الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أم كلثوم تحتفل بالعيد الأول للإمارات

أم كلثوم تحتفل بالعيد الأول للإمارات
28 مايو 2009 01:19
تعودنا في بداية عملنا الإعلامي في إمارة أبوظبي ومنذ بداية عام 1971 أن نستقبل ضيوفاً من الفنانين والفنانات العرب وخاصة من جمهورية مصر العربية ومن سوريا، وكنا ننتهز فرصة وجودهم في أبوظبي لنقوم بإجراء لقاءات معهم أو إشراكهم في عمل فني إذاعي وتلفزيوني. الفنانة المصرية سناء جميل جاءت عدة مرات وشاركت في أعمال فنية كثيرة.. منها مسلسل «الفضيلة» الذي قمت بإعداده عن قصة مصطفى لطفي المنفلوطي.. وكذلك ملحمة «أم الرجال الرجال» وهي عمل شعري نظمته وأخرجته للإذاعة. أذكر أيضاً فنانين مثل: صباح فخري وسمير صبري وليلى طاهر ودريد لحام وغيرهم. ولكن الزيارة التي قامت بها كوكب الشرق وسيدة الغناء العربي أم كلثوم لأبوظبي في نوفمبر 1971 كانت حدثاً غير عادي اهتمت به الدولة اهتماماً خاصاً. ولقد تعودت أم كلثوم أن تزور الأقطار العربية وتقيم حفلات فيها يذهب ريعها لصالح المجهود الحربي لمصر، وهذه نقاط مضيئة في مسيرة هذه الفنانة الكبيرة وفي تاريخها المجيد الحافل بالإنجازات الفنية والقومية. كانت أم كلثوم بحق محل احترام وحب الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج إلى حد جعل بعض المراقبين يقولون: لم يلتقِ العرب على حب شخص كما التقوا على حب أم كلثوم. وبحكم اقترابي من معالي الدكتور مانع سعيد العتيبة فقد تابعت الاتصالات التي تمت من خلاله بالمرحومة السيدة أم كلثوم وتقديم الدعوة لها باسم المغفور له صاحب السمو الشيخ زايد رحمه الله. وقد تم الاتفاق على أن تقيم أم كلثوم حفلتين في أبوظبي، حفلة يحضرها القائد والشيوخ والوزراء وضيوف الدولة، وحفلة أخرى عامة يخصص ريعها للمجهود الحربي في مصر. ولكن أين تغني أم كلثوم.. لم يكن هناك مسرح يكفي لاستيعاب عشاق أم كلثوم من المواطنين والمقيمين على أرض الدولة. أكبر قاعة سينما كانت لا تتسع لأكثر من ستمائة مشاهد ولا يمكن بناء مسرح جديد خلال أيام قليلة تفصل بين موافقة أم كلثوم على الحضور وبين موعد الحفلتين الغنائيتين المقررتين. وأذكر أن الاتفاق تم مع النادي الأهلي لبناء مسرح مؤقت في أرض النادي يكون متسعاً لحوالي خمسة آلاف كرسي. عملت جميع الوزارات والدوائر كل في اختصاصه على إعداد المسرح وتجهيزه بما يلزم من معدات خاصة بالصوت والنقل السينمائي والتلفزيوني. وقع عليّ الاختيار لأكون مذيع النقل الخارجي بالنسبة للإذاعة.. وكان ذلك يعني بذل الجهود الكافية للتزود بمعلومات خاصة بكوكب الشرق تتعلق بحياتها ومسيرتها الفنية والأثر الذي حفرته هذه الفنانة العظيمة في ذاكرة الأمة العربية. عرفت على سبيل المثال أن أول أسطوانة سجلتها أم كلثوم في مسيرتها الفنية كانت في عام 1924 لشركة أوديسون وتقاضت عنها أجراً وصل في ذلك الوقت إلى خمسين جنيهاً. عرفت أيضاً أن انطلاقتها الكبرى كانت مع افتتاح الإذاعة المصرية عام 1934 حيث بدأ صوتها يدخل إلى كل بيت.. أول فيلم لها كان «وداد». ولكن الدور الأكبر هو الذي قامت به تجاه بلادها كان عام 1967 عندما ظلت تجوب البلاد العربية لعام كامل وتحيي فيها حفلاتها الغنائية لصالح المجهود الحربي. وبحكم قربي من معالي الدكتور مانع سعيد العتيبة والذي كان وزير البترول والصناعة في أبوظبي في ذلك العام الذي وصلت فيه أم كلثوم إلى أبوظبي عام 1971، فقد أتيحت لي فرصة التعرف على شخصيتها عن قرب من خلال