الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الثورات الصناعية... من حلم الآلة البخارية إلى عاصفة التكنولوجيا الرقمية

الثورات الصناعية... من حلم الآلة البخارية إلى عاصفة التكنولوجيا الرقمية
24 مارس 2017 20:25
مصطفى عبد العظيم (دبي) شكلت الثورات الصناعية التي مر بها العالم، نقطة تحول رئيسة في تاريخ البشرية، وأثرت بشكل كامل في جميع نواحي الحياة بشكل لم يسبق له مثيل، فمنذ اختراع الآلة البخارية في منتصف القرن الثامن عشر انطلق العالم في سباق متسارع نحو الصناعة والتصنيع والابتكار الذي لم يتخطَّ فقط حدود الجغرافيا، بل تجاوز كذلك مدى الإدراك ونطاق التخيل. ومنذ ذلك الحين مر العالم بثلاث ثورات صناعية هائلة تغير معها وجه البشرية، وأحدثت تحولات علمية واقتصادية واجتماعية كبرى غطت العالم بأثره، حيث جاءت الثورة الأولى (1760 &ndash 1840) مدفوعة باختراع المحرك البخاري، فيما انطلقت الثورة الثانية في نهاية القرن الـ19، واستمرت حتى أوائل القرن الـ20 مدعومة بالكهرباء، وفي الستينيات من القرن نفسه ظهرت الثورة الثالثة عبر الكمبيوترات المركزية ثم الشخصية والإنترنت فيما بعد. وشكلت الشرارة الأولى للثورة الصناعية في بريطانيا باكتشاف الآلة البخارية في ستينيات القرن الثامن عشر، نقطة انطلاق تسارعت معها وتيرة ازدهار صناعة النسيج والصلب واستخراج الفحم الحجري، وتوسعت شبكات المواصلات وظهرت الجسور الحديثة، وإن كانت السكك الحديدية لم تظهر إلا في أواسط القرن التالي. ويبقى قيام الثورة الصناعية الأولى في المقام الأول تتويجاً منطقياً لتطور علمي هائل جاء ثمرة النهضة الأوروبية التي قامت قبل ذلك بقرنين، كما أنه -بدرجة أقل- نتيجة منتظرة لازدهار الصناعة التقليدية والتجارة العالمية، مع ما رافق ذلك من بروز الحاجة إلى وسائل وأدوات إنتاجية تُمكن من الاستجابة للحاجة المتزايدة للسوق العالمية التي لم تعد الصناعة التقليدية اليدوية قادرة على تلبيتها. لكن لا بد من إبراز حقيقة أن تطور إنتاج الفحم الحجري في بريطانيا -وهو مصدر الطاقة الأهم في العالم حينها- فتح عيون الفاعلين الاقتصاديين على استشراف آفاق توظيف هذه الإمكانيات على نحو أنجع بإدماجها في القاعدة الإنتاجية. ويرى مؤرخون أن الثورة البريطانية امتدت من 1770 إلى 1830، وهو ما مكّن بريطانيا من تحقيق تفوق هائل جعلها القوة الاقتصادية والعسكرية الأولى في العالم إلى أواسط القرن العشرين، ومع بدايات القرن التاسع عشر، عرفت دول أوروبا -وعلى رأسها فرنسا- التصنيع متأثرة بالثورة الصناعية البريطانية، وقد دخلت فرنسا عصر التصنيع بشكل فعلي بعد ثورة 1789، وتحديداً خلال ما يُعرف بفترة «ملكية يوليو»، أي في حدود سنة 1830. وفي تلك المرحلة، كانت ألمانيا هي الأخرى -ومعها أغلب بلدان أوروبا الغربية- تخطو على نفس الطريق، كما انتشر إشعاع الثورة الجديدة إلى أميركا الشمالية. ولم تصبح ألمانيا دولة صناعية إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، متخلفة عن سويسرا وبلجيكا اللتين عرفتا التصنيع على نطاق مهم منذ أربعينيات ذلك القرن. الثورة الصناعية الثانية تتجلّى الثورة الصناعية الثانية في إدخال الآلات والآلية إلى الوحدات الإنتاجية، وبالتالي توسّط الآلة بين العامل وموضوع العمل وتزايد العمليات المنجزة بمساعدة الآلات. وإذا كان جوهر الثورة الصناعية الأولى يُعبّر عنه في استبدال الوسائل المادية الآلية بالوظيفة العضلية للعامل؛ فإنّ جوهر الثورة الصناعية الثانية، يُعبّر عنه في استبدال الوسائل المادية الآلية أيضاً ببعض الوظائف العقلية للعامل، والتي أحدثت قفزة نوعية جديدة في الإنتاج الصناعي، وبذلك، يكون الهدف الوحيد للاستبدال هو: الإحلال الفيزيائي للآلة محل العامل. وشكلت الثورة الصناعية