السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

78 ألف جمعية بالجزائر تتعرض لاتّهامات بالانتهازية لنهب الاموال

78 ألف جمعية بالجزائر تتعرض لاتّهامات بالانتهازية لنهب الاموال
22 فبراير 2011 19:33
تُحصي الجزائر اليوم 78323 جمعية وطنية ومحلية معتمدة رسمياً لدى الإدارة، ومع ذلك فإن نشاطاتها الميدانية محدودة وضئيلة ولم يعد الجزائريون يشعرون بوجودها إلا لماماً في المناسبات المختلفة، وتشكو الجمعيات من أن قلة الدعم المادي للدولة شل نشاطها، بينما يرى المواطنون أن الكثير منها مجرد تجمعات لانتهازيين اتخذوها مطية لنهب المال العام تحت غطاء الدعم المالي. إثر أحداث 5 أكتوبر 1988، قرّرت السلطات انتهاج الديمقراطية والتعددية والسماح بتكوين الأحزاب والجمعيات وإطلاق مجال الحريات بموجب دستور 23 فبراير 1989، فبدأ الجزائريون يشكلون جمعيات مختلفة، وطنية ومحلية، فظهرت جمعيات تُعنى باهتمامات الشباب والمرأة والصحة والترفيه والنشاطات الرياضية والتكوين والتعليم والتراث والثورة التحريرية وجمعيات لقطاع المهن المختلفة وأخرى التضامن الوطني والعمل الخيري، كما برزت جمعيات مطلبية خاصة بحقوق الإنسان وحقوق المرأة وحماية المستهلك ومكافحة الرشوة والفساد. واستمر هذا “الانفجار الجمعوي إلى أن بلغ عددها 78323 جمعية، منها 77361 محلية و962 جمعية وطنية بحسب آخر إحصائيات وزارة الداخلية الجزائرية. برزت هذه الجمعيات بنشاطاتها في مختلف المجالات في السنوات الأولى لإقرار الديمقراطية والتعددية في البلد، لاسيما وأن الظروف العامة آنذاك كانت تسمح بذلك، إلا أن نشاطها بدأ ينحسر بشكل حاد ومستمر في التسعينيات. توعز سعيدة بن حبيلس- رئيسة جمعية التضامن مع المرأة الريفية هذا الانحسار إلى “ظهور الإرهاب في بداية عام 1992، ما أدى إلى تراجع الحياة السياسية والجمعوية ككل في الجزائر”. إلا أن بن حبيلس لا تكتفي بهذا العامل المؤثر، بل تذكر عوامل أخرى، وأهمها “تحزب الجمعيات” حيث انخرط الكثيرُ منها في النشاط الحزبي والسياسي، “ما أدخل الحركة الجمعوية عموماً في متاهات الانتهازية والبحث عن المناصب والريوع والصراعات على الزعامة”. انتهازية وريوع تكشف أرقام لوزارة الداخلية أن أكثر من 60 ألف جمعية من أصل 78 ألفاً، لم يعد لها أي وجود في الميدان، ولم تعد تقوم بأي نشاط يناسب مجالها، وحتى العدد القليل المتبقي يتسم نشاطه بالموسمية والمناسباتية، كالمواعيد الانتخابية والدينية والأعياد الوطنية. وهو الأمر الذي يراه الدكتور محمد طيبي- أستاذ علم اجتماع النظم بجامعة وهران، “أمراً غير طبيعي على الإطلاق” لاسيما وأن الحركة الجمعوية في الجزائر لم تأتِ من فراغ، أو من باب تقليد الغرب فقط، بل تتكىء على تراث عريق، حيث كانت هناك “حركة جمعوية عفوية في تاريخنا، وتتمثل في الزوايا الصوفية التي كانت تأوي طلبة العلم وتدعمهم ماديا وتقوم بشتى أعمال التضامن والتكافل مع المحتاجين والملهوفين في المجتمع”، فضلاً عن تنظيم “العروش” أو “تاجماعت” أيضاً وهي تنظيمات عشائرية قائمة منذ قرون في منطقة القبائل الأمازيغية تحل الخلافات وديا بين السكان وتشرف على أعمال التضامن وتنظيم الحياة العامة للسكان، وهو ما اعتبره طيبي “شكلاً قديماً وعفوياً للمجتمع المدني في الجزائر” ولكنه شكل فعّال، ويستغرب لعدم اغتراف المجتمع المدني الحديث من هذا الرصيد التاريخي لتطوير أدائه، بل بالعكس انحسر وتراجع وأصبح يلهث فقط وراء مصالحه حيث “اتخذ الجمعيات منطلقاً للتفاوض مع السلطات من أجل التموقع والحصول على الريوع”، ويتوقع طيبي أن لا يتطور المجتمع المدني في الجزائر إلا إذا “برز جيلٌ جديد من الفاعلين الواعين الذين يتخلون عن الانتهازية ويكتسبون مصادقية شعبية”. إلى ذلك، يكشف عمر درياس- الباحث بمركز البحث في الأنثربولوجيا الاجتماعية والثقافية بالجزائر، أن “نسبة الجزائريين المنخرطين في الجمعيات المختلفة، لا تتجاوز 3 إلى 4 بالمائة فقط، مقابل 44 بالمائة في فرنسا”، ما يدل على أن هذه الجمعيات لا أثر لها في الواقع المعيشي للجزائريين ولا تستحوذ على اهتماماتهم. ويوعز برقي عبد الرحمان- رئيس “جمعية أولاد الحومة” أو “أبناء الحي” هذا الضعف إلى الأسباب المادية حيث “تفتقر أغلب الجمعيات إلى مقرات تجمع أعضاءها وتستقبل فيها المنخرطين والمواطنين، فضلاً عن ضعف الدعم المالي للدولة لهذه الجمعيات”، ويؤكد برقي أن السلطات لا تساعد مالياً سوى الجمعيات التي “تؤيد سياساتها وتنخرط في تنفيذها وتهمش الجمعيات التي تتبنى سياسات مستقلة”، ويطالب بأن يكون مقياس الدعم هو النشاط والمردودية الميدانية وليس الولاء. مشكلة مصداقية يبدو أن السلطات مقتنعة أن أغلب الجمعيات يسيطر عليها انتهازيون ولذلك ترفض دعمها بعد أن كثرت التصريحات وكذا التقارير الإعلامية التي تتحدث عن اتخاذ الجمعيات مطية لتحقيق المكاسب والريوع والانتفاع من الخزينة العمومية تحت غطاء الدعم، ولذلك لم تعد تدعِّم الجمعيات إلا في حدودٍ ضيقة. وتكتفي السلطات حالياً، فيما يبدو، بتطبيق مبدأ “العملة الجيدة تطرد الرديئة” فهي لا تحل الجمعيات الخاملة، ولكنها لا تقدم لها الدعم المالي أيضاً، ما يعني قتلها عملياً، إلا أن النداءات إلى تطهير الساحة الجمعوية من الجمعيات الخاملة والانتهازية لا تزال مستمرة، فضلاً عن النداءات إلى ضرورة إشراك المجتمع المدني في برامج التنمية الوطنية والاقتراب من الشباب ولاسيما في ظل الظروف الاجتماعية الصعبة التي تمرّ بها الجزائر منذ بضعة أشهر.
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©