينا تنتفض نفضة جناحي طير مصاب بطلق (مسجبة)، ومثل ما تخبرون وتعلمون وتعرفون أن طويل القامة مقعده في الخلف، لا يخفى ولا يغيب عن نظر المعلم·· بارز لحاله وين يعني يروح؟!، وكما قال البطل العربي طارق بن زايد: ''البحر من أمامكم والعدو من ورائكم فإلى أين المفر''؟!، ما في مفر طبعاً، فاستحالة أن يفلت من سؤال أو تسميع أو كشف واجب ووو!، فأحياناً يصبح الطول نقمة يا جماعة!، مس ميسر بدأت من الخلف بطويلات القامة الفارعات ورأفت بقصيرات القامة القابعات في الصفوف الأمامية، حتى وإن كن لسن من فئة ''البتيت''، ربما أسعفهن قصر قاماتهن للإفلات من استفتاح هذه التجربة المثيرة، فأحياناً يكون قصر القامة أيضاً نعمة، وما هي إلا لحظات حتى بدأت جلسة التلحين وبدون نوتة، كان الارتجال حاضرا بقوة، فتفتقت قرائح البنيات عن الكثير والكثير مما كان خافياً عنها إلى حد الانبهار الواضح الذي بدى جلياً على وجهها الصبوح!، فكشفت هذه التجربة عن الكثير من الكبت والحرمان العاطفي الدفين لديهن، وعن عقد طفولية صغيرة وجدت طريقها مؤخراً إلى الحل صدفة دون الحاجة أبداً لمساعدة الاخصائية الاجتماعية، فتعالت أصوات الطالبات بمختلف الأنغام السريالية والبوهيمية ومن شتى مختلف المدارس المجهولة والمعروفة في العالم الموسيقية وغير الموسيقية!، فالسلم كان مطروحاً بالعرض على الأرض والبنات ''شروات محروم وطاح بعصيدة''!، فتعالت الأصوات الأوبرالية والسوبرانية مما دعى مس ميسر إلى غلق الباب فورا!، ربما جال في خلدها ما الذي جعلني أقدم على هذه الخطوة المجنونة·· ما لي ومال وجع الرأس هذا وفي نهاية الدوام المدرسي كمان؟!، لكن بلا شك كانت تنظر إلى أبعد من ذلك وتراهن على النتيجة بثقة بالغة، فكانت جلسة البوح والتنفيس هذه في وقتها، فتيقنت معلمتنا الغالية أن الموضوع ليس مسألة عسر حفظ بقدر ما هو كبت وخليط ملون لشتى أنواع الفوبيات المتأصلة في القاع السحيق لنفسيات الطالبات كشفت عنه بطريقة غير مباشرة، المهم استطربت مس ميسر وخرجت بنتائج طيبة ومرضية نوعاً ما باكتشافها مواهب دفينة صغيرة تبشر بمستقبل واعد بإذن الله، وعلى الرغم من ضبابية السلم الموسيقي الذي بنت عليه الطالبات جميع ألحانهن العشوائية، فلم تألُ معلمتنا الغالية جهداً ومضت في طريقتها في ترغيب الطالبات في مادة اللغة العربية والتحدث بها بطلاقة وبعشق، ومساعدتهن في تخطي صعوبة حفظ النصوص الشعرية لديهن،، وهكذا كان!··· اجتهدت بتصميم وبروح مرحة كانت تلازمها في عز انكسارها، فاستطاعت بحزمها المتزن وباحتواء الأم الرؤوم لبناتها تحبيبنا في مادة من الصعوبة بمكان أن نمر عليها مرور العابرين، فكانت لا تقبل ولا بأي شكل من الأشكال سلق الدروس، ولا تشرع ببداية درسها الجديد دونما التأكد من ثبات الدرس الذي قبله في أذهان الطالبات، أما معضلة مادة الرياضيات فلم أنجُ من هذا الكابوس وأفك عقدتها إلى أن جاء موعد الاختيار ما بين المجالين العلمي أو الأدبي· فصرخت!: ''أدبي أدبي طبعا أدبي والله أدبي·· آخر كلام بس خلاص أريد أنام· والسلام!!! ؟ همسة: إلى معلماتي الفاضلات الجميلات، من الصف الأول حتى التخرج أقول شكراً ملء القلب والفم·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©