السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حضور أنيق وفعل هش

حضور أنيق وفعل هش
26 فبراير 2014 21:18
تعتبر المكتبة العامة مؤسسة ثقافية، تعليمية، مجتمعية تفاعلية هامة تلعب دوراً مؤثراً في تكوين ثقافة الانسان، وتشكيل وعيه المعرفي وتطوير تواصله الفكري والثقافي مع محيطه الجغرافي، إلى فضاءات وثقافات أخرى، يقلصها حجم وطبيعة النشاطات الثقافية والفكرية التي تقوم المكتبة العامة بها. تنشأ المكتبة لتخدم نطاقاً جغرافياً محدداً، بشكل متساوٍ للجميع من دون تمييز، ومجاناً، وتقاس عليه رفعة الأمم وتحضرها باتساع المساحة الجغرافية التي تقوم على خدمتها المكتبة العامة. تتمتع إمارة رأس الخيمة بالكثير من الجمعيات الشعبية التراثية، التي تعنى بالتراث والثقافة الشعبية، والمؤسسات الأهلية الرياضية، والثقافية التي تعنى بالشباب ونشاطاتهم، وبعض المكتبات الصغيرة الأهلية المتفرقة بحضورها ووزنها المعرفي تحمل على عاتقها همَّ استقطاب الشباب، والنهوض بالثقافة وتفعيل الحراك الفكري في هذه الإمارة التاريخية التي تنبض ذاكرتها بأعلام رواد تخرجوا في ربوعها، وأثروا مسيرتها بالكلمة والفكر. ولكن، ماذا عن غياب المكتبات العامة في إمارة رأس الخيمة، تفتح أبوابها وخدماتها مجاناً لكافة الفئات العمرية والثقافية، من كتّاب، وباحثين ومدرسين ومهتمين، تقوم بواجباتها الثقافية والفكرية، في الارتقاء بالمواطن فكرياً، وتثقيفه وتحسين البيئة الفكرية التي يعيش فيها، عبر تشجيع الحوار بين الثقافات، وتأكيد التنوع الثقافي، بنشاطات اجتماعية، ثقافية وفنية تقام على مدار العام؟ مركز وحيد يعتبر مركز وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع في رأس الخيمة، المركز الوحيد بالإمارة المجهز بخدمات مكتبية حديثة متمثلة بالمكتبة العامة، ومكتبة الطفل، وهما مكتبتان عصريتان، من ناحية الشكل، والترتيب، والأناقة، والمساحة الكبيرة الواسعة المتضمنة لمختلف أشكال وفئات مصادر المعلومات في شتى فروع المعرفة الإنسانية عبر معايير ومواصفات مهنية متخصصة، ونظم إدارية وتقنية حديثة. وحدد المركز أهدافه من إنشاء مكتبة عامة على مساحة كبيرة بطابقين، تضم ما يقارب 65000 عنوان بما يعادل 350000 وعاء معرفي بشكليه المطبوع والإلكتروني، بتنفيذ مشاريع وبرامج لدعم ثقافة القراءة بين أفراد الامارة، وتشجيع اكتساب مهارات المعرفة المعلوماتية، والمساهمة في الحياة الاجتماعية عبر المشاركة الجماعية، مع الحث على الاستفادة من أوقات الفراغ في المكتبات والمشاركة في برامجها. ولكن ماذا يقول الواقع الملموس عن قدرة المكتبة العامة في إمارة رأس الخيمة، على تحقيق أهدافها التي رسمتها لنفسها؟ هل تلبي حقا بنشاطها وحضورها الراهن، حاجة سكان رأس الخيمة المتنامية، للتفاعل الثقافي والفكري بشتى أنواعه؟ وهل استطاعت حقا خلق التفاعل الاجتماعي بينها وبين بقية البيئات الثقافية في الإمارات العربية المتحدة؟ طغت الشكوى، وعبارات العتب، على آراء أغلب المثقفين والباحثين في رأس الخيمة من سوية الكتاب، وغياب الدور الفعال للمكتبة العامة، الذي برأيهم يتجاوز الفهم التقليدي لدورها في تجميع الكتب، وتكديسها، بانتظار القراء لزيارتها الى حضور فعال وحي بنشاطات وندوات ومعارض، يتواصل فيها المثقفون والقراء، يتفاعلون في رحابها ويتبادلون الفكر والآراء وتطورات المشهد، أسوة بنشاطات المكتبات العامة في بقية الإمارات العربية، ودول العالم التي تشهد حيوية ونشاطاً لا يتوقف، وإن أجمع الجميع على حسن التعامل والخدمة. طبيعة الدور د. عبدالله الطابور، الباحث والكاتب المعروف بمطبوعاته على صعيد الإمارات، رأى أن المشكلة ليست بالمكان، ولا بأناقته وهندسته الجميلة، والتعامل الحسن، بقدر ان المشكلة في طبيعة الفهم لدور المكتبة