الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خيري شلبي ضحية العسل بالكريمة

خيري شلبي ضحية العسل بالكريمة
28 مايو 2009 01:31
في بداية خمسينيات القرن الماضي كان الروائي المصري خيري شلبي قد بلغ السابعة عشرة من عمره، وانتقل من مسقط رأسه قرية «شباس عمير» التابعة لمحافظة كفر الشيخ إلى الإسكندرية، وأيامها كان يكتب الشعر الحماسي ويحاول كتابة الأغنية وكان عضواً في «جمعية أدباء دمنهور» وكان يراسل مجلات «الرسالة الجديدة» و»الأديب» و»الآداب» البيروتية، وكان أحياناً يوفق في نشر إحدى قصائده الحماسية، وفي الإسكندرية انتظم في مهرجان شعري كانت تقيمه كلية الآداب. ولأنه ترك أسرته في كفر الشيخ واعتمد على نفسه، ولأن الأدب والشعر خصوصاً لا يدر ما يسد الرمق، فقد اشتغل خيري شلبي في عدد من المهن منها مساعد لترزي عربي وموزع لمشروبات روحية وبائع جائل في المواصلات العامة. وعن تلك الفترة من حياته قال خيري شلبي: في ذلك الوقت، بداية انتقالي للإسكندرية، اشتغلت موزع لزهرة الغسيل على المحال، وكنت أحمل على كتفي حقيبة سفر بها 50 كيلو زهرة عبارة عن أكياس كل كيس فيه 50 مظروفاً، وكنت أبيع المظروف الواحد بقرش صاغ، وكانت الحقيبة ثقيلة جداً، وكنت أخرج بها في الصباح الباكر وانتقل من حي إلى حي، وكان عليّ أن أبيع «مظروفين» بقرشين حتى أفطر بقرش وأركب مواصلات بالثاني. وأذكر أنني كنت أسكن في منطقة محرم بك بالإسكندرية في حارة متفرعة من شارع «عرفات»، وهو شارع غني بالمحال والحياة والحركة الدائمة ليلاً ونهاراً، وعلى ناصيته كان هناك محل ألبان وسندويتشات، وكنت عادة وأنا أحمل حقيبة «الزهرة» في الصباح لا أبيع ما يكفي لثمن سندويتش وأرى الناس يأكلون في المحل، وكنت أسمعهم يطلبون سندويتشات «عسل بالكريمة»، ولأنني لم أكن أعرف ما هي «الكريمة» بالضبط فقد توقعت أن تكون شيئاً فذاً، وكنت أتحرق شوقاً لسندويتش «عسل بالكريمة»، ولكن عدم بيع ما يكفي لثمنه كان يحرمني منه. وذات يوم، وأنا أتجول بحقيبتي الثقيلة في شارع «الرصافة» بالإسكندرية وجدت محل ألبان مثله، ولحسن الحظ كنت قد بعت «مظروفين» بقرشين واحد للفطور والثاني للمواصلات، ودخلت المحل وحصلت أخيراً على سندويتش «عسل بالكريمة» وبمجرد خروجي للشارع وجدت الاتوبيس الذي أركبه يومياً يتحرك، فجريت بالحقيبة ناحيته، ورميتها فيه وقفزت إليه وتعلقت في بابه، قدم على سلمة وقدم في الخلاء، وعندما استرحت خطر على بالي السندويتش فقضمت منه قضمة، ولم أفق إلا بعد أيام في مستشفى الإسكندرية العام، فقد انسحقت في الشارع، وقيل أن الاتوبيس جرجرني مسافة لا بأس بها، وعندما أفقت كان طعم الكريمة اللعينة ما زال في فمي، وكان مائعاً وثقيلاً، وحتى اليوم كلما جاءت سيرة العسل بالكريمة أشعر بالألم وأتذكر ذلك المشهد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©