مجسمات الرمال.. خيال بديع تصونه الذاكرة

تبدد الفنون الجميلة بعض مقولات قد لا تنطبق كلياً على أرض الواقع، إذ تومض في الوجدان مقولات عن قصور الرمال التي سرعان ما تُهدم، بينما ثمة شواهد تشير إلى إبداع وروعة بناء مجسمات من الرمال فوقها، على شاطئ يبدو مشرّعا أحضانه للبحر الذي يقبّل بدوره وجنة الشاطئ الذهبية، بأمواجٍ زبدها شوق أبيض يتجدد، فتختزنها الذكريات وتصونها الذاكرة حتى لو هُدمت بعد حين. ذلك لسان حال زوار «مهرجان الغربية الأول للرياضات البحرية»، الذي اختتم فعالياته مؤخراً، وكان قد أقيم في مدينة المرفأ، فأتيحت لهم فرصة مشاهدة مجسمات رملية رائعة تحاكي تفاصيل بيئية وتاريخية، تشمخ قبالة البحر، أنجزها المشاركون في «مسابقة النحت على الرمال» وفاز الفريق صاحب تصميم «التنين» بالمركز الأول فيها، وضم فؤاد يوسف ومحمد رجائي. فيما شهدت المسابقة مشاركة واسعة من بعض الفنانين وسواهم من الموهوبين الذين أطلقوا العنان لخيالهم، ليبدعوا نماذج جمالية تندر مشاهدتها في الدولة خارج إطار المهرجانات والفعاليات، حيث قام اسماعيل الحمادي وعبدالعزيز الحمادي بنحت وجه من أبناء البلد على الرمال، فيما قدم علي الحمادي وعزيز الحمادي مجسماً للشخصية الكرتونية المحلية «أم خماس» على هيئة عروس البحر، بينما نحت عيسى الهاشمي وصحبه مجسماً بالرمال لقلعة تاريخية، وشهدت المسابقة نماذج بديعة أخرى. وتستخدم عادة في هذا النوع من الفنون: الرمال والماء وعود من الخشب، فلا يستعمل المتسابق الإسمنت أو المثبتات الأخرى مطلقاً، بل يعتمد إحدى وسيلتين لإنجاز مجسمه، فإما يقوم بضغط الرمال في مكعبات خشبية، ثم تخرج القوالب وتنحت من الأعلى للأسفل، أو يبدأ النحت وفق الطريقة التقليدية ببناء المجسم من الأسفل وإلى الأعلى، وذلك بحسب ما يتطلبه المجسم وفق هيئته وارتفاعه ونقوشه. بذا تشكّل رمال البوادي بامتدادها واتساعها ومصافحتها لخط الأفق، وعناقها للشمس في النهار، ومسامرتها القمر والنجوم في الليل، باعثاً للناس –خاصة الفنانين- على التأمل والتخيل والابتكار، ومحاكاة أوجه الطبيعة، فيشهد عليها ذهب الرمال المتحركة، التي لا تكتفي أن تلمع وتتحرك وحدها في البوادي والشواطئ، بل تحرك إبداع الناس وتلمع في مخيلاتهم فيطلقون على أرضها نماذج من ابتكاراتهم الجميلة.