السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

موروث وتطلعات وصحراء و ديجيتال

موروث وتطلعات وصحراء و ديجيتال
24 ابريل 2008 02:14
هي السينما في الخليج، وليست السينما الخليجية· هذا ما شاهدناه ولمسناه في متابعتنا لبعض العروض التي قدمها مهرجان السينما الخليجي في دبي الأسبوع الماضي· وما شاهدناه لا يمكن أن يكون كافياً للحكم على ما يقارب مائة وخمسين فيلماً خليجياً، لكنه كاف لمحاولة تلمس ملامح هذه السينما وسماتها الأساسية، الأمر الذي فتح الباب على الأسئلة حول ما حققه السينمائيون في الخليج من إضافات وإنجازات، منذ بس يا بحر الذي أخرجه خالد الصديق عام 1972 في الكويت، مروراً بتجربة مسعود أمر الله ومن تلاه من مخرجي الإمارات، وصولاً إلى تجربة البحراني بسام الذوادي الأخيرة في فيلم حكاية بحرينية · نذهب إلى المشهد بعين تعي أنه لا يزال قيد التكوين، تتلمس خطاها نحو هوية واضحة المعالم، سواء على صعيد القضايا والهموم والرؤى التي ينطوي عليها المشهد وما يسعى السينمائيون إلى تقديمه، أو على مستوى الأساليب والتقنيات المستخدمة في صناعة أفلام هذا المشهد، أو حتى على مستوى ومدى احترافية الكوادر المنخرطة فيه، وهو ما يجعل المتعامل معه يلمس التفاوت الكبير بين التجارب المشاركة· تجارب نضج بعضها القليل حتى وإن انتابته الثغرات، وأخرى شابة تنقصها عمليات الصقل والتشذيب، لكن المشهد يحمل وعوداً بجيل جديد من السينمائيين· تتعدد أبعاد المشهد وجوانبه، فنحن حيال سينما وثائقية وأفلام روائية وأخرى قصيرة، ناطقة وصامتة، كلاسيكية وحديثة تستخدم تقنيات الديجيتال وغيرها· ولهذا سنحاول إلقاء أضواء على المشهد من جوانب عدة، من دون التركيز على جانب بعينه· أول ما يلفت النظر في الأفلام المشاركة في هذا المهرجان هو الميل إلى صناعة الأفلام القصيرة، والقصيرة جداً، ليس من حيث مدة الفيلم الزمنية فحسب بل من حيث الأسلوب والرؤية أيضاً، مما يجعل الغلبة لهذا النمط من الأفلام، ويدفع بالأفلام الطويلة والروائية إلى زاوية الندرة· ويندرج في هذا الباب ما يقارب خمسين فيلماً، أي ثلث الأفلام المشاركة· وهذه الظاهرة كما يبدو للبعض قد تكون ناجمة في بعض الأحيان عن كون هذه الأفلام، التي تسمى غالبا بـ''السينما المستقلة''، قليلة الكلفة، ولكنها في الوقت ذاته قد تبدو للبعض خياراً ذاتياً، إذ أن هذه الأفلام تتيح لمخرجها التحرك بحرية أكبر مما تتيحه الروائية، وهي بالنسبة لآخرين تأتي تلبية لتجسيد الرؤية والموضوع· وهذا ما يراه المخرج الإماراتي نواف الجناحي في حديثه حول علاقته بكل من الفيلم القصير والطويل· يقول الجناحي: الطول عامل يحدده المضمون وطبيعة الفكرة، ولا يجوز -بل ليس من حقي- أن أدفع بسيناريو لا يحتمل لعرضه مثلاً أكثر من 37 دقيقة، مرغماً الجمهور على ابتلاعه في 50 دقيقة، لا لشيء سوى تنفيذ فيلم مدته 50 دقيقة، فهذه الدقائق الإضافية ليست سوى حشو واضح، والمنطق يقول إنه إذا كان لديك مشهد لن يؤثر فعلياً على فهم الفيلم بشكل إيجابي ولا يتقدم بخط سير الأحداث فلا معنى لوجوده من الأصل حتى وإن تم تصويره، هذا أمر يتطلب إدراكاً ووعياً من نوع خاص وشجاعة كذلك لحذف ما تم بذل جهد من أجله، لأن مصلحة الفيلم ورؤيته الفنية أهم من أي أمر آخر· وفيما إذا كانت الظروف المادية سبباً في التوجه إلى الفيلم القصير يقول: بكل