الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المؤونة اللبنانية حنين دائم إلى رائحة «الضيعة»

المؤونة اللبنانية حنين دائم إلى رائحة «الضيعة»
19 فبراير 2011 21:58
يتواصل الحنين الى الماضي الجميل على الرغم من كل ما نشهده من ابتكارات واختراعات وتكنولوجيا. إذ تبقى هناك حياة ريفية عفوية تفضل العيش مع ما تكتنزه الطبيعة من خيرات الخضراوات والفواكه، بعيداً عن الفيتامينات وبذور الكيماويات التي «ترش»بهدف إنتاج وحصاد سريع. فيما تقوم الجدات في الريف اللبناني بتحضير المؤونة من موسم لموسم، وهي «مونة» تشمل مختلف أصناف المأكولات والأطعمة وفيرة الخيرات، والتي يلقي عليها الضوء من خلال هذا التحقيق. عماد ملاح (بيروت) - لاتقتصر المأكولات الشهية المفيدة على ما يوضع على الطاولة من أصناف الطعام والطبخ! بل المأكولات الشعبية التراثية «المونة» الريفية التي تحمل رائحة «الضيعة» وتجمع التقاليد والعادات المحببة لدى المزارعين والفلاحين الذين يفضلون أكلة «كشك» أو عجينة زعتر وزيت على الصاج (مناقيش)، أو حبة زيتون وفجل وورقة نعناع على «الهمبرغر». من موسم لموسم تعتبر مؤونة الشتاء اسم على مسمى، فهي تموين يثير شهية أهل الريف، لضرورة التحضير لموسم يبعدهم عن نتاج «السوبرماركت» والتعاونيات الاستهلاكية، حيث أصبح كل شيء معلباً ومصنعاً بأشكال لا طعم فيها ولا لون. لذا مع حلول فصل الشتاء، يبدأ الفلاحون والمزارعون بالاستعداد لمواسم «المونة»، وتنهمك العائلات اللبنانية بالتحضير للعديد من الأصناف: حبوب، مجففات، مقددات، مربيات، ألبان وأجبان.. وهذه المؤونة لها تقاليد يحرص المزارع على عدم التخلي عنها، خصوصاً وأن شتاء الأرياف يحمل الصقيع والثلج والبرد القارس، حيث يصعب التنقل وتقطع الطرقات، إضافة إلى سبب رئيس هو عدم توافر الخضراوات والفواكه إلا في مواسمها التقليدية، والشيء نفسه بالنسبة إلى اللحوم ومشتقات الحليب. تبدأ رحلة التحضير لمؤونة الشتاء من الزيت والبرغل ودبس البندورة وكبيس الزيتون والكشك والأجبان والمربيات ودبس الرمان وغيره، وجميعها تشكل زوادة لأهل البيت طيلة الموسم، مع حكايات عن ضرورة الثبات على تقاليد القرية اللبنانية والعفوية في تحضير أصناف المؤونة. فوائد جمّة منقوشة الزعتر، واللبنة، والجبنة، والبيض، والفول، والزيتون، من الأصناف المعروفة في «الضيعة» اللبنانية، وهي إحدى أهم الوجبات اليومية التي يحب الانسان تناولها، للتمتع بنظام غذائي صحي ومتوازن. إذ ينصح الأطباء أن «تتضمن الوجبات نوعية معينة من الطعام، تتألف من البروتين والمعادن والكالسيوم، والفيتامينات». فتكون وجبة كاملة وركيزة أساسية ليوم عمل طويل. وتحتل المؤونة في برنامج الغذاء اليومي لدى الفلاح مساحة لا يستهان بها من أسلوب حياته مما جعلها ضرورة يحتاجها للتحلي بذهن صاف وعملي كما يقول أبوحسين الدهيني، الذي يشرح وجبات الطعام القروية: «لا يمكن الاستغناء عن زوادة المؤونة فوجبات «الترويقة» والغداء والعشاء ضرورية، خصوصاً أن الأولى تبدأ نهارك فيها، وتعني «الرواق» والهدوء والطمأنينة، فالمثل الشعبي يقول: تروّق وتفوّق». وتتألف «مونة» الشتاء من لائحة طويلة غنية ومنوعة من الأطباق اللذيذة والدسمة والخفيفة، وفي الإمكان جمعها على مائدة واحدة، أو تذوقها بالتقسيط، أي توزيعها على مختلف أيام الأسبوع، حسب القابلية والاختيار. فـ»المنقوشة» بالزعتر تتسلل رائحتها الشهية من دون مقاومة، خصوصاً إذا كانت من نتاج الصاج والتنور والطابونة (أنواع لأفران قديمة تعمل على الحطب)، والدولة اللبنانية اعتمدتها رمزاً من رموز السياحة بعدما أضيفت إليها الجبنة واللبنة والسمسم والكشك والبصل والبندورة، ويتم تناولها مع الخضار كالنعناع والزيتون والبصل الأخضر. مجموعات رئيسة من جهته يقول أحمد فوعاني الذي يعمل في حقله في بلدة الطيبة، ولا يعرف طعام المدن، ولا يتذوق سوى ما تنتجه أرضه من خيرات: «إن المؤونة اللبنانية تقسم إلى خمس مجموعات رئيسة هي اللحوم التي تتحول الى مقددات مثل «القورما»، وهي كناية عن كمية من اللحم المقطع بشكل «رأس عصفور»، تغمس بالدهن الذي يحفظها من التلف، وتحفظ في آنية فخارية يطلق عليها