الذي يعاني لدينا من الانغلاق، وكأنها وظيفة يومية وتنتهي مع انتهاء الدوام. المكتبة ليست رفوفا للكتب بل هي مؤسسة ثقافية يجب أن يكون هناك تواصل دائم مع الكتاب والمؤلفين والباحثين. للأسف زرتها مرة أو مرتين لإهدائهم بعض مؤلفاتي، ولم أعد، فالجو العام كئيب وحزين ولم أجد بها شيئاً سوى مخزن للكتب، لا أستطيع مقارنتها بمكتبات لها دور وشأن مثل الشارقة ودبي، والقائمين عليها يجب أن يدركوا أنها ليست وظيفة فقط. تراجع القراءة د. حمد بن صراي، أستاذ جامعي وباحث في التاريخ، رأى أن المكتبة بوضعها الحالي تناسب وضع رأس الخيمة الثقافي المتراجع والذي يشهد عزوفاً عن القراءة والتواصل مع الكتاب. وقال: أزورها دائماً وأقدم لها مؤلفاتي وأتعامل معها بالمراجع العامة، وإن كنت أتمنى أن تكون أغنى، وأن تعوضنا عن فقدان مكتبة مركز الدراسات والوثائق بعد إلغائها وضمّها إلى إدارة المتحف في رأس الخيمة، لأنها كانت فاعلة ومؤثرة بنشاطها الثقافي وإصداراتها وأسبوعها الثقافي ومراجعها النادرة على مستوى الإمارات ككل. لا مقارنة د. علي الفارس، مدير مركز الدراسات والوثائق في المتحف الوطني برأس الخيمة، قال باقتضاب: إن المكتبة هزيلة وبائسة لا تقارن بنشاط ونوعية الكتاب في مركز الدراسات والوثائق الذي أغلق بعد ضمه إلى إدارة المتحف الوطني برأس الخيمة وتحويل مكتبته التي تحتوي أكثر من 50,000 عنوان بعضها نادر إلى مكتبة عامة تابعة للمتحف تفتح أبوابها مع افتتاح أوقات المتحف وتغلق بإغلاقه. أما عن فقدان الباحثين لنشاطها ودورها الفاعل في تحريك المشهد الثقافي في الإمارة فأجاب باختصار: لقد ألغي النشاط مع إلغاء استقلالية المركز وضمّه إلى المتحف.. تفتقر إمارة رأس الخيمة للدعم المالي من قبل المؤسسات الحكومية والخاصة، التي قلما تشارك في رعاية ودعم نشاطاتها الثقافية والفكرية والفنية التي باتت نادرة وقليلة، ويضطلع بها بعض من مثقفيها الذين لا يستطيعون التفرغ لأمور الفكر والثقافة، لارتباطهم بوظائف يرونها ضرورية لتحقيق الاستقرار المادي والمعنوي لا يستطيع النشاط الثقافي ان يحققه، وهو عبء مالي كبير لا يستطيع مركز وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع في رأس الخيمة القيام به بمفرده لضعف الميزانية المخصصة له، والتي بالكاد تغطي الخطة البرامجية السنوية، المرسومة له من قبل الوزارة في أبوظبي. تفاعل جيد وأوضحت موزة سالم المسافري مديرة المركز في رأس الخيمة: ان المجتمع المحلي في رأس الخيمة متعطش للمعرفة وللثقافة بأساليب جديدة تواكب التطور والحداثة، ولكن ميزانيتنا لا تسمح لنا بأكثر مما هو مرسوم لنا في الخطة. وأيدت المسافري آراء غالبية المثقفين حول ضعف التنوع، وغياب التجديد في المراجع البحثية والكتب المتوافرة. وأضافت: هذا أمر نحاول علاجه من خلال ملاحظات زوار المكتبة، التي نرفعها الى لجنة ادارة المكتبات في أبوظبي التي تقرر ما لديها وما هو متوافر وهي تقوم بتزويدنا بالكتب أربع مرات في السنة. ورأت، من وجهة نظرها، أن تفاعل المركز ثقافياً وفكرياً جيد، وهو يقوم بالكثير من النشاطات بالإمكانيات الممكنة، وتطمح للوصول أكثر للشباب الذين لا يتفاعلون مع نشاطات المركز ودوره الثقافي والفكري. اختلفت الآراء وتشعبت إلى مناحٍ أخذتنا في دروب كثيرة أساسها، كيفية النهوض بالفكر الاجتماعي، وتجديد حماس الإبداع والتواصل الفكري، في إمارة البحار والعلامة أحمد بن ماجد، وإمارة الشاعر والفيلسوف ابن ظاهر في رأس الخيمة، وإن أجمعت الآراء على اختلافها على الحاجة الماسة لمظلة ثقافية قلبها مكتبة عامة تقوم بواجباتها التفاعلية والثقافية بحماس يشبه حماس أبناء رأس الخيمة في النهوض بواقع إمارتهم كما كانت منارة ثقافية وفكرية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©