تأكيد، هذه الظروف تعيق أفكاراً معينة وتحول دون تنفيذها، في حين أن أفكاراً أخرى قد تكون مناسبة وأكثر قابلية للتنفيذ بهذا الشكل الإنتاجي المستقل·· هذه حسبة ليست لها علاقة بطول الفيلم، فإن وجدت سيناريو لفيلم طويل وفي حدود إمكانياتي المادية فسوف أنفذه دون تردد· توظيف التقنيات واستعراضها الظاهرة الثانية اللافتة في الأعمال المشاركة هي الاستخدام الهائل للتقنية الحديثة وأدواتها، حيث تبدو الاستفادة الكبيرة من الثورة التقنية التي غيرت مفاهيم وتقاليد العمل السينمائي التقليدي وجماليات اللغة السينمائية والسمع/بصرية، وأسهمت في تسهيل الإنتاج وتقليص ميزانياته، فدخل إلى الساحة الكثير من السينمائيين الجدد، فقد ساعدت هذه الثورة على ظهور أعداد كبيرة في كافة مراحل العملية السينمائية، فظهور الكاميرات الصغيرة وأنظمة المونتاج الرقمية المُتطورة منحت الكثيرين إمكانية تمويل أفلامهم والعمل في مجموعات صغيرة· بل إن المخرج وحده صار قادراً وحده على القيام بكل العمليات المطلوبة لإنتاج فيلم من ثلاث أو عشر دقائق مثلاً· ويستطيع المخرج بالديجيتال أن يصنع فيلماً روائياً مطولاً، فقد استطاع حسين الحليبي مخرج ''أربع بنات'' الذي افتتح المهرجان به بكاميرا تلفزيونية متقدمة تصوير مادة تم تحويلها لاحقاً إلى شريط سينمائي تميز بتقديمه صورة عميقة وعذبة عن واقع الحياة في البحرين في نهاية ستينات القرن الماضي، لا سيما العادات والتقاليد السائدة آنذاك، كما أنه لفت بشكل أساسي إلى قضية المرأة والمعاناة التي كانت تمر بها من حيث قهر الرجال لها وافتقادها لأبسط حقوقها· لكن في مقابل الاستخدام الموفق والمتوازن للتقنيات، حيث التقنية في خدمة الفن، هناك جيل سينمائي جديد في الخليج يقوم بالبحث والتجريب والمغامرة لصنع فيلم جديد برؤية جديدة وخطاب جديد، وهناك تجارب واعدة في هذا المجال، حيث يبدو استخدامها للتقنية وسيلة للوصول إلى فيلم يقدم تجربة واضحة المعالم، إلا أن هناك تجارب في هذا المجال تبدو فاقدة لأبسط قواعد فن السينما، فهي تعطي للكاميرا مهمة أن تقود العمل دون أي رؤية أو فلسفة· وهذه تجارب يمكن أن تنتج عنها أفلام فيديو كليب ولا تنتج أفلاماً سينمائية جادة وتلتزم القواعد الأساسية لهذا الفن· بل إن الغموض الذي بدا وكأن بعض هذه الأفلام قد اتسمت به لم يكن غموضاً بقدر ما كان ضياعاً للخطى وتضييعاً للطريق· رؤية تغريبية ومن هنا، من هذا الضياع، ننتقل إلى مقولات الأفلام المشاركة وحكاياتها ومضامينها، سواء كانت وثائقية، سردية روائية، أو شاعرية ذات لغة رومانسية، أو واقعية، أو فانتازية· فنحن حيال مشهد متعدد وشديد الغنى حقاً· وبرغم هذا التعدد والغنى فثمة أيضا تشابه بين الكثير من تجارب الشباب، من حيث أساليب التعبير وأدواتها· فالغالبية تميل إلى التغريب في اتخاذ اللقطات وتركيبها· وهذا التشابه يشوب التجارب في بداياتها عادة قبل أن يمتلك الشاب رؤيته الخاصة· وفي حين تبرز معالجة الواقع وتناول الموروث أو توظيفه في أعمال المخرجين ذوي التجارب الناضجة أو المكرسة، تذهب تجارب الشباب إلى تناول هموم الذات، سواء كانت هموماً مرتبطة بتحقيق الذات على نحو مشروع، أو حتى هواجس الأنا الفردية الضيقة أحياناً يظهر منها تشتت المخرج ورؤيته أكثر من قدرته على التعبير عن البحث الطبيعي والمشروع عن الذات· ونتوقف عند أفلام التوثيق فهي تختلف