الحوارات التي دارت بينها وبين معاليه والذي كلفه المغفور له بإذن الله تعالى صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (طيّب الله ثراه) بأن يكون رئيس بعثة الشرف المرافقة لهذه الفنانة الكبيرة خلال تواجدها في أبوظبي. لاحظت أنها مثقفة واسعة الاطلاع، تجيد اللغة العربية وتحفظ الشعر العربي القديم والحديث، وعندما عرض عليها معاليه إحدى قصائده أبدت إعجابها بها وأبدت استعدادها لغنائها، ولكن على ما يبدو فإن معاليه لم يتابع معها فيما بعد عملية التنفيذ. إن التراث الذي تركته الفنانة الكبيرة لأجيال الأمة العربية وفيه عدد كبير من عيون القصائد العربية مثل «نهج البردة» و»سلو قلبي» لأحمد شوقي و»ثورة الشك» لعبدالله الفيصل و»أراك عصي الدمع» لأبي فراس الحمداني و»رباعيات الخيام» لأحمد رامي.. هذا التراث يشهد لها بالفضل الكبير في جعل الجماهير العربية في كل وطن العرب تقبل على الشعر تقرأه وتستوعب مراميه وأبعاده. وفي اللقاء الذي تم بينها وبين القائد المغفور له بإذن الله تعالى صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (طيّب الله ثراه) عبرت عن إعجابها الشديد بما رأته من تقدم وازدهار في أبوظبي كما عبرت عن سعادتها بالحفاوة التي قوبلت بها والسخاء الذي غمرها وجعل من رحلتها إلى أبوظبي عملاً ناجحاً عادت بعده تحمل المزيد من عطاء الخير للمهمة النبيلة التي تقوم بها لدعم المجهود الحربي. تمت الحفلة الأولى في الثامن والعشرين من نوفمبر 1971 والثانية في الثلاثين منه وعاشت أبوظبي وضيوفها أحلى ليالي الأنس والفرح مع كوكب الشرق وصوتها الخالد. أذكر أن الحفلة الأولى التي حضرتها ونقلتها على الهواء مباشرة غصت بعشاق سيدة الطرب، حتى المساحة الفارغة أمام الصف الأول من المقاعد حيث كان يجلس المغفور له بإذن الله تعالى صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (طيّب الله ثراه) وصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد وشيوخ آل نهيان وضيوف الدولة الذين وصلوا للاحتفال بقيام دولة الإمارات العربية المتحدة.. هذه المساحة امتلأت بالمواطنين الذين افترشوا الأرض وتابعوا بنشوة تلك المعجزة الغنائية وكان رحمه الله سعيداً جداً بهذا الجو الحميمي بينه وبين أبنائه المواطنين وكانت تلك الحفلة أشبه ما يكون بحفلة عائلية للتقارب الذي جاء نتاجاً لمحبة العرب كل العرب لهذه الفنانة التي حملت رسالة الفن وخدمت من خلالها قضية وطنها بل قضية الأمة العربية كلها. أعد المسرح ليستوعب خمسة آلاف مشاهد، ولكن أؤكد أن الحضور كان ضعف هذا العدد رغم أن الحفلة كانت مذاعة على الهواء مباشرة. واقتبس بعض أبيات نظمها معالي الدكتور مانع سعيد العتيبة لتلك المناسبة.. وقد أرّخ معاليه لهذه القصيدة في ديوانه «خواطر وذكريات»، السادس من أغسطس 1971: صوت تغلغل في صميم كياني صبّ الهوى في أحرفي وبياني وكأنه لما يلامس مسمعي سحر جليُّ لا انسياب أغاني يا أم كلثوم يرحب خافقي وينوب عن خفق الفؤاد لساني يا كوكب الشرق الذي في ضوئه سهرت قلوب تشتكي وتعاني مازلت أومن بالمحبة منهجاً في حلّ مشاكل الإنسان شعبي يتوق إلى سماعك فاصدحي للحب فهو دعامة الإيمان ويراك هذا الشعب رمز حضارةٍ عربية تزهو بها أوطاني أنت التي وحّدت أمة يعربٍ من غير بهرجة ولا إعلان لسماع صوتك كل أمتنا التقت في ساحة الأنغام والألحان أهلاًً وسهلاً خفق قلبي قالها وجرى من العينين نهرُ حناني
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©