السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بوشكين الذي يعرفنا

بوشكين الذي يعرفنا
31 مارس 2010 19:54
منذ أيام تكرم الطبيب العلامة د. محمد علي البار بإطلاعي على مخطوطة كتاب جديد له تحت الطبع بعنوان: “بوشكين شاعر روسيا والقرآن الكريم”، واقترح عليَّ أن أترجم قصيدة بوشكين “النبي” ليضمها للكتاب وهو ما قمت به فعلاً. وكان الدكتور البار قد أشاد كثيراً بترجمتي لقصيدة “الطلاسم” لشاعر ألمانيا الأكبر “جوته” والتي تتحدث عن عظمة الله سبحانه وتعالى، وذلك في كتابه “هل كان جوته شاعر الألمان مسلماً؟” الذي صدر منذ أشهر، وفيه فضل د. البار ترجمتي لتلك القصيدة على ترجمة الفيلسوف الكبير الدكتور عبدالرحمن بدوي. والدكتور محمد علي البار يمني الأصل سعودي الجنسية ظهر نبوغه منذ طفولته وهو طبيب بارز نال أعلى الشهادات العلمية في سرعة قياسية وعمل أستاذاً جامعياً وطبيبا استشارياً، وهو حالياً يدير مركز أخلاقيات الطب في المركز الطبي الدولي بجدة في السعودية وهو داعية نشيط للإسلام من خلال جهوده الكبيرة والمستمرة في هيئة الإعجاز العلمي ومجمع الفقه الإسلامي الدولي وغير ذلك من الهيئات والمؤتمرات، ولكن أيضاً من خلال كتبه التي بلغت 82 في العدد أولها كان كتاب الخمر بين الطب والقرآن 1974 ثم كتاب العدوى بين الطب وحديث المصطفى الذي قدم له وأثنى عليه كثيراً شيخ الأزهر آنذاك الشيخ الدكتور عبدالحليم محمود رحمه الله على الرغم من عدم وجود أية معرفة شخصية بالمؤلف، وثالث كتاب كان “خلق الإنسان بين الطب والقرآن” الذي صدر أول مرة عام 1979م وصدرت طبعته الثالثة عشرة المنقحة عام 2005 م وأخبرني د. البار بأنه عندما التقى الطبيب الفرنسي الشهير موريس بوكاي صاحب كتاب “ماهو أصل الإنسان”، تعجب من نقاط الالتقاء بين الكتابين من دون أن يطلع أي من المؤلفين على كتاب الآخر قبل تأليف كتابه، وقد اعتنق بوكاي الإسلام وأعلن ذلك أمام الملك فيصل بل وأصبح داعية على المستوى العالمي خصوصاً من خلال كتابه “الإنجيل والقرآن والعلم”. وكتب الدكتور البار بعضها طبي يتحدث عن مضار الخمر والتدخين والمخدرات.. الخ، وبعضها يتناول وجهة نظر طبية علمية في قضايا فقهية معاصرة، مثل أخلاقيات التلقيح الصناعي وزرع الأعضاء والفرق بين الموت الإكلينيكي والشرعي.. الخ، وبعضها كتب تتعلق بأحوال المسلمين مثل كتابه “المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ” (في مجلدين) وكتابه “أفغانستان من الفتح الإسلامي إلى الغزو السوفيتي” وكتابه “التركستان ـ مساهمات وكفاح” وكتاب “كيف أسلم المغول؟” وكتاب “إضاءات قرآنية ونبوية في تاريخ اليمن” وكتاب “جزيرة سقطرى”. وللدكتور البار اهتمام خاص بقضية العرب الأولى فلسطين وتاريخ اليهود والتوراة والعهد القديم وأيضاً العهد الجديد، مثل كتبه (الله والأنبياء في التوراة والعهد القديم)، و(تحريف التوراة وسياسة إسرائيل التوسعية)، و(القدس والمسجد الأقصى عبر التاريخ) و(العلمانية أصولها وجذورها). وأخيراً نشير إلى اهتمام د. البار بالأدب المتعلق بالإسلام مثل كتابه البوصيري “شاعر المدائح النبوية” وكتابه “هل كان جوته شاعر الألمان مسلماً”؟ وكتابه تحت الطبع موضوع حديثنا: “بوشكين شاعر روسيا والقرآن الكريم”. شعراء روسيا والإسلام يقول البار في مقدمة كتابه هذا: لقد تأثر كثير من الأدباء والشعراء في أوروبا وروسيا بالإسلام والقرآن الكريم، وكان من أبرزهم كوكبة من أدباء روسيا وشعرائها العظام، نذكر منهم بوشكين شاعر روسيا الأعظم ومؤسس لغتها الشعرية والذي لم يصل إلى مرتبته إلى اليوم أي شاعر آخر.. و”ليرمينتوف” الشاعر الرومانسي الذي أعجب بالقرآن والإسلام وتأثر بالشعر العربي والآداب العربية، و”تولستوي” أعظم أدباء روسيا وأكثرهم شفافية وإنسانية، تأثر تأثراً شديداً بالقرآن وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومن أدباء