الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوباما... وتحويل الأصدقاء إلى أعداء!

28 مارس 2010 21:26
لطالما فرح العالم وهلل لقدوم أوباما إلى البيت الأبيض. ولما كان الرئيس السابق بوش قد أثار غضب الكثير من الأمم في مختلف أنحاء العالم بسياساته الأحادية القائمة على منطق القوة، فقد كان استبدال إدارته بإدارة أوباما، مبرراً لأن يتنفس الكثيرون الصعداء. وقد وعدت الإدارة الجديدة بفتح أبواب التفاوض مع إيران وكوريا الشمالية وبورما وسوريا وحركة "طالبان". ولكن بات في وسعنا جميعاً اليوم أن نرى إلى أين وصلت بنا تلك النوايا الحسنة التي تنقصها الخبرة في إدارة الشؤون الدولية. فمن بين الدول المذكورة جميعها، لم ترحب سوى سوريا بالمبادرة الأميركية الجديدة، غير أنها هي نفسها أصرت على ألا تغير شيئاً من سياساتها التي كانت تنتقدها بسببها واشنطن. أما فيما يتعلق بـ"طالبان"، فقد ذكر كارل إيدي -مبعوث الأمم المتحدة إلى أفغانستان سابقاً، الذي استقال من منصبه الأسبوع الماضي- أن الحركة أوقفت المفاوضات معه على خلفية اعتقال السلطات الباكستانية لعدد من كبار قادتها، استجابة لضغوط واشنطن وإصرارها على تلك الاعتقالات. والمسألة هنا ليست لها صلة بخطأ ارتكبته واشنطن في إصرارها ذلك. فاعتقال قادة حركة "طالبان" يعد استراتيجية أكثر فعالية من مفاوضات سرية يجريها مبعوث أممي نرويجي مغمور مع قادة الحركة. وفي الوقت نفسه، لم تسفر الانتخابات المثيرة للجدل في إيران، ولا الاختبارات النووية التي أجرتها كوريا الشمالية، ولا تعنت السلطات القمعية الحاكمة في بورما، عن النتائج الإيجابية التي أرادتها واشنطن. وليس في كل هذه المواقف والممارسات ما يثير دهشة أحد بأي حال. وعلى أقل تقدير، فليس لنا أن ننكر على أوباما صدق محاولاته ومبادراته. غير أن المفاجئ والمثير للدهشة حقاً هو نجاحه الكبير في تحقيق عكس ما أراد: سرعة تحويل عدد كبير من الأصدقاء إلى أعداء! وربما يستغرب بعضنا على سبيل المثال، كيف احتضنت واشنطن حامد كرزاي، على رغم ما يقال عن بعض أجنحة حكومته من فساد وتزايد ميول أوتوقراطية؟ ولكن علينا أن نتساءل في الوقت ذاته عن الكيفية التي يمكن بها لواشنطن أن تكسب حربها هناك، دون التعاون مع الرئيس الأفغاني؟ يذكر أن بوش كان قد واظب على عقد مؤتمرات الفيديو مع كرزاي، على رغم تراجع شعبية هذا الأخير. ولكن يلاحظ أن أوباما واصل تجاهله للقائد الأفغاني، وهو ما يثير في الأخير شعوراً بالإساءة والارتباك. وقد أخذت هيلاري كلينتون عن رئيسها بعض هذا السلوك. وعليه فإن تتابع سلسلة الزيارات المتكررة التي يقوم بها جنرالات واشنطن إلى كابول، وكذلك زيارات عدد من مستشاري البيت الأبيض، لا تفعل شيئاً سوى تأكيد تجاهل القائد الأعلى في واشنطن لنظيره الأفغاني. وكذلك كان بوش على صلة وثيقة مع الصين. فقد كانت إدارته بحاجة إلى العون الصيني في عدد من مبادرات واشنطن الدولية، بما فيها نزع أسلحة كوريا الشمالية النووية، ودعم عقوبات الأمم المتحدة ضد طهران، إضافة إلى سياسات الطاقة والاقتصاد... إلى آخر قائمة القضايا الطويلة التي لا تنتهي تقريباً. ولم تحقق الإدارة السابقة نجاحاً يذكر في حل أي من المشاكل والقضايا المذكورة، بيد أن واشنطن تربطها الآن مع بكين أسوأ علاقات يمكن تصورها. ولا يقع اللوم في هذا على واشنطن وحدها. فقد واصلت بكين خلال السنوات الأخيرة تصدير شحنات كبيرة من الأغذية ولعب الأطفال المسمومة والأدوية الفاسدة إلى الولايات المتحدة وغيرها من الدول. وتعتبر الصين اليوم هي الدولة الأولى عالمياً من ناحية انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. كما بدأت للتو دعم الهجمات الإلكترونية، مشجعة بذلك موقع شركة "جوجل" الإلكتروني على نقل عملياته إلى هونج كونج خلال الأسبوع الحالي. ولكن هل تؤمل إدارة أوباما في تخفيف توتر علاقاتها مع بكين عن طريق إثارة غضبها وتوجيه الإساءات المستمرة إليها؟ يذكر في هذا الصدد أن أوباما التقى مؤخراً بالدالاي لاما، عدو بكين اللدود. ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، بل لقد وافق أوباما على مبيعات أسلحة متقدمة لتايوان، مثيراً بذلك غضب الصين. وها هو يعلن حرباً تجارية عليها، استناداً إلى مزاعم تتعلق بتعمدها إغراق السوق العالمية -والأميركية خاصة- بمنتجاتها الاستهلاكية والصناعية التي تباع بأسعار أدنى من السوق المحلية بكثير. أما في إسرائيل، فليست شعبية أوباما اليوم، أفضل حالاً من شعبية أي رئيس أميركي خلال العشرين عاماً الماضية. غير أن إعلان نتنياهو عن خطة بناء المستوطنات الجديدة في مدينة القدس والضفة الغربية هي التي أثارت التوتر الحالي بين تل أبيب وواشنطن. ويلاحظ أن وزيرة الخارجية كلينتون بذلت جهوداً لطمأنة مؤتمر منظمة "آيباك" على عزم واشنطن على منع إيران من الحصول على أسلحة نووية، في محاولة منها لإعادة العلاقات إلى مجراها الطبيعي مع إسرائيل. وفي اليابان هناك توتر من نوع آخر مع إدارة أوباما الجديدة، بسبب ما بدا لطوكيو تدخلاً في سياساتها الهادفة إلى إخلاء جزيرة أوكيناوا من وجود القوات الأميركية. وبسبب هذا التوتر وصلت اليوم علاقات واشنطن بطوكيو إلى أسوأ مستوى لها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وعلى أوباما أن يحسّن صورته هذه، لأن لصورة القائد، أهمية استثنائية تعادل أهمية الحقيقة نفسها في عالم السياسة والعلاقات الدولية. جويل برنكلي أستاذة الصحافة بجامعة ستانفورد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©