الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عزاء لكل الأمهات

1 ابريل 2010 21:16
حضرت انشطار والدتي شظايا عند وفاة أخي في عقده الرابع، لم يكن إنسانا عاديا، عاكس الحياة وانتزع حقه في التعليم، ولم يرض بالقليل أبدا، تميز وذاع صيته في الوطن العربي، بل وفي أوروبا، صفّى المياه الضحلة وقدمها عذبة زلالا، مهندس أسس شركة لتصفية المياه صنفت من أكبر الشركات في شمال افريقيا بمجهوداته الفردية ومن غير دعم، في زمن قياسي قدم اختراعات وحقق نجاحات أبهرت الجميع بمجهودات خاصة، كافح ليكتب أسمه بمداد من فخر، من الصفر انطلق فعانق السماء، وفي أحد الصباحات تلقت والدتي مهاتفة على أمل اللقاء في مساء نفس اليوم، حيث كان بارا ومحبا لعائلته بعد أسرته الصغيرة، في نفس موعد الاتفاق تلقت والدتي هاتفا آخر، لكنه كان مختلفا، كان خبر وفات محمد. اختلت خطواتها، تبعثر صبرها، شدت خصرها وأحكمت حزامه، وانقسمت نصفين من قسوة الألم، تمرغت في وجعها، ناحت وانتحبت، وهي التي كانت صابرة على مُرّ الحياة، بكت وطلبت من يبكي معها ليهون مصابها الجلل، كان ولدها وصديقها وحبها الكبير في الدنيا ومؤازرها في الحياة، وما فتئت تقول ما أقسى أن يغمض عينيه للأبد، ويضمه التراب، ما أقسى عذابي وألمي وما أكبر فاجعتي، بكيناه جميعا، وآلمنا فراقه جميعا، فهو من حفر في قلوبنا الصواب وخط أولى أبجديات الحياة في قصاصات البدايات الأولى، كان والدنا، وكان أخونا الذي أمسك بأيادينا جميعا ولم يفرط في كل العقد الأسري، لفنا حوله وزودنا بجرعات القوة والصلابة، وكان يقول إن الحياة تعطيك بقدر ما تمنحها، كان يخاف من النوم، يضمه الليل في آخر أوقاته ويصحو على خيوط الفجر الأولى، إن سألناه لم؟ يقول: «سيأتي يوم وننام كثيرا، أما الحياة فهي للعمل». شد على أيادينا دائما وضم والدتي لصدره كثيرا، وقال: «نحن معا لنرسو بسفينتنا على شاطئ الأمان». وذلك المساء كانت نهايته ونهاية والدتي بعده، في بيته وعلى سرير بناته لقي حتفه، حسب التشريح الطبي تبين أنها سكتة قلبية، مع أنه لم يشتك من قبل من أعراض مرضية، هكذا كانت نهايته ونهاية والدتي النفسية، تراجعت صحتها، وغابت ابتسامتها وعافت عيونها الكحل وأياديها الحناء، مرت 14 سنة ولازال جرحها مفتوحا، إن طاف الحديث حوله، تتحدث بإسهاب ودموعها تخالط كلماتها، لم تنسه يوما ولا أعتقد أنها ستنساه، وليست هي فحسب بل كل أم فقدت حبيبها فلذة كبدها، فما أقسى هذا الشعور، لكنها في النهاية ابتلاء وقضاء وقدر، وإيمانها بالله وصبرها هونا عليها مصابها، وها هي لازالت تعترك الحياة بصوت قلب يخفق من أجل الآخرين. فعزاءنا لكل أم فقدت أولادها، ولأم الفقيد الشيخ أحمد بن زايد، وتغمده الله بواسع رحمته وألهم دويه الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©