ألمانيا اشتهر “جوته” بديوانه الشرقي وتأثره العميق بتعاليم القرآن والإسلام والآداب العربية.. ومن أدباء الإنجليزية يبدو تأثر “برنارد شو” بالإسلام واضحاً في كثير من مقالاته وأدبياته وفي فرنسا نجد “موليير” متأثراً بالإسلام ومن المعاصرين الفيلسوف أحمد عبدالواحد “رينيه” وروجيه جارودي، ومن الأدباء المحدثين نجد “جيمس بولدين” الكاتب الأميركي الأسود الذي اعتنق الإسلام ودافع عنه ودعا إليه بقوة وبأسلوب أدبي عال رصين.. ومن ألمانيا المعاصرة نجد “آن ماري شميل” و”زيجريد هونكه” و”مراد هوفمان” وكلهم قد أسلموا. ولابد للدارسين والمهتمين بالآداب العالمية من إبراز هذه الأعمال في سلسلة خاصة باللغة العربية، كما ينبغي نشرها بلغتها الأصيلة بطبعات خاصة وتنشر على نطاق واسع بالإضافة إلى طبعها باللغات العالمية الأخرى، فهي تشكل مدخلاً مهماً لتصحيح صورة الإسلام والدعوة إليه بأقلام أبناء تلك الأمم”. وبعد المقدمة المهمة قسم الدكتور البار كتابه إلى ثلاثة فصول وقائمة بثلاثة وعشرين مرجعاً عدا ما نقله عن مواقع الإنترنت العديدة، والفصل الأول يتحدث عن الإسلام في روسيا في 26 صفحة، أما الفصل الثاني فعن بوشكين وحياته في 42 صفحة، ثم الفصل الثالث عن التأثيرات الإسلامية العربية في إنتاج بوشكين في 150 صفحة. ولد بوشكين في موسكو في 6 يونيو 1799، في أسرة أرستقراطية ثرية ومات مقتولاً في مبارزة وهو يدافع عن سمعة زوجته وشرفها في فبراير 1837. ألم يقل المتنبي: لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم ومن الذين أثروا على بوشكين في طفولته وصباه والده الذي كان يقرض الشعر بالفرنسية، فبدأ بوشكين بمحاولة كتابة الشعر بالفرنسية وهو في الثامنة وتعلم اليونانية والإنكليزية وقرأ شعر شكسيبر وبايرون، كما تأثر بمربيته الروسية التي علمته الروسية وحب الوطن، ومن أكثر الناس تأثيراً فيه كانت جدته لأمه ماريا إبراهيم هانيبال. وكان الجد هانيبال فتى أفريقياً من الحبشة أو ارتيريا أو تشاد اختطف وهو طفل وبيع في إسطنبول وأعجب به السفير الروسي في الآستانة وأرسله إلى بطرس الأكبر قيصر روسيا الذي أعجب به وبعثه لدراسة العلوم البحرية وصناعة السفن في فرنسا، فصار قائداً بحرياً يحقق الانتصارات حتى صار أدميرالاً فأنعم عليه بلقب أرستقراطي ومنحه إقطاعاً. وكان هنيبال مسلماً يكتم إسلامه ويقرأ القرآن سراً في بيته وأخبرت الجدة “بوشكين” بذلك فبحث عن القرآن والسيرة وتاريخ الإسلام وقال بعد ذلك: “القرآن هو الكتاب الديني الوحيد الذي أذهل مخيلتي” علماً بأنه قرأ مجرد ترجمة لمعاني القرآن باللغة الروسية. في الفصل الأول يستعرض الدكتور البار تاريخ الإسلام في روسيا والقوقاز: فنرى أن أذربيجان فتحت على يد الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان، وفتح المسلمون الأوائل أجزاءً كبيرة من القوقاز وأبخازيا وجورجيا وأرمينيا، بل كانت الأسر النصرانية كثيراً ما تساند جيش المسلمين لعدلهم ولتسامحهم مع النصارى، ولكن عندما ضعفت الخلافة الإسلامية عاد النصارى وأخرجوا المسلمين، وفتحت الداغستان لأول مرة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان أهل تلك البلاد بعد أن اعتنقوا الإسلام يتحدثون العربية. يقول رسول حمزاتوف أشهر شعراء الداغستان في العصر الحديث وأحد أشهر شعراء الاتحاد السوفياتي في حديث من محطة إذاعة موسكو العربية، إن أباه كان ينظم الشعر بالعربية وإنه هو نفسه كان يحب شعر امرئ القيس وألف ليلة وليلة. ويستعرض د. البار حركات الجهاد الإسلامية مثل حركة شامل الجهادية، ونبذة عن ترجمات معاني القرآن الكريم إلى الروسية، والأدباء المسلمين أو الذين تأثروا بالإسلام في روسيا والاتحاد السوفياتي، ويذكر كيف سبق الإسلام الأورثوذوكسية في الدخول إلى تلك البلاد، ويروي حواراً بين الرحالة ابن فضلان وملك البلغار المسلم الذي كان عميق الفهم