الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تيلرسون في بكين.. وقفة تأمل

27 مارس 2017 00:35
خلال زيارته للصين الأسبوع الماضي، عمد وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إلى القيام بخطوة غريبة عندما استعار أسلوب الكلام المنمق الذي يتبعه الصينيون في وصف العلاقات الثنائية القائمة بين الولايات المتحدة والصين. وقبل وبعد سلسلة لقاءاته بوزير الخارجية الصيني «وانج يي»، قال تيلرسون: «إن العلاقة بين الولايات المتحدة والصين كانت دائماً مبنية على أسس من التفاهم ونبذ الخلافات وتجنب الصراعات، والاحترام المتبادل، والتعاون وفق قاعدة: أنت تربح وأنا أربح». وباستخدامه لهذه اللغة، فإن تيلرسون يكرر ما سبق أن قاله الرئيس الصيني «تزي جينبينج» وكبار المسؤولين الصينيين في مناسبات سابقة. والصينيون لا يستخدمون هذه الكلمات لمجرد كونها عذبة ورقيقة الوقع على الآذان، بل لأنها تنطوي على التعريف المحدد الذي تضعه الصين «كنموذج لتعزيز العلاقات بين الدول العظمى» في عالم جديد يسوده الاستقرار وعدم التدخل في شؤون الغير. ولا يُعدّ تكرار تيلرسون لما يقوله الصينيون وتشديده على الدبلوماسيين الصينيين لعقد اجتماعات على أعلى مستوى مع الإدارة الأميركية، مجرّد إذعان لطلباتهم، بل يمثل موافقة على التعريف الصيني للعلاقة بين البلدين والذي لا يصب في مصلحة الولايات المتحدة. ومعروف أن الصين تحترم القوة، إلا أن القوة تحتاج لأن تكون مقترنة باستراتيجية دقيقة، بحيث لا يتم استخدام الخطاب التحذيري إلا بشرط متابعته. وبمعنى آخر فإن الخطاب الهجومي الفارغ وغير المدعّم بعمل حاسم لا يندرج في إطار القوة، بل هو مؤشر على الضعف. ويتطلب ردع الخصوم عن القيام بعمل ذي طابع عدائي، إطلاق إيماءات واضحة وقوية حول الاحتمالات المترتبة على القيام بذلك العمل والتشديد على التذكير بما هو مقبول أو غير مقبول في الشأن السياسي. ولهذا السبب، فإن التصريحات الهجومية للإدارة الأميركية ضد الصين جعلت من عملية ردعها تمثل سلوكاً سيئاً وأكثر صعوبة. ويضاف إلى ذلك أن الكلام المعسول الذي أطلقه تيلرسون حول العلاقات الصينية الأميركية سوف يُقرأ من جانب بكين على أنه جواز مرور لارتكاب المزيد من الأعمال ذات الصفة الهجومية. وكان حلفاؤنا يتابعون باهتمام شديد الكلمات التي يتلفّظ بها دبلوماسيونا في الصين. ورغم أن تيلرسون قال كل ما يجب أن يقال للتأكيد على دعمنا لحلفائنا في طوكيو وسيؤول، فإن من حق حلفائنا أن يتساءلوا حول الجدوى الحقيقية لتصريحاته في بكين. كما أن أصدقاءنا في تايوان، باتوا يشعرون الآن بأن اعتماد تيلرسون تعريف بكين للعلاقة بين الأميركية الصينية، من شأنه أن يضع حداً لدعم واشنطن لتايبه، خاصة أن هذا الدعم أصبح موضع تساؤل بعد وصول ترامب إلى الحكم والحديث عن «الصين الواحدة». ولا شك أن هذه التطورات ستزيد من صعوبة إدارة العلاقة مع الصين. ونحن لا نريد أن نكون قساة مع الصين في بعض القضايا، ويجب أن لا نكون أكثر قسوة عليها من إدارة أوباما. لكن من الضروري أن نكون أذكياء في فعل ذلك. ولابد أن يفهم حلفاؤنا أن التزامنا بأمنهم هو التزام لا رجوع عنه. وإذا كانت الصين تعتقد أن إدارة ترامب نمر من ورق، يزأر ولا يعضّ، فسوف يكون من العسير عندئذ ردعها عن ارتكاب السلوكات العدائية التي تضرّ بمصالح الولايات المتحدة، لاسيما في قطاعات حساسة مثل التجارة والهيمنة على بحر الصين الجنوبي. ورغم ذلك، فإنها قد تتبنى مواقف تصب في مصلحة الولايات المتحدة مثل التعامل القاسي مع كوريا الشمالية. ويعني كل ذلك أن تحقيق التوازن في العلاقات الدبلوماسية مع الصين ليس بالأمر الهيّن. وقد قضيت الساعات الطوال والمؤلمة مع كبار المسؤولين الصينيين، تحدثنا خلالها عن لغة التفاوض وإطلاق التصريحات والملاحظات بعد انتهاء الاجتماعات ذات المستوى العالي، وقالوا لي إن بكين ضغطت بقوة على إدارة أوباما حتى تستخدم مثل الكلمات التي تلفّظ بها تيلرسون. وكنا دائماً ندرك أن الكلمات التي نختارها ونتبناها في حديثنا مع الصينيين يجب أن تحمل معاني محددة لا تقبل التأويل أو التحريف في عقول الصينيين، ولهذا السبب كان علينا أن نختار تلك الكلمات بكل عناية. *محللة ومستشارة سابقة لهيلاري كلينتون ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©