السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مسرات وخسارات المرأة اليابانية

مسرات وخسارات المرأة اليابانية
20 فبراير 2013 20:44
مفيد نجم تحاول الرواية الواقعية أن تتمثل صورة الواقع الاجتماعي الذي تكتب عنه، من خلال تجربة مجموعة من الشخصيات، تمثل نماذج مختلفة من الوعي والسلوك والمواقف المتباينة، معتمدة نمطاً سردياً يسعى إلى الإيهام بواقعية السرد. رواية «امرأة على الضفة الأخرى» للروائية اليابانية ميتسويو كاكوتا التي صدرت عن مشروع كلمة للترجمة في إطار التعريف بالرواية اليابانية تسعى إلى رصد تجربة امرأة يابانية متزوجة من رجل يتصف بصفات الغموض، وعدم المبالاة. فتعمل على تحقيق التغيير في حياتها الراكدة، من خلال البحث عن فرصة عمل، على الرغم من معارضة الزوج ووالدتها لذلك. تقابل شـخصية ســايكو تامــورا شــخصية نسوية أخرى هي آوي التـي تدير شركة التنظيف التي تعمل فيها تامورا، حيث تتكشف مع تقدم أحداث الرواية السمات المشتركة التي تجمع بين الشخصيتين على مستوى الأفكار والحياة وذكريات الدراسة في سن المراهقة. رواية عن حياتهن يشف السؤال الاستنكاري الذي تطرحه بطلة الرواية سياكو الذي تفتتح به الكاتبة روايته عن حالة القلق والحيرة التي تعيشها هذه الشخصية المحورية في الرواية، من خلال كونها ربة منزل تعنى بتربية ابنتها، وتعاني من الشعور بحالة العطالة الناجمة عن غياب العمل، ما يشعرها بأنها قد أصبحت عجوزاً تعاني الإحساس الخانق بالفراغ: «متى سأكف عن أن أكون المرأة العجوز التي أنا عليها؟ أجفلت سايوكو تامورا وأدركت أنها شاردة الذهن تقلّب السؤال نفسه في رأسها مرة بعد أخرى، وارتسمت ابتسامة ملتوية على شفتيها». وفي حين تتميز شخصيات الرواية بأنها شخصيات أنثوية بامتياز، فإن شخصيات الرجال لا تظهر إلا في خلفيات أحداث الرواية، الأمر الذي يجعل المرأة تهيمن على عالم الرواية وأحداثها. يتولى الراوي العليم مستخدما ضمير الغائب سرد وقائع وأحداث الرواية، وتقديم شخصياتها ما يجعله حاضراً في كل مكان وعارفا بهواجس وأفكار شخصياته جميعاً. تعمل سياكو عاملة تنظيف للمنازل المخصصة للأجرة في شركة بطلة الرواية الثانية آوي، وخلال العمل تنشأ علاقة صداقة بينهمان، تكتشف من خلال أحاديثهما المشتركة عناصر مشتركة تجمع فيما بينهما على مستوى المعاناة والطموح، بل يمتد الأمر إلى تشابه صور المعاناة التي عاشتاها في مرحلة المراهقة أثناء الدراسة في مدرسة واحدة، ما يعمق من تلك العلاقة بينهما، ويكشف عن مدى التشابه في المصائر ومسارات الحياة بينهما إلى حد كبير. وعلى الرغم من المشقة التي يتسم بها العمل الجديد، فإن رغبة بطلة الرواية في التمسك بفرصة العمل المتاحة، وما يجمع بين الشخصيتين من طموحات وهموم، يخلق لديهما مزيداً من الانجذاب والتقارب والود في العلاقة. الإيمان بالآخر الشخصية الثانية في الرواية هي شخصية آوي التي تدير شركة لتنظيف المنازل، ورغم ازدهار الشركة في البداية إلا أنها تعاني فيما بعد تراجع الإقبال على عروضها المقدمة للزبائن، وزيادة على ذلك تواجه هجوماً من قبل عاملاتها نتيجة فقدانها للقدرة على تنظيم عمل الشركة. إن أهم ما يميز شخصيتها هو الإيمان بالآخر حتى نجد تأثيره عليها يكون طاغياً وكبيراً بسبب ما تمتلكه شخصية صديقتها نانكو من حدس عفوي وثقة بالنفس، ما يجعلها مصدرا لها للشعور بالأمان والثقة بالنفس أيضا، ولذلك تندفع وراءها بحماس شديد، بل تعتقد أن المستقبل سينفتح أمامها من خلال ربط مصيرها بها، فتهرب معها إلى مدينة ناغازاكي: «عندما غادرتا إيزو قد اقتنعت بأنه ينتظرهما مستقبل عظيم على المدى البعيد. كانت