الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وقف الإبادة الجماعية.. مسؤولية أميركية

24 مارس 2017 22:36
بتاريخ 17 مارس 2016، أعلن وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري للعالم، أن تنظيم «داعش» الإرهابي يرتكب جرائم إبادة جماعية ضد المسيحيين وبقية الأقليات الدينية في الشرق الأوسط. وكان التصريح مهماً لأنه يمثل الإعلان الرسمي الثاني لحكومتنا عن وقوع جرائم الإبادة الجماعية على نحو متواصل وممنهج. وكان الإعلان الأول قد أتى من دارفور، حيث قدّر بعض الخبراء عدد الذين قتلوا هناك وفق هذا المخطط حتى الآن بأكثر من 300 ألف شخص. وكان الكونجرس قد شرّع قانوناً بتاريخ 14 مارس 2016 يقضي بأن «داعش» يواصل برنامج الإبادة الجماعية ضد الأقليات الدينية والإثنية، بما فيهم المسيحيون والإيزيديون، بأغلبية 393 صوتاً ضد صفر من الأصوات. واتفق أعضاء مجلس الشيوخ بالإجماع على متابعة القضية أواخر العام الماضي. وعمد «دوجلاس البازي»، قسيس الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية العراقية الذي انتقل إلى أربيل في إقليم كردستان، إلى إنشاء مركز لإيواء اللاجئين المسيحيين المهجّرين من منطقة سهل نينوى. وأصبح على دراية واسعة بأعمال الاختطاف والتعذيب ومصادرة الأملاك التي تعرض لها الضحايا، وخاصة لأنه هو ذاته كان واحداً ممن تعرضوا للأسر والتعذيب في بغداد عام 2009 من طرف مجموعات متطرفة مختلفة. وقال لي خلال لقاء جمعني به في أروقة الكونجرس عقب تشريع قانون الإبادة الجماعية، مستخدماً تعابير دقيقة، إن القرار الذي اتخذه الكونجرس هو «الخطوة الأولى الصحيحة». وشدد على أن هذا القرار لا بدّ أن يكون متبوعاً بعمل مباشر ودقيق من جانب الحكومة الأميركية. وبعد انقضاء عام على اتخاذ أميركا لقرارها بتنفيذ الخطوة الأولى في ذلك الاتجاه، لا يزال «البازي» وبقية المسيحيين العراقيين في انتظار الخطوة التالية التي تتلخص بتبنّي عمل حاسم وفعّال. وبالرغم من أن الأمر يتعلق بجرائم إبادة جماعية، إلا أن حكومتنا اعتمدت خلال ما تبقى من عام 2016، خطة العمل المهادن. ومنذ بداية حملة الإبادة الجماعية ضدهم وحتى الآن، لم يتلقَّ معظم المسيحيين المهجّرين من العراق إلى أربيل أية مساعدات من الولايات المتحدة أو من الأمم المتحدة. وخلال زيارة قمنا بها إلى العراق الربيع الماضي، تحدثنا إلى مجموعة من الإيزيديين الذين اشتكوا من تجاهل مشابه لأوضاعهم الصعبة. وقال لنا مسؤولون كبار في كل من الأمم المتحدة والحكومة الأميركية، إن ذلك يعود لتبني أسلوب مواجهة الاحتياجات الفردية للنازحين بدلاً من الاهتمام بحاجاتهم الجماعية. واعترفوا لنا بأنهم لم يتخذوا أي إجراءات لتلبية تلك الحاجات حتى لو كانت تلك الجماعات تتعرض للإبادة الجماعية. وهذا يعني أن نيّة تقديم المساعدة أو إعادة التوطين لأولئك الذين أصبحوا أهدافاً لخطة الإبادة، لم تعد مبنية على أساس اعتبارهم مجتمعات معرضة بأجمعها للخطر. ولسوء الحظ، كان تجاهل الانتماء الديني لتلك الجماعات بمثابة الورقة الرابحة بالنسبة للأنظمة التي تتبنى خطط الإبادة الجماعية، ويمكن اعتباره وكأنه حكم بالموت على تلك الجماعات. وهو الذي ساعد «داعش» على مواصلة جرائمه بحقهم. ويمكن القول، إن مسيحيي المنطقة يجتازون الآن نقطة تحول. وبالرغم من تضارب الأرقام، إلا أن التقديرات الأقرب إلى الحقيقة تشير إلى أن عدد الطائفة المسيحية في العراق انخفض من مليون إلى أقل من 250 ألفاً خلال السنوات القليلة الماضية بسبب الممارسات الوحشية لـ«داعش». وانخفض عدد السكان المسيحيين في سوريا بشكل كبير أيضاً. ويمكن القول الآن إن «الانقراض» أصبح احتمالاً وارداً بالنسبة لهذه المجتمعات. وبالعودة إلى أيام الحرب العالمية