الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

متحف الصابون يختصر رحلة تحول الزيت إلى أشهر منظف

متحف الصابون يختصر رحلة تحول الزيت إلى أشهر منظف
28 مايو 2009 23:55
تستحق مدينة صيدا القديمة أن تصنف في التراث العالمي، إذ أنَّ مواقعها الأثرية وقلاعها ومساجدها ومدارسها الإسلامية وخاناتها تضفي عليها قيمة تاريخية أكيدة. فصيدا كتاب تاريخ مفتوح يروي قصة حضارة. بين ما تزخر به صيدا من تحف أثرية يأتي متحف الصابون في المقدمة، وهو يروي لنا حكاية الصابون من حلب إلى نابلس، مصوراً المراحل التي تمر بها عملية صناعة الصابون، ورحلته منذ أن كان مادة أولية إلى أن يتجسد بصورة صابونة صالحة للاستخدام. وقد استطاع هذا المتحف أن يختصر لنا هذه الصناعة التي ابتكرت منذ قرون عديدة وما برحت تتطور منذ ذلك الحين، وعلى الرغم من كونه يعود إلى القرن السابع الهجري، إلا أنه لا يزال مقصد السائحين الراغبين في التعرف على الحرف التقليدية التي يزخر بها الشرق. عند دخولك المتحف تشعر وكأنك انتقلت بالفعل إلى حقبة زمنية مغايرة، تستقبلك تلك المواد الأولية التي يصنع منها الصابون وهي زيت الزيتون، عشان القلي، القطرونة، زيت الغار، والميعة، وهي عطر تقليدي. ثم تطالعك تلك الأحواض الحجرية، وهي تنقسم إلى أحواض علوية وأخرى سفلية، وفيها تتم عملية التصبين، وهي عملية تحويل مادة زيتية إلى الصابون بواسطة مادة قلوية. يتم التصبين عبر تحضير الماء القلوي، ويمزج رماد عشنان القلي والكلس مع الماء في أحواض التخمير. بعد ذلك يصفى المزيج القلوي في الأحواض السفلية، وينقل في دلاء ليصب مجدداً في الأحواض العلوية حتى اكتمال التخمير، ثم يخلط المزيج النهائي مع زيت الزيتون في حلة التسخين بدرجة حرارة 80 عبر الفرن السفلي المحرك بواسطة مجحاف، حتى يتحول إلى عجينة صفراء. يعوم الزيت غير المصبن على وجه الحلة، وتستقر المياه القلوية في القعر وتفرغ بواسطة مصرف نحو جرن حيث يعاد تخميرها، ثم تسكب هذه المياه مجدداً في الحلة بواسطة دلاء حتى ذوبان الزيت بأكمله. وعندما تنتهي عملية التسخين يرش العجين بالماء النقية، لتسقط مادة الجليسرين والشوائب في قعر الحلة ثم يُنقل العجين في دلاء إلى المفرش، وبعدها يتذوق معلم الصابون العجين ليحدد نهاية التصبين. لاحقاً يتم الانتقال إلى المفرش حيث تسكب العجينة المنقولة في الدلاء إليه، ويقوم العامل بتسويتها بواسطة مبسط ثم يتحكم بسماكة الصبة بواسطة مقياس، وبعد 24 ساعة يزيح الصابون على شكل مربعات بخيط مصيص مبلل بصباغ أحمر يعرف بالمغترة، حيث يسحب الخيط بموازاة مسطرة ذات زاوية قائمة ثم يقومون بعملية الوسم بواسطة أختام معينة بعدها يتولى عاملان يلبسان خفين من خشب، للمحافظة على سطح الصابون الأملس، تقطيع الصابون بالسكين إلى مكعبات متبعين خطوط المغرة، وينظف سطح المفرش بعد كل عملية صب بواسطة محك. إلا أن العجينة تصب في قوالب حديدية أو خشبية ثم توضع بعد نزعها من القوالب في برواز بواسطة خيط معدني. فرّان على «خط النار» لإطعام أهالي الحي سما حسن فلسطين - ما أن تمر من باب فرن وجيه المبيض (أبو علاء) البالغ من العمر ستة وستين عاماً، في شارع الثلاثيني في وسط مدينة غزة حتى تنبعث رائحة الخبز الساخن والسمك المشوي المطعَم بنكهة الحطب ممزوجة برائحة «صواني» الحلويات من الحلبة والكنافة والبسبوسة. وتشعر برغبة شديدة في تذوق هذه الأصناف وتجد رائحتها مميزة عما اعتدت أن تشتريه من المخابز الجاهزة ومحلات الحلويات الآلية. يتحدث المبيض عن بداية عمله فيقول إنه يعمل في الفرن خبازا منذ حوالي 50 عاما؛ إذ تعلم «الصنعة» و هو صغير يراقب سرحان دغمش (صاحب الفرن الأصلي وقد توفاه الله) أثناء خبزه وحنكته في إشعال الحطب وسرعته في إدخال وإخراج الخبز وعدم إحراق مأكولات الزبائن إلى أن أصبح هو صاحب الفرن. ويضيف المبيض أن من يراقب العمل عن بعد يعتقد أنها عملية سهلة لكنها تحتاج لمهارة عالية وسرعة ودقة ، إذ لا يستغرق نضج الرغيف بضع ثوان أحياناً، مشيراً إلى أنه لا يرغب في تعليم أولادة هذه «الصنعة» إذ أن عائدها المادي أصبح ضعيفاً في ظل تزايد مصانع الخبز الآلي، كما أنها شاقة ومجهدة. وحيداً في فرن بدائي يقول المبيض: «يكثر الزبائن في هذه الأيام بسبب انقطاع التيار الكهربائي كما أن كثيراً منهم يعتبرون خبز الفرن أوفر بكثير من البيت ،إذ تكلف أنبوبة الغاز حالياً (60 شيكلا) أي ما يعادل 15 دولاراً ناهيك عن كون الخبز المخبوز على الحطب يعتبر ذا نكهة خاصة ومحببة يقبل عليها الكبار قبل الصغار وممن شهدوا أيام زمان». ومع إشراقة كل شمس يتوجه المبيض إلى فرنه الذي لا تتجاوز مساحته خمسة أمتار، يقف بين أكوام الخشب والكراتين ومواد الحرق. في الفرن فتحة كبيرة نصف دائرية يوضع بداخلها الخشب ويتم الطهي والخبز بداخلها. ويجلس الأطفال والرجال والنساء على مصطبتين في انتظار دورهم فأحياناً يكون «الضغط كبيرا والشغل كثيرا» حيث يعمل بمفرده، ويستمع إلى الأحاديث التي تدور بين الزبائن والمناكفات للوصول إلى الدور قبل الآخرين. غالبا ما يرتدي المبيض في عملة سروالا قصيرا وبلوزة كما لا يستغني عن نظاراته الطبية ويتحمل الوقوف أمام شدة لهيب النيران المنبعثة من الفرن في جميع فصول السنة رغم ضعفه ونحافة جسده. يستخدم المبيض خشبتين طويلتين يضع على إحداها 3-4 أرغفة و يدخلها بخفة وسرعة متناهية داخل الفرن العميق بعد أن يشعل النار ويوقد الحطب ويقلب الأرغفة في الداخل حتى يتحول لونها من الأبيض إلى الأشقر أو الأحمر الخفيف ومن ثم يخرجها بخشبة طويلة أخرى بسرعة أيضا ويلقي بها على قطعة كبيرة من الكرتون تكون قبالته أو على قطعة قماش نظيفة ومن ثم يأتي صاحب الخبز ويجمعه ويلفه بإحكام وفي هذه الأثناء تنضج داخل الفرن وعلى نار هادئة «صواني» السمك والحلويات كل على حدة و في قسم خاص. ويحصل المبيض في نهاية نهار عمله على ما يعادل عشرة دولارات وهو مبلغ قليل أمام جهده المبذول وغلاء الخشب والحطب و مواد الحرق المستخدمة في إشعال النار بعد أن أغلقت إسرائيل كافة المعابر الحيوية والاقتصادية لقطاع غزة، موضحا أنه يشتري الخشب والورق من الباعة المتجولين والصبية الذين يأتون به على عربات، معقباً: «في الماضي الوضع كان أحسن والخشب أرخص». الفرن نجدة اعتبر أبو محمد القصاص فرن المبيض «نجدة لأهالي المنطقة بأكملها عند انقطاع الكهرباء خصوصاً أنها كثيراً ما تنقطع في غزة بعد أن ضربت الطائرات الحربية الإسرائيلية محولات الكهرباء التي تمد القطاع ومنع اسرائيل دخول الوقود لتشغيل مولدات الكهرباء الضخمة». أما أم صلاح فقالت إن أولادها لا يحبون الخبز الجاهز ويفضلون خبز البيت خصوصا إذا خبز في الفرن إذ يصبح له طعم ونكهة أخرى. وأضافت: «كل شيء قديم صحي أكثر و طعمه أطيب فالخبز الجاهز لا طعام له ولا رائحة و حجمه صغير و غالي الثمن وليس فيه بركة كما أننا لا نعلم ما نوع الطحين المستخدم فيه أو حتى مدى جودته وصلاحيته أحياناً». من جهتها، ترى هداية مسعود أن كل شيء طغى عليه التكنولوجيا حتى الأكل و الشرب ولم يبق شيء طبيعي أو كما كان في السابق على عهد أمهاتنا وأجدادنا، مؤكدة أنها تؤيد كل مظاهر الحضارة القديمة ولا تخجل بأن تحمل صينية الخبز على رأسها لخبزها في الفرن. والواقع، أن الأفران التقليدية القديمة بدأت تنقرض من قطاع غزة كما انقرضت في معظم البلاد العربية التي عرفتها لحقبة من الزمن إذ طغت عليها مصانع الخبر الآلي وما تبقى منها في غزة لا يتجاوز الخمسة تتناثر في أنحاء مختلفة من القطاع ولكن هذا لا يمنع أن يكون هناك من يبحث عن مكان ليضع فيه صينية خبزه في فرن عم أبو علاء
المصدر: صيدا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©