من مخرج لآخر، من حيث الاهتمام، ففي حين يهتم غالبية العراقيين بتوثيق الواقع المأساوي العراقي مثلما هو حال فيلم ''عصابات بغدادية'' أو ''جلجامش''، مع الاختلاف بينهما من حيث التقنيات والأسلوب، يميل غالبية الخليجيين إلى توثيق الموروث أو استخدامه في معالجة الواقع أو استعادة الماضي القريب الذي سبق المرحلة النفطية، أو الذهاب إلى القرية كما هو الحال في بعض الأفلام، ومنها تصوير الصراع بين الطبقات· أفلام قصيرة ووثائقية وبالانتقال إلى التمثيل على بعض الأفلام القصيرة المتميزة يمكننا التوقف عند أفلام واقعية جداً، أو أفلام تلجأ إلى الأسطورة والشعر كما هو حال فيلم العماني جاسم البطاشي ''الزهرة'' الذي يحرص كاتبه الشاعر سماء عيسى على إظهار الظلم الذي يقع على المرأة من خلال تصوير شاعري في فيلم ''الزهرة''· ومن الأفلام الواقعية فيلم الإماراتي عبد الله حسن أحمد ''تنباك'' الذي يعود بنا إلى قرية جبلية حيث العمل في زراعة التبغ وصناعة الفحم، وحيث الصديقان الأسمر الذي يعمل في مجال الفحم والأبيض الذي يعمل في جمع التبغ، والنظرة العنصرية تتفشى لتخلق مشكلات بلا نهاية· ومن الأفلام ما يعتمد لغة سينمائية شاعرية في استعادة الماضي من خلال استعادة شخصيات معينة، ومن خلال هذه الشخصيات تجري استعادة ظواهر من المجتمع، وهذا ما فعلته المخرجة والشاعرة نجوم الغانم في فيلم ''المريد'' من تأليف زوجها الشاعر خالد البدور، ليقدما من خلال شخصية الشيخ عبد الرحيم المريد أحد رواد الصوفية في دولة الإمارات، وهو الذي عاش ما بين 1902 و،2007 وكان البدور قد عايشه منذ العام 1990 وقرر استعادة المذهب الصوفي من خلاله· وأخيراً، فهناك أفلام واقعية تستعيد الموروث في صورة موسيقية، ففي فيلم ''قصيد سيمفوني'' الوثائقي الموسيقي للمخرج حبيب حسين تبرز من خلال لغة الكاميرا الشاعرية رحلة الموسيقار الكويتي سليمان الديكان الذي كانت الموسيقى في نظره مرآة صادقة تعكس الوجه الحضاري للأمم ونصيبها من التقدم والرقي· ويقول المخرج إن الفنان سليمان قد نشأ في رعاية والده الموسيقار غنام الديكان وتعلم منه الموسيقى المحلية التراثية، والتحق بمعهد الدراسات الموسيقية في الكويت وتابع دراسته الأكاديمية إلى أن حاز شهادة الدكتوراه في العلوم الموسيقية والتأليف والتوزيع الأوركسترالي· وما بين أصالة الألحان المحلية والفولكلور الخليجي والأساليب الفنية الأكاديمية والغربية استطاع الفنان سليمان تأليف مقطوعات موسيقية تحرك الأحاسيس وتطرب العقول إنها موسيقى تخاطب الإنسانية· والفيلم رحلة في وجدان فنان ومحاولة من مخرج كي يرى الموسيقى· وبناء على هذا المشهد، وبالوقوف على إمكانيات صناعة سينما حقيقية في الخليج، نجد أن ثمة ما يطاول البنية الاجتماعية لمجتمعات الخليج، ومدى استيعابها لمثل هذه الصناعة، إذ لا يمكن اعتبار ما شاهدناه مقدمات لخلق عملية سينمائية متكاملة بكل ما تعنيه من عناصر، فما يزال المجتمع كما يبدو غير قادر على تقبل الفكرة، رغم حاجته وإمكانياته في تقديم صناعة ذات تستخدم آخر ما توصلت إليه التقنية من كاميرات سينمائية ومؤثرات بصرية وما إلى ذلك· فرغم من تعج بهم الساحة الخليجية من المبدعين، إلا أن هؤلاء يحتاجون إلى الدعم المادي والمعنوي وإلى مساحات من الحرية ليعبروا عن أفكارهم·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©