الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أماكن اللهفة

13 يناير 2016 00:04
أيامي كلها متوقفة على عتبة الأماكن.. فمنذ غيابكِ، والأماكن تعبث معي، وتتعمّد إحراجي، وتؤلم ذاكرتي، فكيف ليومي أن يغدو، والأماكن من حولي توشوشني وتغمز لي وتشاكسني؟؟ وكيف للنسيان أن يتجرأ عليّ، والأماكن في كل لحظة توقعني في شَرَك الذاكرة؟ أيامي متوقفة، وما كانت لتقف في وجودك، ففي وجودك الأيام تمضي وتهرب. كلمات ما كُنت لأنثرها لولا تحريض الأماكن التي أشعلت فتيل الذكريات.. الأماكن التي لطالما وقفت لي بالمرصاد، وشغلت حيزاً كبيراً من وقتي، وأنا أتأملها بصمت يحمل الكثير من الضجيج.. الأماكن، تلك الذاكرة الحديدية التي لا تهرُم، والرائحة التي لا تغيب.. منها ما يقطُر حزناً، وأخرى تشع فرحاً، وبعضها يسرد لنا حكايات الحنين.. منها ما تقودنا إليها أقدامنا لا شعورياً، ومنها ما تأخذنا إليها اللهفة، ومنها ما تشهق له القلوب قبل الأنفاس حين تصادفنا في غفلةٍ من أمرنا، فكيف يغشانا النسيان والأماكن تحاصرنا من كل اتجاه؟ وكيف لهذا الجماد أن يبث الروح في الماضي، ويعيد شريط الذكريات بنفس اللون والطعم والرائحة؟ ولماذا تبقى الأماكن تسكننا رغم رحيلنا عنها؟ لماذا تبقى مغروسة كخنجر في خاصرة الذاكرة، وتظل ناقوساً يدق في دواخلنا بين الحين والآخر؟ الأماكن لا تعرف المحاباة ولا المجاملة، هي دائماً ما تشي بالحقيقة، أو بالأحرى حقيقتنا التي مهما أخفيناها عن الآخرين تظل في خفايا الروح كوشم منقوش لا يقبل الخداع والتزييف، فكم من شاعر هيّظت مشاعره الأماكن ليجود للعلن بما تخفيه سريرته من حُب ووله، وتصير القصائد شاهدة على أن الأماكن لها التأثير السحري الذي لا يُقاوم، رغم غياب الأحبة عنها، كمجنون «ليلى العامرية» حين أنشد قائلاً: «أمر على الديار ديار ليلى أقبّل ذا الجدار وذا الجدارا.. وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا» وكأن الأماكن هي من كتبت أبيات القصيد وليس شاعرها، لتبقى الأماكن هي الأكثر تحريضاً على نبش الذاكرة، فكيف يمكننا الهروب وأماكن الذكريات تلاحقنا دون كلل أو ملل؟ كما قالت أم كلثوم في أجمل أغنياتها: «أهرب من قلبي أروح على فين، وليالينا الحلوة في كل مكان». أحمد سالم الغافري - العين
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©