للإسلام. وقد انحسر الإسلام في تلك الديار في عهد كاثرين الثانية في القرن الثامن عشر وهي التي نقضت عهودها مع المسلمين في القرم بإعطائهم الحكم الذاتي وطردت مئات الألوف منهم، وقبل ذلك في عهد إيفان الرهيب الذي نكل بالمسلمين في القرن السادس عشر. مدخل عربي إلى الكونية يقول ديستوفسكي: لم يستطع بوشكين أن يتوصل إلى الكونية إلا بعد أن هضم تراث الآداب الأخرى كالأدب الفرنسي والإنجليزي والعربي، وصهرها كلها في بوتقة الأدب الروسي والشخصية الروسية.. ويقول أيضاً: “إن كل الكوكبة الحالية من الأدباء تعمل على هدي بوشكين ولم تصنع الجديد من بعده”. ويقول تولستوي: إنك لا تحس عند بوشكين بالنظم رغم ما تمتلكه القصيدة من إيقاع ونغم وقافيه.. إنك لتحس أنه ليس ممكناً أن تقال بطريقة أخرى”. والذي يهمنا في هذا المقال هو أثر القرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم والإسلام على شعر بوشكين، فعلى الرغم من صدور مئات أو ألوف الكتب والدراسات عن بوشكين لم ينشر عن آثار الإسلام على شعره إلا القليل. ومن الذين ترجموا بعض شعر بوشكين من العرب الدكتورة المصرية مكارم الغمري عميدة كلية الآداب بعين شمس صاحبة كتاب “مؤثرات عربية وإسلامية في الأدب الروسي” ومالك صقور صاحب كتاب “بوشكين والقرآن” والدكتور طارق مردود صاحب كتاب “بوشكين القصائد الشرقية” والشاعر العراقي حسب الشيخ جعفر صاحب كتاب “قصائد مختارة لبوشكين”. وهناك قصيدة بعنوان “النبي” ترجمها الأربعة المذكورون أعلاه وقد ترجمتها أنا بقليل من التصرف نظراً لطبيعة الموضوع الحساس، يقول فيها: “مهموماً بالظمأ الروحي كنت أجر خطاي في برية غير ذات زرع عندما ظهر لي في مفترق الطريق ملاك ذو أجنحة ستة وبأصابع من نور، في مثل الحلم، لمس حدقتي عيني، فاتسعت الحدقتان النبويتان، كما لو كانتا لنسر مذعور ولمس أذني فامتلأتا بضجة ورنين، وسمعت رعود السماء وتحليق الملائكة في الأعالي وسريان زواحف البحر تحت الماء وتبرعم الكروم الأرضية والصق نفسه بشفتي وانتزع لساني وبيده اليمنى المضرجة زرع بين شفتيّ المتجمدتين لسان الحكمة وشق صدري بسيفه وانتزع قلبي الخفاق”. وفي قصيدة “اسطنبول” نرى بوضوح حماسة “بوشكين” للإسلام وتحسره على ضعف الإسلام في عاصمة الخلافة الإسلامية: تنكرت إسطنبول للنبي، إسطنبول لأجل ملذات الرذيلة غيرت السيف والدعاء تنكرت إسطنبول لعرق الجهاد وأخذت تشرب الخمر في وقت الصلاة.. كتب بوشكين هذا مع العلم بأن إسطنبول كانت في مجابهة مع روسيا. وقصائد بوشكين المتعلقة بالإسلام مجموعة قصائد (قبسات في القرآن) وهي تسع مقطوعات وقد ترجمها كل من د. مكارم الغمري ود. طارق مردود ومالك الصقور. القصيدة الأولى من ترجمة الدكتورة مكارم الغمري تقول: أقسم بالشفع وبالوتر وأقسم بالسيف وبمعركة الحق وأقسم بالنجم في الصباح وأقسم بصلاة العشاء لا لم أودعك التأثر بالعبارات القرآنية واضح فيها وفي محاولة لترجمة المقطوعة الثالثة المتأثرة بسورتي عبس ولقمان وغيرهما من السور، يقول مالك الصقور في بدايتها: لماذا يتكبر الإنسان؟ ألأنه جاء عارياً إلى هذه الدنيا أم لأنه يعيش عمراً قصيراً أو لأنه يموت ضعيفاً كما ولد ضعيفاً ألا يعلم أن الله يميته وإن شاء يبعثه؟ وفي مقطوعة أخرى متأثرة بآية النور تقول ترجمة مكارم الغمري: لقد أضأت الشمس في الكون وأضأت أيضاً السماء والأرض مثل نبتة كتان تمتلئ بالزيت تضيء في مصباح بلوري صلّ للخالق فهو القادر فهو يحكم الريح في يوم قائظ ويرسل السحب إلى السماء ويهب الأرض ظل الأشجار وفي القصائد التسع واحدة عن قصة نمرود مع إبراهيم عليه السلام وأخرى عن قصة عزير الذي أحياه الله كما في سورة البقرة، وقصائد مستوحاة من سور أخرى ولكنا نكتفي بهذه الإضاءة مع تقديرنا لجهود الدكتور محمد علي البار في نشر هذه الصفحات التي يجهلها أكثرنا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©