الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أمين معلوف: أفخرُ بجائزة تحمل اسم الشيخ زايد

أمين معلوف: أفخرُ بجائزة تحمل اسم الشيخ زايد
27 ابريل 2016 03:46
جبريل جالو - باريس - الاتحاد الثقافي في السابع عشر من أبريل الجاري، أعلنت جائزة الشيخ زايد للكتاب قرار هيئتها العامة ومجلس أمنائها بتسمية الكاتب اللبناني المعروف أمين معلوف شخصيّة العام الثقافيّة في دورتها العاشرة، تقديراً لتجربة روائي حمل عبرَ الفرنسيّة إلى العالَم كلّه محطّات أساسيّة من تاريخ العرب، وتاريخ أهل الشرق بعامّة، وسلّط أضواءً كاشفة على شخصيّات نذرت نفسها لإشاعة الوئام والحوار الثقافيّ بين الشرق والغرب، وأعاد خلق تجارب فذّة ومغامرات مؤثّرة، وتميّز في هذا كلّه بأسلوب أدبيّ يجمع مفاتن السّرد العربيّ إلى بعض منجزات الحداثة الغربيّة في الكتابة الروائية وكتابة البحث الفكريّ. بدوره، سارع «الاتحاد الثقافي» لمقابلة معلوف فكان هذا اللقاء في بيته في العاصمة الفرنسية باريس. أمين معلوف لبناني عربي عالمي، تجتمع فيه الهويات بسلام ومحبة، لا تتنافر ولا تتخاصم، بل يغني بعضها بعضاً، يسميه بعضهم «سفير العرب» و«رحالة بين الحضارات» و«الكاتب الإنساني»، إذ كرس أمين معلوف حياته لهدم الحواجز بين الشعوب خدمة للتواصل والتعددية والاحترام. وحصد الكثير من الجوائز الأدبية وأرفع الأوسمة الثقافية في فرنسا ولبنان وفنلندا وإمارة موناكو، كما حصل على جائزة «كونغور»، وجائزة الصداقة الفرنسية العربية وغيرها، وهو يتربع منذ العام 2011 على الكرسي رقم 19 في الأكاديمية الفرنسية للخالدين. أمين معلوف 67 عاماً، غني عن التعريف، صدرت له مجموعة من الكتب والروايات من بينها: الحروب الصليبية كما رآها العرب، الهويات القاتلة، كرسي على السين، صخرة طانيوس، التائهون، اختلال العالم، ليون الأفريقي، وغيرها. يعيش أمين معلوف يومياته بتواضع العارفين وهدوء المعتزلين بعيداً عن ضجيج الحياة، يقرأ الماضي ويكتب عنه ويحلم بمستقبل أفضل للعالم العربي وللعالم. يتقن العربية والفرنسية والإنجليزية ويتعامل بها بشكل يومي في القراءة والكتابة والتواصل. غبطة وفخر وامتنان * اختارتك جائزة الشيخ زايد للكتاب شخصية ثقافية للعام، كيف تشعر؟ ** شعرت بالغبطة والامتنان حين تلقيت نبأ اختياري شخصية ثقافية لهذا العام من طرف جائزة الشيخ زايد للكتاب، وهو شرف عظيم لي، أحتفي به بكل معاني الشكر والاعتزاز، وأفتخر بأن أحظى بجائزة تحمل اسم الشيخ زايد بن سلطان آن نهيان رحمه الله. وهذا التكريم مهم بالنسبة لي، لأني كسرت حياتي لبناء الجسور وكسر الحواجز بين الحضارات والثقافات، كما أن دوري هو تعريف القراء في العالم بالنواحي المشرقة من الثقافة العربية وتاريخ العرب. ومن المهم أن ينفتح العالم بعضه على بعض، ونطلع على ثقافات الآخرين وإرثهم وتراثهم وتاريخهم. ومما يزيد غبطتي وسروري هو هذا الاهتمام بالثقافة والأدب، الذي يعتبر اليوم مسألة ضرورية، كما أني شعرت أن هذه الجائزة ليست موجهة لشخصي، بل إنها تكريم للثقافة والأدب والتواصل، لأن من الضروري أن يستعيد العالم الاهتمام بالمعرفة وبتاريخ الآخرين، وهذه المعرفة وهذا التاريخ لا يمكن تأمين التوصل إليهما إلا عبر الأدب والفنون. وسأقول هذه الكلمات من القلب وبكل إخلاص واعتراف بالجميل خلال لقاءاتي قريباً في الإمارات العربية المتحدة وفي أبوظبي. القارئ نِدٌّ لي * كثيراً ما توصف بالكاتب الإنساني، ماذا يعني ذلك بالنسبة لك، وكيف نشأت علاقتك باللغة والكتابة؟ ** لا أصف نفسي بكاتب كذا أو كذا، فمن الصعب على الإنسان أن يقيم نفسه بتجرد، فحين أكتب أحاول أن أعبر عن مشاعري وآرائي. وفي الوقت نفسه أعتقد أن دور الكاتب هو أن يتجه نحو القارئ. بمعنى أن مسؤوليتي هي أن تكون أفكاري وآرائي واضحة، وذلك احتراماً للقراء الذين هم في الحقيقة في ندية كاملة مع الكاتب، ولأن كاتباً مثلي في الحقيقة هو قارئ، يمنح القراء ما يحتاجه في قراءاته. وفي الحقيقة فإن ما يقدمه الكاتب هو حصيلة وتراكم وتأثر من كل قراءاته ومشاهداته ومعايشاته، فهو يحاول أن يترجم الصور والكلمات والتجارب إلى صيغة تتوافق مع شخصيته وأفكاره وحسه. نشأت في بيت كان فيه والدي يكتب النصوص الأدبية ويقرض الشعر وله ديوان ومجموعة قصائد بعضها نشر والبعض الآخر يصعب اليوم جمعه لأنه نشرها في صحف مختلفة، وأذكر أن والدي كان يقول لي إنه يحفظ أكثر من 1000 بيت من الشعر العربي، ولم أستغرب ذلك، فقد كان يهتم بالشكل الكلاسيكي بمضمون حديث. وأضيف هنا بأن الشعر الحديث أصعب حفظاً نظراً لغياب القافية، التي تسهل الحفظ. من هذه الزاوية فإن والدي كان المصدر الأول لارتباطي بالأدب العربي. وكان ارتباطي مبكراً بالأدب العالمي من كتابات «دكنز» و«توماس مان» و«استرفيد» وآخرين. أنا في الحقيقة أتعامل بشكل يومي بثلاث لغات، هي العربية والفرنسية والإنجليزية، وذلك ليس حصرياً علي، كما أنه ليس غريباً في لبنان. أما قصة علاقتي بهذه اللغات، أولاً: العربية هي لغة التواصل بين عائلتي والدي ووالدتي فهي لغتنا الأم، أما الإنجليزية فلأن علاقة عائلة والدي بالجامعة الأمريكية في بيروت قديمة وتعود لأيام جدي ووالدي وأغلب أفراد العائلة، وهي علاقة يومية. أما أنا فبدأت دراستي بالمدارس الفرنسية، وهذه التعددية اللغوية هي واقع ثقافي في لبنان منذ بداية القرن العشرين. وحقيقة الأمر أني أجد لذة خاصة حين أكتب بالعربية، أما قراءاتي اليوم فمعظمها بالإنجليزية وارتبطت بهذه اللغة كلغة قراءة منذ الصغر في مكتبة والدي، وأكتب أحياناً المحاضرات بالإنجليزية. أما اللغة التي بدأت أكتب بها كل ما هو روائي فهي اللغة الفرنسية، وذلك منذ أكثر من أربعين سنة. وتزامن ذلك مع قدومي إلى باريس بُعيد اندلاع الحرب في لبنان، حيث كنت أكتب في جريدة النهار اللبنانية في القسم الاقتصادي، ثم القسم الدولي، وبعد وصولي إلى باريس التحقت بمجلة «جين أفريك» وكانت هذه المجلة بوابة بالنسبة لي إلى فضاءات واسعة في العالم. قربى أكاديمية * أنت ثاني شخصية ثقافية عربية التحقت بالأكاديمية الفرنسية بعد الكاتبة الجزائرية آسية جبار، فماذا يعني لك الانتخاب في الأكاديمية الفرنسية وما هي العلاقة التي جمعتك بالراحلة آسية جبار؟ ** أولاً الانتماء للأكاديمية الفرنسية هو حلم وهدف لأي كاتب في فرنسا، وهو انتماء يسعد الكاتب وقراءه وأصدقاءه، لكنه في الحقيقة يحمل تفاصيل ومشاعر لا يمكن تصورها ولا وصفها قبل الانتماء لمجموعة من الناس في الأكاديمية تربطها علاقات فكرية في إطار التعددية والاحترام، إلى جانب العلاقات الإنسانية التي تربط بين أعضاء الأكاديمية، نظراً لأن الأكاديمية تختار الكتاب بعد تقدمهم في السن، فعمر متوسط الأعضاء تقريباً هو ستين أو سبعين سنة، فتنشأ بين الأعضاء علاقات ودية كأنها علاقات قربى، فكل فرد في الأكاديمية يهتم بما يجري للآخرين من فرح وحزن وصحة وصورة في المجتمع، وكل هذا يأتي من الشعور بالبقاء معاً حتى آخر يوم من حياتهم، وهذا الشعور لا يمكن أن يخطر بالبال قبل الولوج للأكاديمية. نعم، الكاتبة الجزائرية آسية جبار، قدمت أعمالاً كبيرة ومحترمة في مجال الأدب والسينما، وجمعتنا معاً الأكاديمية «بالاسم»، ذلك أننا لم نلتق في الأكاديمية فترة وجودنا فيها بسبب ظروفها الصحية، فلم تسمح الحياة بذلك لحين رحيلها وهذا محزن حقاً، لكننا التقينا قبل ذلك في لقاءات ودية وطريفة، ويجمع بيننا وحدة اللغة الأم وهي قرابة ثقافية، وآسية جبار امرأة عرفت تجربة حرب الجزائر والعلاقات المعقدة بين الجزائر وفرنسا، كما عرفتُ تجربة الحرب في لبنان، لكنها تبقى تجارب وأزمات مختلفة. أعود وأقول بأن آسية جبار قدمت أعمالاً جليلة في مجال الأدب والسينما. * منذ دخولك إلى الأكاديمية الفرنسية «للخالدين»، وهو وصف لا تحبه طبعاً، تواضعاً منك، فقد كتبت عن أسلافك في المقعد رقم 29، فلماذا كتاب «مقعد على السين»؟ ** دعني أوجز المسألة في أن الأكاديمية الفرنسية رغم شهرتها في العالم ومعرفة الناس لها، فإن طقوسها وكثير من الشخصيات التي انتخبت فيها في الماضي غير معروفة في العالم وأحياناً في فرنسا، لقد طوى النسيان أسماء بعض أعضاء الأكاديمية الأوائل، الذين لم تعد أعمالهم تقرأ حتى في فرنسا ومن بينهم أول من شغل المقعد رقم 29. ومن بين طقوس الأكاديمية الفرنسية أن يقدم العضو الجديد في الخطاب الرسمي للجلسة العلنية لاعتماده ورقة احتفاء وإشادة بالعضو السابق في نفس المقعد. وحين حصلت على الدليل الذي يشتمل على لائحة أسلافي في المقعد وهم ثمانية عشر عضواً منذ العام 1634 وأنا هو العضو رقم 19. شعرت بأن انتخابي يجعل مني وارثاً لكل الذين سبقوني لهذا المقعد. وهم مختلفون كثيراً بعضهم عن بعض، والقاسم المشترك بينهم هو أنهم شغلوا هذا المقعد بعد وفاة من سبقوهم، لذا اخترت أن أكتب عنهم وأخصص لكل منهم فصلاً في كتابي «مقعد على السين» ومن بينهم هؤلاء الأسلاف «أدرسترونه» الذي عاش فترة من عمره شمال بيروت. وقام بأنشطة أركيولوجية وله الفضل في الكثير من البحوث عن حقبة الفينيقيين. وفي إحدى رحلاته للبنان عام 1861 رفقة أخته التي تكبره بحوالي 12 سنة، وكان يعتمد عليها كثيراً، أصيبا بمرض يعتقد أنه الملاريا، توفيت على أثره أخته، ودفنت في لبنان. وعثرت في إحدى كتابات «أدرسترونه» أنه يأمل أن يلتقي أخته مرة أخرى في حياة ثانية، كما أن من بين من سبقوني لهذا المقعد «جوزيف ميشو»، وهو أحد الكتاب الذين كرسوا حياتهم للكتابة عن الحروب الصليبة، فكان كتابه المكون من سبعة أجزاء أحد المراجع الأساسية التي اعتمدت عليها فترة إعداد كتابي «الحروب الصليبية كما رآها العرب»، وهناك آخرون شغلوا نفس المقعد لم أعرفهم ولم أسمع عنهم من قبل مثل «بيير بردن» الذي لم يعد يعرفه أحد اليوم في فرنسا. * لو عدنا لبعض كتبك السابقة، كيف تنظر إليها بعد مرور سنوات على نشرها؟ ** في الحقيقة، قليلاً ما أكرس الوقت لكتبي السابقة، لأن أفكاري مركزة دائماً في عزلتي على الكتب التي أنا بصدد إعدادها، وأعتقد أن الكاتب عندما يصدر كتاباً فإن هذا الكتاب ينتقل من ملكيته إلى ملكية القارئ الذي يقرؤه كله أو بشكل جزئي أو يعود إليه في فترات مختلفة، ودور الكاتب هو أن يتفرغ للكتب الآتية. مع أنه قد يعود لكتبه السابقة بعد سنوات، لكن بنظرة مختلفة عن أسباب وظروف كتابتها، ذلك أن الذاكرة لا تكون صادقة بالضرورة في استحضار ظروف نشأة كتاب معين. * لهذا نريد أن نطلع القراء على نظرتك اليوم لبعض كتبكم السابقة؟ ** مبتسماً: بكل سرور. ليون الإفريقي: قصة إنسان ترك بلاده وهي الأندلس، بسبب الحروب التي فرضت المغادرة والهجرة على عائلته، وبعد سنوات وجد نفسه في بلاد مختلفة ويكتب بلغة غير لغته الأم، وهي قصة مشابهة لقصتي حين غادرت لبنان بعد الحرب، وبدأت أكتب بلغة غير لغتي الأم. الهويات القاتلة: كتبت هذا الكتاب حين شعرت بظاهرة التصارع بين الشعوب وعدم احترام الهويات المختلفة بسبب نظرات خاطئة ومحدودة لما هي هوية الإنسان. اختلال العالم: هو في الحقيقة امتداد لكتاب الهويات القاتلة، حيث إن الأخير يحذر من دخول العالم في دوامة صراعات، جاء كتاب اختلال العالم ليتحدث عن بدء هذا الصراع المؤسف. صخرة طانيوس: هو كتاب يتحدث مباشرة عن لبنان وتاريخه، ولبنان في الحقيقة حاضر في كل كتاباتي فهو مصدر إلهامي، في الوقت نفسه لم أكتب كثيراً عن لبنان، لأني ككاتب لست من الذين يستطيعون الكتابة عن ما يتحكم ويستحكم في مشاعرهم ووجدانهم. التائهون: هو كتاب مستوحى من فترة الشباب خلال السن الجامعية، حين كنا نحلم بلبنان أفضل، وجاءت الحرب وقضت على هذه الأحلام، فهو كتاب يتحدث عن فترة الشباب في زمن الشيب، فكما أن العالم العربي بآماله وآلامه وتاريخه يشغلني إلا أني أفضل الكتابة عن الفترات التي تفصلنا عنها عدة قرون، وهذا طبعي وليس لدي تفسير لذلك، لأني أعيش في عزلتي وأحاول أن أنظر من نافذتي إلى العالم بنظرة متجردة لحد ما، فأنا بعيد عن الأحداث الآنية. * كثيراً ما تتناول صراع الحضارات بأسلوب مختلف، ففي الوقت الذي تؤمن بوجوده فإنك ترفض أن يكون هذا الصراع هو مستقبل العالم؟ ** نعم، لا أعتقد أن على الإنسان اليوم أن يقيم هذه الحضارة أو تلك، فالمهم هو أن نتعرف على تاريخ الشعوب، وأن نحاول أن نزرع في أبناء الشعوب الأخرى الاهتمام بتاريخنا، وأن نهتم بتاريخهم، وهذا ما حاولت أن أعبر عنه في العديد من كتاباتي. * هذا الحديث يقودنا لما يجري في العالم العربي، فقد وصفت ما سمي بالربيع العربي في بداياته بأنه «زلزال»، كيف تنظرون إليه اليوم وإلى مستقبل العالم العربي؟ ** لا أعرف ماذا يخبئ المستقبل، ولا يمكنني التكهن بذلك، لكنني آمل بمستقبل أفضل للعالم العربي ولكل العالم، وهذا هو حلمي في الماضي وهو حلمي اليوم، وسيبقى هذا حلماً لي طيلة حياتي. بكل تفاؤل لأن اليأس لا مكان له في قاموسي. أحلم بعالم عربي أكثر هدوءاً وإنصافاً بحيث يتيح للإنسان العربي ولكل الإنسانية الكرامة والرفاه، وأعتقد أن ما سمي بالربيع العربي لم يحقق آمال الشعوب. والعالم قادر على أن يقدم الأفضل للأجيال القادمة، فعصرنا جميل بإنجازاته المعرفية والتكنولوجية التي أتاحت لنا سُبل التوصل للعلم بوسائل لم يكن يحلم بها أسلافنا، ومن المؤسف أن البشرية لم تستطع حتى اليوم أن تقفز بمستوى التواصل والوئام بين الشعوب لدرجة الطفرة التي نشهدها في مجال التكنولوجيا والمعرفة. كم آمل أن تستفيد الأجيال القادمة من منجزات عصرنا وتسخرها في خدمة التواصل والوئام والتعايش.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©