الثانية، أو المعروفة أيضاً باسم الثورة التكنولوجية، مرحلة جديدة ضمن الثورة الصناعية الكبرى وتوافق النصف الثاني من القرن التاسع عشر حتى الحرب العالمية الأولى، وقد بدأت مع طريقة بسمر لتصنيع الصلب في ستينيات القرن التاسع عشر، وبلغت ذروتها في إنتاج كميات كبيرة والوصول إلى خط الإنتاج. ويرى المؤرخون أن الثورة الصناعية الثانية هي الثورة التي أدت إلى استمرار الثورة الصناعية الأولى وتميزت هذه الثورة مع زيادة اعتماد النقل والبخار والتصنيع على نطاق واسع من أدوات الآلات، والزيادة في استخدام الآلات البخارية في الشركات، حيث بنيت العديد من خطوط السكك الحديدية مع التوجه نحو منتجات الصلب والحديد على نطاق واسع. وفي أواخر القرن التاسع عشر، عزز اكتشاف الباحث الأميركي توماس أديسون للكهرباء والمصباح الكهربائي الذي يعد آخر اختراع رئيس في المرحلة الثانية من الثورة الصناعية وما تلاه من الاتصالات الكهربائية، الأمر الذي قاد قاطرة التطور الصناعي السريع في هذه الفترة في أوروبا الغربية (بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، والبلدان المنخفضة)، وكذلك الولايات المتحدة واليابان، وبعد ذلك توالت الإنجازات العلمية بابتكار طرق لتكثيف الموجات الصوتية وظهور التليفون والإذاعة والتلفزيون والطائرة. الثورة الصناعية الثالثة يتجسّد جوهر الثورة الصناعية الثالثة في تحقيق تحوّل نوعي في عملية الإنتاج، من خلال إدخال الأتمتة: أي إدارة الآلات ذاتياً بوساطة التحكّم الآلي (الأوتوماتيكي)، ويعد هذا التطور الذي قاد إلى تعديلٍ عميق في وضع العامل في أثناء عمليات الإنتاج، إذْ يحلّ نظام ضبط يعمل بصورةٍ منفصلة ومن بعد، محل الصلة المباشرة بين العامل والآلة. فضلاً عن ذلك، نجم عن الأتمتة نتائج جوهرية أخرى منها مثلاً: ضبط نوعية عملية الإنتاج والإنتاج الجاهز، إضافة إلى ضبط تيار المعلومات، ولذلك تمثّل الثورة الصناعية الثالثة انتقالاً كيفياً إلى مرحلةٍ جديدة في تطوّر الإنتاج الآلي الكبير. وبدءاً من النصف الثاني للقرن العشرين، تطوّرت فنون تقنية جديدة لاستخدام آلات لا تتطلّب تدخل العامل باستمرار، إنما تُدار عن طريق التوجيه الإلكتروني المنظّم مسبقاً بحسب المعطيات، والمتعلّق بالعمليات المطلوب تنفيذها. وتتجلّى الثورة الصناعية الثالثة، أكثر ما تتجلّى، فيما يُعرف بصناعات المقدرة العقلية مثل: الاتصالات والحاسبات الآلية وأجهزة الإنسان الآلي (الروبوت) والإلكترونيات الدقيقة وصناعة المواد الجديدة وتقانة الطاقة النووية وصناعة المعلومات. وقادت الثورة الصناعية الثالثة إلى انتشار التكنولوجيا انتشاراً متزايداً وسريعاً في جميع القطاعات الاقتصادية، إذ باتت تكوّن العنصر الأساسي للنمو الاقتصادي، كما أسهمت في تحويل الاقتصادات التي كانت قائمة على إنتاج السلع والخدمات إلى اقتصاديات قائمة على إنتاج المعلومات وتوزيعها، ما نقل الثقل الاقتصادي من الاقتصاد المادي إلى اقتصاد المعرفة. وأصبحت المعلومات مورداً اقتصادياً استراتيجياً جديداً ومكمّلاً للموارد الطبيعية، كما ساعدت في انتشار ظاهرة العولمة بإدماج الاقتصادات المنعزلة والمستقلّة في اقتصادات عالمية متشابكة ومتنافسة، وبذلك، أصبح النمو الصناعي والتقدم الاقتصادي يعتمدان أكثر فأكثر على المعرفة والتكنولوجية. يتفق كُثر على القول، إن الباحث الاقتصادي الأميركي الشهير جيريمي ريفكين، هو أحد أبرز الوجوه التي أسهبت في تحليل الثورة الصناعية الثالثة عبر كتابه «الثورة الصناعية الثالثة»، الذي تضمن شرحاً مفصلاً عن كيفية تشكيل تكنولوجيات الثورة الرقمية ومصادر الطاقة المتجددة، شرارة إنتاج الثورة الصناعية الثالثة. وعلى مدى صفحات الكتاب، حاول ريفكين تبيين كيف أن تكنولوجيات الثورة الرقمية، وفي مقدمتها الإنترنت