اسم «المسامن»، وتؤكل مع البيض المقلي والحمص المهروس وسائر المتبلات، وقد انتقل هذا الغذاء إلى المطاعم نظراً لإقبال الزبائن على طلبها. أما مشتقات الحليب من الألبان والأجبان فإن ربة المنزل تهتم بإعداد الجبنة البلدية البيضاء واللبنة الكروية التي تغمس بزيت الزيتون كي تدوم لفترة طويلة، عدا «القريشة» أي لبن يوضع في جرة مثقوبة ثقباً صغيراً، يتسرب منه مصل اللبن لكي «يخمّر». وأيضاً هناك «الشنكليش» وهو عبارة عن كرات كبيرة مغمسة بالزعتر الجاف الى جانب «الفلفل» الحار». ويسترسل فوعاني مضيفاً: «بالنسبة للحبوب، فإن سلق وتحميص القمح وتحويله إلى برغل يعطينا عدة أنواع وأحجام حسب الذوق، لأن هناك البرغل الأبيض والأسمر وأيضاً الناعم والخشن، وأبرز الاستخدامات تكون في «البتولة» والكبة. وتأتي وجبة «الفريكة» المؤلفة من القمح الأخضر الذي يحرق ويتم فركه باليدين من أجل التجفيف حتى يصبح صالحاً للطبخ مع اللحم أو الدجاج». خيرات الأرض تعتبر الخضراوات من أهم المؤن في البيت القروي وفي المدن، والمخللات من أشهرها، حيث توضع في أواني زجاجية مع الخل والملح والثوم، وهناك «المكدوس» الشهي أي الباذنجان الذي يتم إعداده مع الجوز والزيت بدلاً من الخل. وتأتي الأعشاب البرية مثل (الزهورات والبابونج والزوفا وورق الورد والنعناع واليانسون) لتشكل منفعة صحية وطبية للإنسان، بعيداً عن الأدوية ووصفات الأطباء، حيث نجد كوب زهورات يعادل مجموعة أدوية قد لا تفيد. كذلك فإن الفواكه المجففة والمربيات لها طعم آخر، خصوصاً «مونة» مربى المشمش والسفرجل والخوخ والفريز والكرز والتين، مع إضافات من السمسم والجوز والمسك، إلى جانب قوارير ماء الزهر والورد. أما التين المجفف والعنب، فهما يوضعان تحت أشعة الشمس فترة من الوقت ليتم أكلهما مع الجوز واللوز والصنوبر. أيضاً، فإنه قديماً لم تكن الكهرباء منتشرة في كل المناطق، خصوصاً في الأرياف والقرى النائية، ولم تكن هناك تجهيزات حديثة في متناول الجميع، لذا كانوا يعتمدون على الفخاريات التي تعدل الحرارة لحفظ المؤونة من القمح والطحين وغيرها. كما كانت أكياس الخيثش» المصنوعة من القصب تحفظ الحبوب على أنواعها». زواد المغتربين توجد في مناطق لبنان سيدات وربات بيوت ذاع صيتهن في التعاطي مع المؤونة كتجارة وباب رزق. فالسيدة أم محمد بدرالدين، تشتهر بين قريناتها بجودة وطيب مأكولاتها الشعبية خاصة «الكشك» الذي تصنعه، حيث يتوافد الزبائن ومن بينهم نسبة كبيرة من المغتربين للتزود به وبغيره من الأصناف مثل (المربى ودبس البندورة والمكدوس). أما أم بسام حمود فتشتهر بدورها في تحضير مؤونة الملوخية والبرغل وبعض أنواع الشراب مثل التوت والورد عدا الدبس المصنّع من العنب، والدبس البلدي الذي بات بمثابة الدواء الشافي للعديد من الأمراض، إلى جانب العسل الطبيعي والصافي. قديماً، كانت «المونة» جزءاً من التراث الشعبي العفوي، وكان الفلاحون يتمسكون بهذا التقليد والموروث عن الآباء والأجداد. ويكفي مشهد تعليق ثمار الرمان في سقف المنزل وغيره، كفاكهة لسهرات الشتاء والرد والصقيع، إلى جانب تخزين العنب والتين المجفف في خوابي خاصة، تواكب تصنيع الخبز المرقوق على الصاج. الآن أوشكت أن تختفي هذه العادات، فالأفران الآلية وقفت سداً منيعاً في وجه رغيف الخبز، وأوان «الكبيس» والمخللات بماركاتها المحلية والأجنبية أصبحت زينة «السوبرماركت» وإن كانت تخلو من الطعم والمذاق الشهي في زمن العمل وضيق الوقت، وعصر «الدليفري» السريع. إضاءات ? لا يزال سكان الكثير من المناطق اللبنانية خاصة في (الجنوب، بعلبك، أقاصي الشمال، البقاع، والقرى النائية) يحافظون على أصالة التقاليد الغذائية الشعبية، ويعتمدون على «المونة» التي نراها في الخوابي والفخاريات والخزائن. ? في أوائل شهر (اكتوبر) من كل عام، تتفرغ السيدات وربات البيوت لتحضير «مونة» العام المقبل، التي تضم مأكولات متنوعة ومربى بأنواعه والعديد من الحبوب المختلفة. ? تدوم معظم المؤن طوال السنة، وتحافظ على الشروط الصحية دون أن تتعرض إلى التلف لأنها تخزن في أوعية مصممة خصيصاً لحفظها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©