السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«العلاقات العامة» واعتذار «بي بي سي»

20 فبراير 2012
بالنظر إلى وظائفها وعلاقاتها، يحدث كثيراً أن تقع وسائل الإعلام في مخاطر التحول عن وظائفها الموضوعية، والحياد عن معايير النزاهة، وتسقط في فخ العلاقات العامة والخاصة. لكن قليلاً ما تعتذر عن هذا السقوط، وعندما تفعل، فإن من شأن ذلك أن يحفظ ماء وجهها على الأقل، ولكنه لا يقدم ضمانات أكيدة على عدم تكرار «الخطأ». ومؤخراً قدمت شبكة «بي بي سي» التلفزيونية البريطانية اعتذاراً لمشاهديها الـ 74 مليوناً حول العالم، لأنها كسرت قواعد حماية نزاهة تحريرها. وذكرت صحيفة «ديلي ميل» أن الاعتذار مرده إلى أن الشبكة بثت أفلاماً وثائقية انتجتها شركة تلفزيونية بريطانية (إف بي سي) تلقت ملايين الجنيهات من قبل زبائن علاقات عامة وشركات متعددة الجنسية وأنظمة فاسدة. الصحيفة تحدثت عن ملايين الجنيهات الإسترلينية التي دفعت لشركة الإنتاج في إطار «حملة تواصل عالمية» لمصلحة إحدى حكومات شرق آسيا من أجل الترويج لمصنع زيت مثير للجدل، وإنتاجها فيلماً آخر لصالح أحد الرؤساء العرب المخلوعين لم يكن قد بث قبل اعتذار «بي بي سي». والاعتذار بذاته يستحق التنويه، وإن لم يكن واضحاً بعد ما إذا كان الأمر يتعلق بعدم إفصاح الشركة المنتجة من البداية عن تلقيها الملايين الـ 17 من الجنيهات أو رفضاً للمبدأ نفسه. فإذا كان الاعتراض على رفض بث الأفلام «الوثائقية» بعدما تبين أنها لزوم حملة علاقات عامة، يصبح من الواجب عندها إعادة النظر بالكثير مما ينشر ويبث في طول الأرض وعرضها، لأن التمييز والفصل بين الإعلام وبين العلاقات العامة لا يزال غامضاً على مستويات عديدة مهنية ومؤسساتية أخلاقية وتعليمية، على الرغم من السقطات الكثيرة المتكررة التي وقع فيها الإعلام منذ رواج فنون الدعاية السياسية والتجارية، لا سيما في القرن الماضي، وأكثر تحديداً منذ الحرب العالمية الثانية (ازدهار الدعاية النازية) والحرب الباردة التي شرعت استخدام كل الأسلحة القاتلة، ما عدا الحروب المباشرة بين المعسكرين الجبارين آنذاك الاشتراكي والناتو. ورغم تراجع هذه المعسكرات لا يزال التدفق العالمي للمعلومات يخضع في مصادر كثيرة منه لمراكز تحكم وقرارات أحادية تملك من الإمكانات ما لا يملكه غيرها، وهو ما أدى ويؤدي في أحيان كثيرة إلى حروب وويلات، ارتكازاً على أسباب وذرائع قد يتبين لاحقاً عدم صحتها أو دقتها. أحياناً قد لا يكون الاعتذار مجدياً للضحايا بعد سقوطهم. لكن ما يثير الشفقة هو أن بعض الضحايا أنفسهم قد يستمرون في تصديق الدعاية حتى بعد انكشاف أمرها لاحقاً. وغالباً ما يكون ضحايا تصديق حملات العلاقات العامة من الناس العاديين أو عموم الجمهور، خاصة في الحملات التي ترتكز على تحريك النزعات الدينية والعصبية والاجتماعية. لكن حدث كثيراً في التاريخ القديم والحديث أن كان بين الضحايا دول وشعوب أيضاً. وفي تاريخ المنطقة - الحديث جداً - أكثر من مثل على ذلك. ومن هنا تبرز ضرورة الحذر الشديد، خاصة من حملات «العلاقات العامة» التي تمهد للحروب بطريقة باتت ساذجة ومكشوفة. barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©