ومصادر الطاقة المتجددة، يمكنها أن تقود البشر نحو مستقبل أفضل وأن تقدّم الكثير من الحلول للمآزق الكبرى التي تواجهها البشرية اليوم، ويرى أنها يمكن أن تخلق آلاف المشاريع والمؤسسات، ما سيسمح بتشغيل العاطلين عن العمل عبر توفير ملايين الفرص، كما أنها ستفتح آفاقاً جديدة لعلاقات إنسانية أكثر انفتاحاً على الآخر، بدلاً من العلاقات التي أنتجها اقتصاد السوق والليبرالية العشوائية. الثورة الصناعية الرابعة يقف العالم حالياً على بداية عصر جديد في الصناعة والتصنيع لا تقوده الآلة أو التقنيات الحديثة التي غيرت في ما يحيط بالبشر، بل تقوده ابتكارات غير مسبوقة يتوقع أن تقود البشر أنفسهم إلى التحول، وفقاً لما يراه البروفيسور كلاوس شواب مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي في كتابة الأخير «الثورة الصناعية الرابعة، الذي يرصد فيه التحولات الهائلة التي يمكن أن تحدثها التكنولوجيا الرقمية في رسم المستقبل، الذي تشكله الطابعات ثلاثية الأبعاد، ويقوده الذكاء صناعي، والروبوتات الذكية، ويوجد به حرس حدود آليون، باستطاعتهم قنص من يحاول تجاوز التخوم، وسيارات ذاتية القيادة، وكمبيوترات شديدة البراعة، باستطاعتها أن تكتب القصص وتنافس خيال رواد الروايات. ويرى شواب أن الثورة الرابعة بدأت فعلياً «مطلع هذا القرن، معتمدة على الثورة الرقمية، وتتميز بأنها أكثر شمولية، وتعتمد على الإنترنت المتحرك، وتطور أجهزة الاستشعار لتصبح أكثر قوة وأقل سعراً، وكذلك الذكاء الصناعي، والتحول الآلي علاوة على التقنيات الرقمية، والأنظمة الذكية التي تميز هذه الثورة وتسرّع من وتيرتها بخلاف ما سبقها. ويرتبط مفهوم «الثورة الصناعية الرابعة»، الذي كانت ألمانيا المبادرة إلى إطلاقه، بأتمتة الصناعة، والتقليل من عدد الأيدي العاملة فيها، بحيث يقتصر الدور البشري في الصناعة على المراقبة والتدقيق، وشرط الوصول إلى ذلك وجود قدرات علمية توظف في امتلاك بنية تقنية ورقمية متطورة، إلا أن الإيجابيات الكبيرة التي يمكن أن تحققها هذه «الثورة»، لصالح البشرية، تقابلها سلبيات ستترتب عليها وستعاني منها المجتمعات، بما فيها مجتمعات الدول المتقدمة. وقال مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي، إن الثورة الصناعية الرابعة، التي ازدهرت على أساس الثورة الصناعية الثالثة المتمثلة في تطور تكنولوجيا الكمبيوتر والإنترنت، ستربط العلوم الفيزيائية أو المادية بالرقمية والبيولوجية، كما أنها تتميز بثلاث مميزات، الأولى هي سرعة تطورها بمعدل النمو الأسى بدلاً من معدل النمو الخطي، حيث إن التكنولوجيا الحديثة تدفع دائماً تطور وظهور تكنولوجيا أحدث وأقوى. فعلى سبيل المثال، ظهر هاتف آي فون العام 2007، وأصبح منتشراً في الشوارع والأحياء، وحتى نهاية العام 2015، بلغ عدد الهواتف الذكية 2 مليار جهاز في أنحاء العالم. أما الميزة الثانية، فتتمثل في زيادة حجم الفوائد بالنسبة للفرد الواحد، ففي العصر الرقمي، تحتاج الشركات إلى عدد قليل من الموظفين وحجم صغير من المواد الخام لإنتاج منتجات ذات فوائد كبيرة، وبالنسبة إلى الشركات الرقمية، تنخفض تكاليف التخزين والنقل وإعادة إنتاج منتجاتها إلى صفر. وتتطور بعض الشركات القائمة على التكنولوجيا من دون رأسمال كبير مثل إنستجرام وواتس آب وغيرهما. وبالنسبة للميزة الثالثة للثروة الصناعية الرابعة، يشير شواب إلى أن التنسيق والتكامل بين الاكتشافات المختلفة أصبح أكثر شيوعاً. وقد تم تبادل الفوائد بين تكنولوجيا التصنيع الرقمي وتكنولوجيا البيولوجيا، وزاد استخدام المصممين والمهندسين المعماريين للتصميم الرقمي وعلوم المواد الحديثة وعلم الأحياء الصناعية في ابتكار وإنتاج المنتجات الحديثة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©