الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نشيد ألمانيا القومي.. نساء وكبرياء

11 مارس 2018 02:13
الغاية الرئيسة من وضع النشيد القومي وعزفه هي أن يشعر الجميع بأنهم جزء من الوطن، وهذا هو السبب الذي جعل النمسا وكندا تعدلان أجزاء من نشيدهما القومي ليتضمن النساء. لكن بعض الخطوط بين التقاليد والمجتمع الحديث عبورها أصعب من الأخرى. فليس كل الدول مستعدة لتحقيق المساواة الرمزية بين الجنسين في النشيد القومي خشية أن تكون المخاطر السياسية كبيرة للغاية في عصر من السياسة شديدة التباين والشقاق. لقد اقترحت «كريستن روزا موهرينج»، وزيرة الأسرة الألمانية المسؤولة عن المساواة بين الجنسين، الأسبوع الماضي، تعديلين في كلمات النشيد القومي الألماني، وهو ما تبقى من الكلمات التي كتبها «أوجوست هينرتش هوفمان فون فالرسليبن» في عام 1814 على إيقاع لحن سابق لـ«جوزيف هايدن». وجمع الألمان بين الكلمات والموسيقى منذ عام 1922 وتعين عليهم أن يغيروا الكلمات أكثر من مرة مع صناعتهم التاريخ، ثم محاولتهم التوافق معه. وأول مقطع من نص النشيد الذي يضع «ألمانيا فوق الجميع» هو المقطع الوحيد الذي استخدمه النازيون. لكن تم التخلص من هذا المقطع بسبب مزاعمه التوسعية التي عفا عليها الزمن. والمقطع الثاني الذي يمجد «النساء الألمانيات والإخلاص الألماني والنبيذ الألماني والأغنية الألمانية» سيئ كبداية لنشيد قومي. ولذا، ومنذ عام 1991، أصبح المقطع الذي يجري ترديده وحمايته بالقانون هو ذاك الذي يركز على «الوحدة والحق والحرية». وفي سطور هذا المقطع، اقترحت «روزا موهرينج» أن تحل كلمتي «أرض الوطن» محل كلمتي «الوطن الأب» وتحل كلمة «الشجاع» محل كلمة «أخوي»، وهو ما يغير المعنى بشكل واضح، لكنه يحافظ على الإيقاع. والترنم بالكلمات الجديدة سهل أيضاً، وعلى كل حال فموسيقى هايدن هي العمل الأصلي وليس نص هوفمان الساذج نسبيا الذي تم التخلص من معظمه تقريبا. أما النمسا المجاورة لألمانيا، فقد ساوت بين الجنسين في نص النشيد القومي في عام 2012، لتحل عبارة «وطن الأحفاد والحفيدات» محل عبارة «وطن الأحفاد». وحلت كلمتا «الجوقات المبتهجة» محل «الجوقات الأبوية». لكن تم الحفاظ على كلمة «الوطن الأب» لأنه لا يوجد لها مقابل مساو تماما. فكلمة «أرض الوطن» لا تنقل فكرة أن هذا هو وطن الآباء. وأقر المشرعون التعديل رغم أن النص الجديد لا يناسب إيقاع الموسيقى تماما. وفي كندا، وافق المشرعون في يناير الماضي على تعديل النشيد، وحصل التعديل الشهر الماضي على موافقة الملكة اليزابيت ملكة بريطانيا، الرئيس الاسمي لكندا. وهذه القرارات اتخذتها دول تعترف أن العالم لم يعد عالم الرجل. وتم تبني النشيد القومي في كندا والنمسا في وقت قريب نسبيا، في عام 1980 في كندا وفي عام 1946 في النمسا. صحيح أن نشيد النمسا يجري ترديده على إيقاع أغنية نُسبت ذات يوم إلى «موتسارت»، أما نشيد كندا فيجري ترديده على أنغام أغنية من القرن التاسع عشر، لكن المعنى الرمزي للنشيد القومي في البلدين جديد نسبيا. وهذا ليس الحال في كل مكان، فمن الصعب بكثير أن نتخيل تعديل السطر الأول من النشيد القومي الإيطالي المعروف بعنوانه وسطره الأول: «أشقاء إيطاليا». فقد يتمكن المرء من حذف المقطع قبل الأخير الذي يشير إلى الأبطال الذكور، لكن هذا لن يغير الإيقاع العام شبه العسكري للنشيد. وليس هناك طريقة جيدة لتغيير المقطع الأول من النشيد القومي الفرنسي الذي يشير إلى العدو القادم كي «يذبح أبناءك». والسطر الأول الذي يشير إلى «الوطن الأب» يمثل إشكالية واضحة. والفكرة نفسها ستثير شقاقا سياسيا ضاريا في الولايات المتحدة، إذا أراد أحد أن يغير كلمتي «الرجال الأحرار» في النشيد القومي الأميركي. وألمانيا قريبة الشبه من هذا، فرغم أنه تعين عليها تغيير النشيد القومي وحذف بعض أقوى سطوره، فإنها قاومت أيضا دعوات ظهرت بعد سقوط النازية وبعد الوحدة لاختيار قصيدة مختلفة يجري الترنم بها على إيقاع لحن هايدن. ومن الواضح أن اختيار المستشارة الألمانية انجيلا ميركل في هذه الفترة التاريخية يؤيد رمزية الحال الراهن. لكن ميركل قالت يوم الاثنين الماضي إنها لا ترى حاجة للتغيير. وخليفتها المفضلة «انيجريت كرامب كارينباوز»، الأمينة العامة لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» هي أبعد من هذا، إذ سبق أن أعلنت أن السياسيين ينبغي أن يشغلوا أنفسهم بقضايا الحياة الواقعية؛ مثل المساواة في الأجور، قبل أن يهتموا بمسألة النشيد القومي. ورغبة الزعماء الألمان في وضع نهاية لتعديلات كلمات النشيد القومي يمكن تفهمها. فالألمان لم يستعيدوا كبرياءهم الوطني إلا في الآونة الأخيرة، ويروقهم أن يرددوا كلمات النشيد القومي. فلماذا يزعجوا أنفسهم بتعديل النشيد من أجل مجاراة العصر؟ ليس علينا أن نرفض مقترحات مثل مقترح «روزا موهرينج» من دون النظر فيها. والمقترح قد يجدي نفعا في مجتمعات تعلي من قيمة الحداثة على قيمة التقاليد، ومعظم الدول تتبنى هذا النهج الآن وتتطلع لخوض معاركها من أجل المساواة والاحتواء في الرموز وأيضا في الحياة الواقعية عبر تنفيذ مثل هذه المقترحات. لكن الوقت غير مناسب الآن في ألمانيا. *كاتب روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©