الأولى، فلقد عززت الولايات المتحدة من حملاتها الهادفة لمساعدة المجموعات البشرية الواقعة تحت التهديد. وكان الأرمن وبقية مسيحيي الشرق الأوسط الذين كانوا هدفاً للإمبراطورية العثمانية، قد تلقّوا عشرات ملايين الدولارات كمساعدة إنسانية من حكومة الولايات المتحدة ومن الشعب الأميركي ذاته، وحصل اليهود الناجون من المحرقة اليهودية «الهولوكوست» على الأفضلية في برنامج إعادة التوطين. وفي تاريخ لاحق، مدت أميركا يد المساعدة للناجين من مذابح الإبادة الجماعية في دارفور. ورصدت الولايات المتحدة ما يزيد على 7 مليارات دولار للسودان منذ عام 2003، وقدمت أكثر من 2.7 مليار دولار كمساعدة إنسانية لدارفور خلال تلك الفترة. وأما في العراق، فإن الغالبية العظمى من الناجين من حملة الإبادة الجماعية لا زالوا ينتظرون المساعدة. وهناك عشرات الألوف من المهجرين المسيحيين في أربيل. كما أن الإيزيديين لم يتلقوا أي مساعدات من حكومة الولايات المتحدة، وتتلخص كل أوضاعهم الآن في أنهم ما زالوا هدفاً لحملة الإبادة الجماعية التي يشنّها تنظيم «داعش» بلا هوادة. ويشكل التخلي عن هؤلاء الناجين من المذبحة، وإبقاؤهم على معاناتهم خلال السنتين الماضيتين وصمة عار في تاريخ السياسة الخارجية الأميركية. وأصبح التخلي عنهم أمراً غير معقول ولا مقبول. ومنذ انتخابات عام 2016 في الولايات المتحدة، قال قياديون مسيحيون عراقيون، إنهم لمسوا بعض مشاعر التعاطف الجديدة معهم من مسؤولين أميركيين بارزين. ويعدّ هذا أمراً جيداً يستحق الثناء، إلا أن التعاطف وحده لا يكفي، بل يجب أن يتحول إلى عمل فعّال. وقبل أقل من عام، قال المرشح للرئاسة الأميركية في ذلك الوقت دونالد ترامب: «لقد تركنا المسيحيين ليتعرضوا لاضطهاد فظيع وحتى لعملية إبادة جماعية. ولم نفعل شيئاً لمساعدة المسيحيين في الشرق الأوسط.. لا شيء على الإطلاق. وعلينا أن نشعر بالخجل الدائم بسبب امتناعنا عن القيام بعمل». وله كل الحق في أن على بلدنا كله أن يشعر بالخجل من هذا التقصير. والآن، وبعد أن ورثت إدارته هذه المشكلة، فلقد أصبح في وضع الإنسان المؤهّل لحلها. وينبغي على إدارة ترامب تصحيح الأخطاء التي ارتكبت بعد أن تحملت تلك المجتمعات المسيحية الكثير من المعاناة بسبب امتناع الدولة عن تبنّي ثلاث خطوات مهمة وعاجلة هي: أولاً، التأكد من عدم تجاهل أو استبعاد أي فئة تعاني خطر الإبادة الجماعية من برنامج الحكومة الأميركية للمساعدات الخارجية. وعلى الأقل، يتحتم علينا أن نفعل في هذه الحالة ما سبق لنا أن فعلناه في دارفور من خلال صندوق المساعدات. ثانياً، على الولايات المتحدة أن تطالب الأمم المتحدة بمساعدة المجتمعات التي تعاني خطر الإبادة الجماعية وذلك بضمّها إلى قوائم الأطراف التي تستحق المساعدات الإنسانية. وثالثاً، علينا أن نواصل العمل مع المجتمع الدولي لدحر تنظيم «داعش» وإحضار الجناة الذين مارسوا أعمال الإبادة الجماعية إلى العدالة. ويجب على الكونجرس أن يبادر إلى العمل بالسرعة القصوى على إقرار مشروع القانون H-R 390 – لمحاسبة المسؤولين عن أعمال الإبادة الجماعية في سوريا والعراق الذي يتبناه بعض النواب «الجمهوريين». وسوف يساعد هذا القانون في التأكد من أن المساعدات الملحّة سوف تصل إلى تلك المجتمعات التي تتعرض للخطر. وفي ظل هذا القانون، يتوجب على حكومة الولايات المتحدة أن تسرع بإرسال المساعدات إلى الكيانات التي تتألف من مهجّري الأقليات الدينية والإثنية المستهدفين بجرائم الإبادة الجماعية. وينبغي على الإدارة الجديدة أن تبدأ بتصحيح الأخطاء السابقة، وأن تتبع خطة جديدة. ويمكنها أن تعمل بسرعة على وقف عمليات الإبادة الجماعية، وإلا فإنها سوف تتواصل. * محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©