موقنة بأن الأمور ستنتهي إلى مستقرها المناسب، وأنها مع نانكو يمكنها أن تبلغا ذلك المستقبل معا. في الحقيقة لا تزال تؤمن بهذا، ليتهما تعثران على عمل وسوف يبدأ دولاب الحظ بالدوران لصالحهما». من خلال حركتهما في المكان ومحاولة اختراق هذا العالم المزدهر بالملذات نتعرف إلى حياة تلك المدينة المدهشة والصاخبة، وعندما تكاد نقودهما أن تنفد منهما تلجآن إلى عمليات السلب تحت التهديد بالسلاح الأبيض، لكي تواصلا تلك الحياة، لكنهما في النهاية تقررا الانتحار معا إلا أن تلك المحاولة تنتهي بالفشل، إذ يتم إنفاذهما، وعلى إثرها تتفرق الشخصيتان، فتختفي نانكو بصورة غريبة، بينما تعود آوي إلى عملها القديم في توقيع عقود الشقق السكنية، ويصبح البحث عن صديقتها نانكو هو هاجسها الدائم، وكأنها تمثل نصفها الضائع. إن هذا التمركز حول شخصية نانكو يجعلها تقع ضحية لخدعة يقوم بها لص أثناء سفرها إلى لاوس، ما يعرض حياتها للخطر، ويجعلها تفقد أغلب ما لديها من نقود لكي تنجو بنفسها. وعلى الرغم من جميع عوامل الإحباط، لاسيما من قبل عاملاتها اللواتي يقررن ترك العمل في الشركة، فإنها تواصل كفاحها من أجل نجاح مشروع العمل من خلال العمل على تذليل المشكلات التي يواجهها. إن ما يجمع بين شخصيتي آوي وسايكو بطلتي الرواية هو الإيمان بالعمل ومحاولة تحقيق التكامل بينهما، حيث تعاني كل منهما من خيباتها في الحياة، الأمر الذي يجعل العمل يشكل مجالاً لتأكيد حضورهما وتأمين حياتهما التي يرغبان فيها. البنية السردية تسير الرواية في خطين سرديين، الأول منهما خاص بحياة بطلة الرواية الأولى سايكو والتحولات التي تشهدها حياتها، والخط السردي الثاني يتعلق بحياة آوي وتجربة حياة شبابها، ومن ثم إدارتها لشركتها الخاصة بتنظيف الشقق السكنية، حيث تتقاطع التجربتان أو الخطان السرديان مع لحظة حصول سايكو على فرصة العمل في تلك الشركة وتعرفها إلى آوي بالصدفة ، ما يزيد من تقاربهما وانفتاحهما على بعضهما بعضاً. تتميز بنية السرد الحكائي بطابعها التقليدي الذي تسير فيه حركة السرد بخط تصاعدي وتعاقبي. كذلك تظهر علاقة الاتصال بين فاتحة السرد وخاتمتها من خلال طبيعة المشهد الذي تقدمه الرواية لشخية سايكو الذي يتضمن صورة عن مدى حالة الإرهاق والتعب التي تعيشها، ومحاولة التغلب على هذا الشعور بالإصرار على متابعة العمل. يغلب الطابع الحكائي على بنية الرواية التي تهتم كثيراً برسم ملامح شخصيتي بطلتيها وتحولات حياتهما، والمعاناة الصعبة التي تعيشانها، إضافة إلى العناية الكبيرة بالتفاصيل الخاصة بهما، والتفاصيل الخاصة بالأمكنة التي تجري فيها أحداث الرواية، كما هي الحال في الرواية الواقعية. إن أهمية الرواية تأتي من اهتمامها بالدخول الدقيق والواسع إلى عالم المرأة اليابانية وتعريته من الداخل والكشف عن طبيعة المعاناة والظروف الصعبة التي تواجهها في حياتها، في واقع تحكمه علاقات المنافسة والمصالح وغياب الحب، الأمر الذي يجعل كلاً من آوي وسايكو يشكلان ثنائياً غريباً وسط فوضى الواقع وخيباته في محاولة لخلق حالة من التعاضد والمساندة التي تعينهما على مواجهة تحديات الواقع ونكساته. بقي أن نشير إلى مشكلة الترجمة الحرفية عن النص الوسيط الذي تمت عملية الترجمة عنه، حيث يظهر الالتزام بحرفية النص الأصلي التي تأتي على حساب لغة الترجمة، نظرا لاختلاف طبيعة اللغتين والتباين في صياغاتهما وبنية هاتين اللغتين، وهو ما نجده في بعض الترجمات الأخرى التي تتطلب تجاوز حرفية النص المترجم من جهة، والمعرفة بأسرار اللغة العربية وجمالياتها من جهة أخرى.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©