الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا والصين.. في أفريقيا!

11 مارس 2018 02:12
خلال جولته الأفريقية هذا الأسبوع، من المنتظر أن يحاجج وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون بأن الولايات المتحدة تُعتبر شريكا أحسن لأفريقيا من الصين التي تعمل على توسيع تأثيرها وقوتها في القارة. غير أن اختبارا كبيرا لهذه الفكرة يكمن في ما إن كانت إدارة ترامب تستطيع منع حكومة جيبوتي من تسليم مينائها الرئيسي للسيطرة الصينية. ومنذ أن استلمت الحكومة الجيبوتية السيطرة على ميناء الحاويات «دورالي» الشهر الماضي، تفيد بعض التقارير بأنها تعتزم إبرام اتفاق مع شركة تخضع لسيطرة الدولة الصينية لإدارة المنشأة. ويذكر هنا أن جيبوتي وقعت يوم الثلاثاء اتفاقية لتوسيع الميناء مع شركة سنغافورية تعمل مع شركة «تشاينا مورشانتس بورت هولدينغز كو»، التي تمتلك حصة كبيرة في المنشأة أصلا. الميناء مهم ليس فقط لأنه مجاور للقاعدة العسكرية الصينية الوحيدة في الخارج، ولكن أيضا لأنه يمثل نقطة العبور الرئيسية بالنسبة للقواعد الأميركية والفرنسية والإيطالية واليابانية الموجودة في جيبوتي، ويُستخدم - نظرا لموقعه الاستراتيجي- من قبل قطاعات من الجيش الأميركي تعمل في أفريقيا والشرق الأوسط وغيرهما. والآن، يحذر الجيش الأميركي صراحة من أنه إذا ظفرت الصين بالسيطرة على هذا الميناء، فإن مصالح الأمن القومي الأميركي ستصبح عرضة للخطر. وفي هذا الأثناء، كما يقول مسؤولون أميركيون، فإن جيبوتي تزداد قربا من الحكومة الصينية وتزداد مديونية لها. وقال قائد القيادة الأميركية في أفريقيا الجنرال توماس ولدهوستر، في شهادة أدلى بها، الثلاثاء الماضي، أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب: «عندما نتحدث عن التأثير والعبور، فهذا مثال كلاسيكي في ما يتعلق بالصين على الكيفية التي ينبغي أن نتصرف بها وكيف ينبغي أن نكون حذرين أثناء تقدمنا». ويقول والدهوستر، إن القيادة الجيبوتية قالت للسفير الأميركي هناك، إن السلطات الجيبوتية ليست لديها أي نية في تسليم الميناء للسيطرة الصينية، وإنهم سيديرون الميناء بأنفسهم 60 يوماً، وبعد ذلك سيوقعون اتفاقاً مع شركة لإدارة المنشأة الضخمة وتسييرها. وقال إن «علينا أن ننتظر لنرى» ما إن كان الصينيون سيُمنحون ذلك العقد فعلا أم لا، لكن ذلك سيطرح مشكلة كبيرة في حال حدوثه. وقد اتخذ الجيش الأميركي خطوات مهمة للتصدي للتهديد الاستخباراتي الذي يطرحه الوجود العسكري الصيني في جيبوتي، لكن ذلك التحدي سيتضاعف في حال تمكنت الصين من السيطرة على الوصول إلى الميناء. والواقع أن التوسع الصيني في جيبوتي ليس سوى جزء واحد من استراتيجية الصين الأفريقية العامة التي تمزج الحوافز العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية لإغراء البلدان الأفريقية بعيدا عن الغرب وتقوية مبادرة «حزام واحد، طريق واحد» الصينية. ويذكر هنا أن جيبوتي مدينة للصين بـ1.2 مليار دولار على الأقل، وهذا الدين آخذ في التراكم، كما يقول ولدهوستر. وفي خطاب ألقاه بجامعة مايسون الثلاثاء، حاجج تيلرسون بأن الولايات المتحدة تمثل اختيارا أفضل من الصين بالنسبة للبلدان الأفريقية التي تبحث عن شراكة استراتيجية. وقال إن مقاربة الصين في أفريقيا «تشجع على التبعية والاعتماد على الغير باستخدام عقود غير واضحة، وممارسات إقراضية افتراسية، وعقود فاسدة تُغرق البلدان في الديون وتُضعف سيادتها، وتحرمها من نمو طويل المدى». وبالمقابل، أشار ولدهوستر ضمن شهادته إلى أن الولايات المتحدة لم تطوِّر استراتيجية حقيقية للتنافس مع الصين في أفريقيا وفشلت في إقناع معظم الأفارقة بأن شراكة قائمة على القيم الأميركية، مثل حكم القانون والأسواق المفتوحة، تصب في مصلحتهم. والحق أن استراتيجية إدارة ترامب للأمن القومي تشير بشكل صحيح إلى التهديد الذي تمثله جهود الصين العالمية، غير أن ذلك لم يترجم إلى إجراءات ملموسة. وقال ولدهوستر: «إننا في المراحل الأولى لمحاولة جعل أفريقيا والصين «في الجملة نفسها». جزء من المشكلة في جيبوتي يكمن في حقيقة أن الحكومة التي يقودها الرئيس إسماعيل عمر جيلي، الذي يحكم البلاد منذ سنوات، تُتهم على نطاق واسع بالفساد وانتهاكات بشعة لحقوق الإنسان. وجيلي قد لا يكون مهتما، بكل بساطة، بتعاون قائم على القيم الغربية. وهو ما دفع البعض إلى القول بأنه ربما ستكون الولايات المتحدة أفضل حالا إنْ هي قامت بنقل قاعدتها الأفريقية إلى موقع آخر، مثل منطقة صومالي لاند شبه المستقلة، الديمقراطية والمستقرة نسبياً. لكن ولدهوستر يقول إن الموقع الجيبوتي جد استراتيجي ولا يمكننا خسارته. وإذا كان الأمر كذلك، فعلى الولايات المتحدة أن تقترح مخططا لإعادة جيبوتي إلى الصف الأميركي من خلال حوافز حقيقية بخصوص زيادة التعاون وعواقب حقيقية في حال انحازت إلى بكين. وترتكز المغازلة الصينية لأفريقيا على مشاريع كبيرة للبنية التحتية ونسج علاقات وثيقة مع مسؤولين فاسدين. ولهذا يتعين على الولايات المتحدة تقديم بديل حقيقي، من قبيل زيادة المساعدات الاقتصادية والإنسانية والتنموية المربوطة ببرامج تساعد الأفارقة على مساعدة أنفسهم. إن استراتيجية الصين الأفريقية ليست لديها بواعث قلق تتعلق بالحكامة الجيدة أو حقوق الإنسان أو الفوائد الاقتصادية للأفارقة العاديين، بل إن ما يهمها هي مصالح بكين والحكام الذين تستقطبهم. وبالتالي، فإذا كان يراد لحديث تيلرسون عن الشراكة الأميركية أن يكون أكثر من مجرد خطاب، فعلى إدارة ترامب أن ترد على الأنشطة الصينية المؤذية وتباشر العمل في ذلك الاتجاه. *محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©