الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تقارب واعد بين الهند وباكستان

21 فبراير 2012
على رغم كافة الأنباء السيئة القادمة من منطقة جنوب آسيا، ثمة تطور واحد مشجع، هو ذلك المتعلق باستئناف الهند وباكستان مجدداً لمحادثات السلام المتوقفة بينهما، التي تتضمن اتخاذ خطوات مهمة وملموسة نحو تحقيق قدر أكبر من التعاون الاقتصادي بينهما. وستحسن إدارة أوباما صنعاً، إذا ما عملت من جانبها على تعزيز هذا التطور، الذي لو قدر له أن يؤتي ثماره، فسيؤدي إلى تأثير إيجابي للغاية على المصالح الأمنية الأميركية في المنطقة. ومن حسن الحظ أن الولايات المتحدة، قادرة على القيام بهذا الجهد بقدر محدود من التمويل المفوض به بالفعل من قبل الكونجرس. وعلى رغم أن العديد من محاولات الإصلاح والتقارب بين البلدين قد أخفقت بسبب العداء المستحكم بينهما، إلا أن الأمور تبدو مختلفة هذه المرة بشكل واضح. فالحكومة الباكستانية، كما تفيد التقارير الصحفية، تدرك تماماً أنها تواجه أوضاعاً اقتصادية عصيبة، وأن إقامة علاقات اقتصادية أوثق مع الهند ستكون بمثابة شريان حياة لاقتصادها المنهك، علاوة على أن المؤسسة العسكرية فيها تدرك أيضاً أن تهدئة جبهتها الشرقية أمر ضروري للغاية، حتى تتمكن من التفرغ لمواجهة الأخطار الأمنية في الداخل المضطرب. وكان البلدان قد وقعا هذا الأسبوع عدة اتفاقيات سيترتب عليها المزيد من التقليص لعدد الحواجز التي تقف حائلاً دون تطوير العلاقات التجارية بينهما، ومن ذلك على سبيل المثال مضاعفة قيمة التدفقات التجارية الصادرة والواردة بين البلدين لتصل إلى 6 مليارات دولار سنوياً بحلول عام 2015، وتخفيف القيود على التأشيرات للأغراض التجارية، وفتح مركز جمارك جديد عند معبر "واجاه" الحدودي الذي يقع في منتصف المسافة بين لاهور وامريستار. كما دفع البلدان بالإضافة إلى ذلك أيضاً بعدة مبادرات في الآونة الأخيرة لتعزيز التعاون في قطاع الطاقة منها مشروع مشترك لتطوير حقل للغاز في تركمانستان. وإذا ما قدر للعلاقات الاقتصادية بين البلدين صاحبي أكبر اقتصادين في منطقة جنوب آسيا أن تتطور، على مستوى أعمق، فإن ذلك يمكن أن ينتج عوائد اقتصادية وأمنية إيجابية للجوار بأكمله. وعلى رغم الروابط الحضارية، والتاريخية المشتركة بين بلدان المنطقة، إلا أنها مازالت حتى الآن متشرذمة اقتصاديّاً إلى حد كبير، كما يتبين من ضعف حجم التدفقات التجارية بين الهند وباكستان، على سبيل المثال، الذي لا يمثل سوى شريحة صغيرة للغاية من حجم تجارتهما الخارجية الإجمالي. وبالإضافة إلى ذلك يحول ضعف خدمات الطرق وقلتها، والتعقيدات القانونية والجمركية، والفساد، والرشاوى، أيضاً دون المزيد من فرص تطوير وتعزيز التبادل التجاري بين الدولتين. ويكفي أن نعرف هنا، كمثال فقط، أن الهند تشتري الإسمنت الذي يحتاجه قطاعها العقاري المزدهر من دول إفريقيا وليس من باكستان التي يوجد لديها فائض كبير للتصدير من هذه المادة. ويمكن للولايات المتحدة أن تدعم المبادرات الأخيرة الرامية لتعزيز التبادل التجاري بين البلدين، من خلال خطة لمساعدتهما على تعزيز الروابط التجارية العابرة للحدود، شبيهة بخطة مارشال لمساعدة الدول الأوروبية التي دمرت أثناء الحرب العالمية الثانية. ويمكن للأموال التي سيتم تخصيصها بموجب هذه الخطة المساعدة على تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، ومساعدتهما معاً على تحسين وتطوير التجارة الهزيلة والبنية الأساسية لمشاريع الطرق والنقل والجمارك والطاقة القائمة بينهما الآن. ومن المعروف أن خطة مارشال الأصلية كانت قد كلفت مبلغاً مذهلاً من المال -ما يزيد على 100 مليار دولار بتقديرات اليوم- وأن الكونجرس، الذي تتحكم فيه في الوقت الراهن ذهنية تقشفية، سيحجم تلقائيّاً، عن الدخول في أية مشاريع تكلف مبلغاً بمثل هذا الحجم. ولكن من حسن الحظ أن المشاريع المقترح دعمها من قبل هذه الخطة ستحتاج إلى مبلغ يتراوح ما بين 75-50 مليوناً سنويّاً فقط على مدى خمس سنوات، وهو ما يمكن توفيره من خلال إعادة توجيه التمويل المصرح به بالفعل في الوقت الراهن بموجب ما يعرف بـ"قانون تعزيز الشراكة مع باكستان 2009". فبموجب هذا القانون الذي يعرف أيضاً باسم "قانون كيري- لوجار- بيرمان" يتم تقديم 1,5 مليار دولار سنويّاً كمساعدة غير عسكرية لباكستان بدءاً من تاريخ اعتماد القانون (2009) وحتى عام 2013. ولكن نتيجة لعوامل عديدة ومتباينة، فإن الكثير من الاعتمادات المخصصة للتطوير الاقتصادي بقيت من دون صرف حتى الآن. ومشروع مارشال الهند- باكستان سيتكامل بشكل جيد مع مبادرة إدارة أوباما الجديدة المعروفة باسم مبادرة "طريق الحرير الجديد" المصممة لضمان الحيوية الاقتصادية لأفغانستان من خلال تحويلها إلى محور إقليمي للتجارة والطرق. ويمكن دعوة الدول الأخرى التي أشركتها الولايات المتحدة في مشروع طريق الحرير للمساهمة بمواردها في هذه المبادرة. ولاشك أن هذه الجهود ستجعل مهمة حماية المصالح الأميركية في مختلف أرجاء المنطقة أسهل مما هي عليه اليوم. وإذا ما قدر لتلك الجهود أن تترسخ في المدى الطويل فإنها ستشجع باكستان على تبني مقاربة أكثر موضوعية في أفغانستان التي تعتبرها إسلام آباد مسرحاً للتنافس والتنازع المزمن مع نيودلهي. وعلاوة على ذلك فإن تحقيق التقارب بين الهند وباكستان سيأخذ باكستان المسلحة نوويّاً، والتي تعاني من اختلالات وظيفية مع ذلك، بعيداً عن الطريق الذي سيقودها حتماً لأن تصبح دولة فاشلة. واحتمال تحول باكستان إلى دولة فاشلة هو احتمال يبعث على الخوف ولكنه محتمل الوقوع إلى حد كبير، ما لما تنظــر إسلام آباد إلى جارتها الأكثر ثراء بكثير على أنه يوفر فرصــة اقتصادية ولا يمثل تهديداً وجوديّاً. ديفيد كارل - لوس أنجلوس ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©